الدروز.. غموض وخصوصية ودور سياسي متقلب.. فماذا تعرف عنهم؟

الصورة
شيوخ من الطائفة الدرزية | المصدر: رويترز
شيوخ من الطائفة الدرزية | المصدر: رويترز
آخر تحديث

في قلب جبل العرب، وعلى تخوم الاضطرابات في سوريا مؤخرا، عاد اسم الدروز ليتردد في عناوين الأخبار مع تصاعد التوترات في مدينة السويداء. لكن هذا الظهور ليس جديدا على مكون يمتد حضوره في بلاد الشام لقرون طويلة حافلة بالغموض والخصوصية الدينية، والدور السياسي المتقلب. من هم الدروز؟ كيف نشأ مذهبهم؟ وما موقعهم اليوم في مشهد يتغير من دمشق إلى جبل لبنان؟

نشأة الدروز في ظل العهد الفاطمي

تعود جذور الطائفة الدرزية إلى عهد الدولة الفاطمية في مصر، وتحديدا إلى فترة حكم الخليفة الحاكم بأمر الله، قبل أكثر من ألف عام، وقد نشأت هذه الطائفة إثر انشقاق عن المذهب الإسماعيلي الشيعي، وتأثرت بتيارات فلسفية ودينية متعددة ومن أصول مختلفة، بحسب دائرة المعارف البريطانية. 

تعرض أتباع العقيدة الدرزية للملاحقة من عامة الناس في ظل الدولة الفاطمية، إثر تجرؤ بعض دعاتها على تأليه الحاكم بأمر الله، ومن أبرزهم حمزة بن علي الزوزني ومحمد الدرزي، ما أثار حفيظة الناس الذين رأوا فيه كفرا بواحا. وإثر ذلك فر الدروز إلى المناطق الجبلية الوعرة في بلاد الشام، واستقروا جنوبي لبنان في مناطق ما تعرف (بجبال الشوف)، وجبل حوران جنوبي سوريا (الذي أصبح يعرف لاحقا بجبل العرب أو جبل الدروز)، أما في فلسطين، فقد توزعوا في صفد وجبل الكرمل فضلا عن تجمعاتهم في منطقة الأزرق في الأردن.

وقد سميت الطائفة بـ"الدروز" نسبة إلى محمد بن إسماعيل الدرزي، أحد دعاتها الأوائل، والذي كان يعرف بلقب "نشتكين"، رغم أن أتباع الطائفة أنفسهم يرفضون هذه التسمية ويفضلون اسم الموحدين أو "بني معروف"، نسبة إلى قبيلة قديمة ينتمون إليها، أو تعبيرا عن صفتهم كأهل إحسان ومعروف. 

وفي عام 1043م، أعلن بهاء الدين المقتني إغلاق باب الدعوة رسميا، ولم يسمح منذ ذلك الحين بانضمام أفراد جدد إلى الطائفة، إلا من ولدوا من أبوين درزيين. ومع مرور الزمن، تطورت الطائفة ككيان ديني منغلق، يتسم بالسرية والكتمان، ويحيط نفسه بالغموض سواء في العقيدة أو الممارسة. 

العقيدة الدرزية

يحرص أتباع الطائفة الدرزية على حصر تعاليمهم ومعتقداتهم ضمن دائرة ضيقة من أبناء الطائفة، ويمنعون تداولها أو تعليمها لغير الدروز. وينسب إلى الدروز وجود قانون غير مكتوب يقضي بعدم تعليم المذهب إلا لمن بلغ الأربعين من العمر، رغم نفي بعض رموزهم لهذا الشرط.

وينقسم الدروز إلى ثلاث فئات رئيسية:

  1. رجال الدين "العُقّال": وهم الدارسون لتعاليم الدين والحافظون لها. وينقسم هؤلاء بدورهم إلى مراتب، على رأسها "شيخ العُقّال". 

  2. الأجاويد: وهم الذين اطلعوا على بعض تعاليم الدين، ويلتزمون بتطبيقها في حياتهم، دون أن يكونوا من رجال الدين.

  3. العامة: وهم الذين لا يعرفون تفاصيل الدين، وينشغلون بأمور الحياة اليومية دون تعمق ديني.

يعد كتاب "رسائل الحكمة" المرجع العقائدي الأهم لدى الموحدين الدروز، وهو يشكل المصدر الفكري والديني الرئيس لهم، وقد ألفه حمزة بن علي الزوزني، وهو "تفسير للقرآن" بالنسبة لهم، حيث يمنع الاطلاع عليه من غير شيوخ الطائفة الدرزية وأضاف المؤرخ صالح زهير الدين أن هذه الكتب لا يمكن طباعتها إنما يتم نسخها بخط اليد. كما تعرف أماكن عبادتهم بـ"الخلوات"، وهي دور للعبادة والروحانيات مخصصة لهم فقط.

ويؤمن الدروز بسبعة أنبياء فقط ويولون مكانة خاصة لنبي الله شعيب، ويرون أنه قمة الحكمة والحق لديهم، ويعتقدون أنه في أواخر حياته لجأ إلى كهف في حطين حيث توفي ودفن فصار قبره أقدس المواقع لديهم إذ يحج إليه أبناء الطائفة سنويا فيما يعرف بعيد النبي شعيب. 

ويرى الباحثون في مجال الأديان أن هذا التكتم والانغلاق جزء من استراتيجية لحماية الهوية الدينية للطائفة، وضمان تماسكها في وجه الاضطهادات والتقلبات السياسية عبر التاريخ. وقد انعكس هذا الانغلاق في بنيتهم الاجتماعية والثقافية، حيث اشتهر الدروز بتماسكهم الداخلي، وبعادات خاصة مثل إطلاق الرجال للشارب وتشير بعض الروايات إلى أن إطلاق الشارب على هذا النحو عند الدروز له دلالات دينية ورمزية. 

رجال دين دروز يشاركون في مراسم تشييع أحد مشايخهم في السويداء | المصدر: رويترز
رجال دين دروز يشاركون في مراسم تشييع أحد مشايخهم في السويداء

كما لا يوجد لديهم تعدد الزوجات على الرغم من أن الدروز ينسبون أنفسهم للإسلام كما أنهم حريصون على تيسير الزواج بينهم؛ إذ لا يتجاوز مهر العروس مبلغ 2 دولار أمريكي، فضلا عن الذهب الذي يشتريه لها وبقيمة متواضعة أيضا، ومن يخالف ذلك يتعرض لمقاطعة اجتماعية، بحسب ما قاله "سليم القاضي"، أحد مخاتير الدروز في منطقة الأزرق. 

ووصف الباحث الأردني والمؤرخ في شؤون "بني معروف"، شكيب الشومري، الفتيات صغار السن وهن يلبسن ثوبا يشبه اللوحة الفسيفسائية يطلق عليه "الثوب الدرازي"، وهو طويل ويغطي الجسد بشكل كامل، وتوضع عليه من الأمام قطعة من الثوب نفسه تسمى "المملوك"، و"طربوش/ قبعة" على الرأس مزين بالذهب، ويعلوه قرص من الفضة، ثم يوضع غطاء شفاف على الرأس، والسيدات الكبار يلبسن الزي نفسه ولكن باللون الأسود ودون "الطربوش". 

أما زي الرجال حسب الشومري، فهو يعكس ملابس أهل الشام، يسمى القمباز، وهو ملبس يشبه الجلباب لكنه مفتوح من الأمام وتحته سروال. 

فتيات درزيات
فتيات درزيات

العلم الدرزي

يتكون علم الطائفة الدرزية من خمسة ألوان، لكل منها دلالة رمزية؛ فالأحمر يرمز إلى الشجاعة والبطولة، والأخضر إلى الأرض والطبيعة، والأصفر إلى النور والمعرفة والطهارة، فيما يشير الأزرق إلى الحشمة والتسامح، والأبيض إلى النقاء والأخوة والسلام. ويحمل شعار الطائفة نجمة خماسية ترمز إلى المبادئ الكونية الخمسة: الأخضر للعقل، الأحمر للروح، الأصفر للكلمة، الأزرق للسابق، الأبيض للحلول والتقمص. 

طفل يحمل العلم الدرزي | المصدر: GettyImages
طفل يحمل العلم الدرزي

الانتشار والواقع الراهن

يتوزع الدروز على كل من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، حيث يتمتعون بحضور سياسي واجتماعي، ويقدر عددهم حول العالم بنحو 2.3 مليون نسمة، من بينهم أكثر من نصف مليون في سوريا، وقرابة 250 ألفا في لبنان، و30 ألفا في الأردن، كما تتوزع أعداد أخرى في فلسطين ودول أخرى حول العالم. 

الدروز في الأردن 

يعود الوجود الدرزي في الأردن إلى عام 1918، حيث شهدت منطقة الأزرق أول استقرار لعائلات درزية قادمة من جبل العرب في سوريا مع نحو 22 عائلة درزية قدمت في ذلك العام بحثا عن المراعي ومصادر العيش، واستقرت تلك العائلات في قصر الأزرق، وهو قصر أموي قديم. 

وفي أعقاب هزيمة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925 لجأ سلطان باشا الأطرش والعديد من قيادات الثورة الدرزية إلى الأزرق وشكلوا قاعدة مقاومة للاحتلال الفرنسي؛ فضغط الفرنسيون على الإنجليز لإخراج الدروز من الأزرق، وعلى إثره هاجر الأطرش والعديد من القيادات الدرزية إلى السعودية وأقاموا هناك مدة 11 عاما ثم عاد معظمهم إلى جبل العرب وبعضهم عاد إلى الأزرق. 

وقد استقر معظمهم في منطقة الأزرق الواقعة شرقي مدينة الزرقاء، على مقربة من الحدود السورية، ما جعلها محطة لجوء طبيعية لقربها الجغرافي من جبل الدروز. 

وقد ساهمت عدة عوامل في اختيار الأزرق كمقر استقرار لهم، من أبرزها وجود روابط عشائرية واجتماعية سابقة مع سكان تلك المنطقة، إلى جانب تشابه نمط المعيشة والاعتماد على الرعي كمصدر رزق.

كما ساهمت القرى المحاذية لجبل العرب، مثل قرية "أم القطين" الواقعة بين سوريا والأردن، في تسهيل حركة تنقل العائلات الدرزية بين الجانبين، وذلك في فترة لم تكن فيها حدود فاصلة بين دول بلاد الشام. 

شهدت الفترة ما بين عامي 1933 و1945 موجة استقرار أكبر للدروز في الأردن، حيث اندمجوا تدريجيا في نسيج المجتمع الأردني، مع احتفاظهم ببعض عاداتهم وتقاليدهم الخاصة التي تأثرت لاحقا بالثقافة المحلية. 

برز من أبناء الطائفة الدرزية عدد من الشخصيات التي لعبت أدوارا مهمة في الدولة الأردنية، من أبرزهم:

  • رشيد طليع: أول رئيس حكومة في تاريخ إمارة شرق الأردن.

  • أمير رسلان: تولى رئاسة الديوان الأميري.

  • فؤاد سليم: شغل منصب رئيس هيئة الأركان وأول قائد جيش أردني. 

ويتوزع الدروز اليوم على العاصمة عمان والمفرق والزرقاء كما يوجد عدد قليل منهم في العقبة جنوبي الأردن. 

الدروز في لبنان 

يشكل الدروز في لبنان إحدى الطوائف الأساسية في التركيبة السكانية والسياسية للبلاد، ويتمركز وجودهم بشكل رئيسي على السفوح الغربية لجبال لبنان، ويقدر عددهم بأكثر من 250 ألف نسمة. 

لعب الدروز دورا محوريا في الحياة السياسية اللبنانية بعد الاستقلال، وبرزت من بينهم شخصيات قيادية أثرت في مسار الدولة. 

وعلى رأسهم كمال جنبلاط، الذي تولى مناصب وزارية رفيعة مثل وزارة الداخلية، وعقب اغتياله عام 1977 ورث ابنه وليد جنبلاط زعامة الطائفة، وسلك نهجا سياسيا براغماتيا وفق المستجدات الإقليمية.

الدروز في فلسطين 

عاش الدروز في فلسطين كجزء أصيل من النسيج الاجتماعي الفلسطيني حتى نكبة عام 1948، حين بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسات ممنهجة لعزلهم عن محيطهم العربي والفلسطيني. 

فقد سعت المؤسسة الصهيونية إلى تصوير "الدرزية" كقومية مستقلة، في محاولة لفصل الطائفة عن إطارها الوطني، وترسيخ انتماء بديل يقوم على الولاء للدولة العبرية. 

وفي هذا السياق، قال الباحث في الشؤون العربية والإسلامية محمد علي النجار إن "إسرائيل" نجحت منذ وقت مبكر في اختراق الطائفة الدرزية، من خلال استغلال خصوصية عقيدتها المغلقة، واستغلال حرصهم على مصلحة الطائفة.

وقد توجت هذه السياسة بقرار رسمي عام 1956، حين أصدر رئيس وزراء الاحتلال آنذاك دافيد بن غوريون قرارا بفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على أبناء الطائفة الدرزية، في سابقة فرضت على الدروز دون غيرهم من أبناء المجتمع العربي داخل الأراضي المحتلة. 

وقد واجه هذا القرار في بداياته رفضا واسعا من داخل الطائفة، لكن "إسرائيل" تمكنت تدريجيا من فرض التجنيد عليهم، مستخدمة الترغيب والترهيب، إلى جانب وعود بالامتيازات. 

ورغم مشاركة عدد كبير من الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي بقي صوت الرفض حاضرا داخل الطائفة، ولا تزال مؤسسات درزية تنشط في رفض التجنيد الإجباري رغم اندماج شريحة من الدروز في مؤسسات الدولة الإسرائيلية.

وعلى الرغم من انخراط الدروز بالمشاركة في حرب الإبادة على قطاع غزة، فإن نسبة الرافضين للخدمة العسكرية تشهد تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حتى إن بعض الشباب باتوا يفضلون السجن على حمل السلاح في صفوف جيش الاحتلال.

الدروز في سوريا 

يقدر عدد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف نسمة، ما يجعلها الدولة التي تضم أكبر تجمع درزي في العالم، ويتوزع وجودهم في عدد من المناطق، أبرزها:

  • محافظة السويداء جنوب البلاد.

  • الجولان المحتل.

  • مناطق قريبة من دمشق، لا سيما في أريافها.

  • ريف إدلب.

تاريخيا، حظي الدروز في سوريا بحضور سياسي لافت، حيث تولى عدد من أبنائهم مناصب وزارية وقيادية في الحكومات المتعاقبة، لا سيما خلال فترة حكم حزب البعث. وقد ساهم ذلك في توثيق علاقتهم بالنظام السوري، الذي منحهم امتيازات خاصة ضمن سياسة المحاصصة الطائفية، ما أدى إلى اصطفاف جزء كبير منهم إلى جانب النظام خلال الثورة السورية عام 2011. 

لكن الموقف الدرزي لم يكن موحدا، إذ انقسمت الطائفة بين مؤيد للنظام ومعارض له. ومن أبرز الشخصيات المعارضة، الشيخ وحيد البلعوس، الذي أسس "حركة رجال الكرامة"، ورفض انخراط أبناء الطائفة في الجيش السوري والمشاركة في الانتهاكات بحق أبناء شعبهم. كما وفر الحماية للهاربين من الخدمة العسكرية. وقد دفع حياته ثمنا لمواقفه هذه، إذ اغتيل في عام 2015 بتفجير سيارته، في عملية يُتهم النظام بالوقوف خلفها. 

في المقابل، برز الشيخ حكمت الهجري كأحد الشخصيات الداعمة للنظام، كما اشتهر بدعوته شباب الطائفة للانخراط في صفوف الجيش السوري. 

وفي تطور مفصلي، شهدت محافظة السويداء خلال العام 2023 احتجاجات شعبية واسعة على تدهور الأوضاع المعيشية، سرعان ما تحولت إلى مطالبات بالتغيير السياسي، وانضمت إلى الحراك الثوري المطالب بإسقاط النظام. 

ومع سقوط النظام في الثامن من كانون الأول 2024، وبروز ملامح دولة سورية جديدة تسعى لتجاوز البنى الطائفية والتركيز على المواطنة والمساواة، ظهرت حالة من التوتر في موقف بعض القيادات الدرزية، التي شعرت بأن الامتيازات التي منحتها الأنظمة السابقة بدأت تتلاشى.

هذا الشعور دفع بعض رجالات الطائفة ومن بينهم الهجري إلى رفض الواقع الجديد، ومحاولة فرض الأمر الواقع عبر إثارة الفوضى والاضطرابات في مناطقها. 

ولجأ الهجري إلى التواصل مع دروز الداخل الفلسطيني، مستغلا نفوذهم داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي للضغط والتدخل في الشأن السوري، وقد وجدت حكومة نتنياهو في تلك النداءات فرصة للتدخل في سوريا حيث شنت عدوانا على مواقع حيوية ومبان حكومية وعسكرية في دمشق، الأمر الذي قال عنه محللون إنها رسائل دعم مباشرة لبعض قيادات الطائفة ضمن تحالفات عابرة للحدود، على حساب سيادة سوريا واستقرارها. 

هل سيصبح الدروز شماعة "إسرائيل" في المنطقة؟ 

وفي تحليل سياسي له عن دور الدروز في المنطقة، تخوف المحلل السياسي بدر الماضي عبر حسنى مؤخرا من أن يصبح للدروز دور شبيه بدور الأكراد في المنطقة، بحيث تضغط عبره "إسرائيل" نحو تقسيم سوريا ولبنان، وتصبح ذراعها لنشر الفوضى وفرض شروط جديدة على الحكومات في المنطقة. 

وفي الوقت الذي يعد جزء كبير من الدروز أنفسهم جزءا لا يتجزأ من دول بلاد الشام، يبقى جزء آخر تجره مصالحه الذاتية ويستغل الطائفية لتحقيق مكاسب مادية وسياسية. 

اقرأ المزيد.. انقسام في الرأي حول اشتباكات السويداء.. مسؤولية من؟

دلالات
00:00:00