شدد وزراء خارجية الأردن وتركيا وسوريا، خلال مؤتمر صحفي مشترك عقد في العاصمة التركية أنقرة اليوم الاثنين، على ضرورة دعم الأمن والاستقرار في
حزب العمال الكردستاني يعلن نهاية 4 عقود قضاها بين السلاح والسياسة

في خطوة وصفت بالمفصلية في تاريخ القضية الكردية، أعلن حزب العمال الكردستاني" pkk" الإثنين، عن حل نفسه رسمياً وإلقاء السلاح، استجابة لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان.
حزب العمال الكردستاني 4 عقود بين الرصاصة والسياسة
القرار جاء بعد أكثر من أربعة عقود من العمل المسلح ضد الدولة التركية، وبعد مسار طويل من الصراع السياسي والعسكري الذي خلف عشرات آلاف القتلى والجرحى، وغيّر ملامح جنوب شرق تركيا لعقود.
الخطوة التي جاءت متزامنة مع مبادرات إقليمية ودولية لإحياء عملية السلام الكردية-التركية، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقة بين الدولة التركية والمكون الكردي، وتثير أسئلة كبرى حول مصير التنظيمات المرتبطة بالحزب خارج تركيا، ومستقبل أوجلان نفسه.
البدايات: من حلم “كردستان الكبرى” إلى نار المواجهة
تأسس حزب العمال الكردستاني يوم 27 تشرين الثاني 1978، في قرية "فيس" بمنطقة ديار بكر جنوب تركيا، على يد مجموعة من الناشطين الأكراد بقيادة عبد الله أوجلان. كان المشروع الجديد يتجاوز سقف المطالب الكردية التقليدية آنذاك، التي انحصرت في الحقوق الثقافية والحكم الذاتي، ليطرح رؤية أكثر جذرية تدعو إلى إنشاء دولة "كردستان الكبرى" لتضم أكراد تركيا، العراق، سوريا، وإيران.
أوجلان ورفاقه رأوا أن المواجهة مع الدولة التركية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، فقرروا منذ اللحظة الأولى دخول المعركة بسلاح مفتوح ضدها.
تحولات فكرية: من الماركسية إلى “الكونفدرالية الديمقراطية”
في بدايته، نهل الحزب من الفكر الماركسي-اللينيني، ورفع شعارات الاشتراكية والثورة المسلحة، لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن العشرين، دخل الحزب في مراجعات فكرية عميقة، وتخلى تدريجياً عن الاشتراكية الصارمة، ليتبنى لاحقاً نظرية "الكونفدرالية الديمقراطية" التي تركز على الحكم المحلي والتعايش بين الشعوب.
وجاء المؤتمر الخامس للحزب عام 1995 ليؤكد هذا التحول، حيث تم التخلي عن شعارات ومظاهر الاشتراكية التقليدية، واستبدال رموز الحزب، في إشارة إلى تحوّل فكري بات أكثر ليونة وواقعية.
السلاح في الميدان: بداية الصراع الدامي
في 15 آب 1984، أعلن الحزب أولى عملياته المسلحة فيما سُمي بـ"قفزة آب"، حيث استهدفت قواته مواقع للجيش والدرك التركي في محافظتي "سعرت" و"هكاري"، مسفرة عن قتلى وجرحى. لم تكن تلك الهجمات سوى بداية لحقبة من العنف والدماء امتدت لعقود، أدت إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص بين مدنيين وعسكريين من الطرفين.
الرد التركي كان عنيفاً، وتجلّى في إنشاء ميليشيات "حراس القرى" الكردية الموالية للدولة، وشن حملات عسكرية في الجبال، وأخرى عبر الحدود طالت معاقل الحزب في شمال العراق.
رعاية من نظام الأسد: علاقة معقدة بسوريا
في سنوات الصراع الأولى، تلقى الحزب دعماً مباشراً من نظام حافظ الأسد في سوريا، الذي استخدمه كورقة ضغط ضد أنقرة في ملفات المياه والتحالف التركي-الإسرائيلي. حيث احتضن النظام السوري زعيم الحزب عبد الله أوجلان، ووفّر لمعسكراته مناطق تدريب في سهل البقاع اللبناني، ما أثار غضب تركيا وهدد بحرب بين الجانبين.
بلغ التوتر ذروته عام 1998، وانتهى باتفاق "أضنة"، الذي ألزمت فيه دمشق نفسها بإخراج أوجلان من أراضيها ووقف دعمها للحزب.
الضربة القاصمة: اعتقال أوجلان
في 15 شباط 1999، وجهت المخابرات التركية ضربة موجعة للحزب باعتقال زعيمه عبد الله أوجلان في نيروبي عاصمة كينيا، بعد مطاردة دولية دامت شهوراً. أوجلان كان قد تنقل بين روسيا، إيطاليا، اليونان، وطاجيكستان، قبل أن يستقر في السفارة اليونانية بنيروبي، حيث جرت عملية تسليمه في ظروف غامضة بمشاركة أجهزة استخبارات دولية.
أُودع أوجلان في سجن "إمرالي" المشدد الحراسة، حيث يقضي منذ ذلك الحين حكماً بالسجن المؤبد. ومن داخل السجن، بات يلعب لاحقاً دوراً مختلفاً، داعياً في بعض اللحظات إلى التهدئة والتفاوض.
دعوات سلام متكررة: ولكن بلا ثمرة دائمة
على مر السنين، أعلن الحزب وقفاً لإطلاق النار أكثر من مرة، أبرزها عام 1993 وعام 2006 و2013، لكن معظم هذه الهدن انهارت بفعل التوترات الداخلية، أو العمليات العسكرية، أو غياب الضمانات السياسية من الدولة التركية.
وفي عام 2013، شهدت البلاد أولى خطوات "مسار السلام" بين أنقرة والحزب، بوساطة من أوجلان نفسه، لكن المفاوضات انهارت عام 2015 بعد تجدد العنف، ليعود الطرفان إلى مربع الصراع المسلح مجدداً.
ما بعد الحزب.. أسئلة عن التنظيمات الموازية والمصير السياسي
حلّ حزب العمال الكردستاني يطرح أسئلة كبرى حول مصير التنظيمات المرتبطة به في سوريا "وحدات حماية الشعب"، وفي العراق "قوات الدفاع الشعبي"، وفي إيران "بيجاك" كما يثير جدلاً حول فرص اندماج المكون الكردي في الحياة السياسية التركية تحت مظلة قانونية، بعيداً عن العمل المسلح.
أما مصير عبد الله أوجلان، فقد يكون بدوره على طاولة النقاش في المرحلة المقبلة، في ظل ضغوط دولية متزايدة للإفراج عنه أو تخفيف ظروف سجنه.