بعد يومين على سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، توعد قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع في بيان له اليوم بمحاسبة معذبي الشعب
السوريون ينهون 5 عقود من الظلام.. الأسد يطوي صفحته الأخيرة
مع بزوغ فجر الأحد، أُسدل الستار على واحد من أحلك فصول التاريخ في سوريا في حقبة امتدت 54 عاما تحت حكم عائلة الأسد. سنوات طويلة عاش فيها السوريون واقعا مليئا بالخوف، والقهر، والمذلة، بدأت بانقلاب عام 1970 الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة، وانتهت بخروج بشار الأسد من المشهد في الأيام الأخيرة من عام 2024. كانت هذه العقود بالنسبة لكثير من السوريين أسوأ فترات التاريخ القديم والحديث، حيث تغلغلت فيها الطائفية، واستشرى الفساد، وامتلأت البلاد بالسجون، وتراجعت كل مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية.
على متن طائرة مجهولة الوجهة، أنهى بشار الأسد حقبة امتدت لعقود، كان فيها استمرارا لحكم والده الذي أسس نظاما قمعيا، قهر شعبه وأحكم سيطرته بالحديد والنار.
بشار الذي دخل السلطة بآمال إصلاحية بعد وفاة شقيقه باسل في حادث غامض، بدأ مسيرته كرئيس في عام 2000 وسط توقعات واسعة بالتغيير، لكنه خيب آمال السوريين بسرعة. فقد أصبح عهده مرادفا للدمار والفوضى، خاصة مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 التي تحولت إلى حرب طاحنة أدمت البلاد لعقد من الزمان.
تحت قيادة بشار، وُضعت سوريا في لائحة أكثر الدول قمعا، حيث اتُّهم الأسد بارتكاب جرائم حرب موثقة شملت قتل الملايين من شعبه وتشريدهم. وعلى الرغم من سقوط مساحات شاسعة من البلاد في يد المعارضة والجماعات المسلحة، إلا أن التدخل الروسي العسكري المباشر عام 2015 قلب الموازين لصالح نظام الأسد، ليعيد السيطرة على المدن الكبرى، ولكن بثمن باهظ من الأرواح والبنية التحتية.
البدايات والمسار المظلم لنظام الأسد
وُلد بشار الأسد في 11 كانون الأول 1965 في دمشق، ونشأ في كنف عائلة لم تكن معروفة تاريخيا سوى باسم "الوحش"، قبل أن يغيّر الجد اسم العائلة إلى "الأسد" في محاولة لخلق صورة رمزية للقوة. درس الطب في جامعة دمشق، ثم سافر إلى لندن ليكمل تخصصه في أمراض العيون، حيث بدا آنذاك بعيدا كل البعد عن السياسة. هناك، تعرف على أسماء الأخرس، التي أصبحت لاحقا زوجته ووجها بارزا للنظام.
لكن حياة بشار تغيرت جذريًا عقب وفاة شقيقه باسل، ليجد نفسه فجأة وريثا لنظام والده. حين تولى السلطة، قدم وعودا بالإصلاح والشفافية، ورفع شعارات الديمقراطية والتطوير. إلا أن تلك الشعارات سرعان ما تبخرت، وتبدلت بسياسات البطش والقمع.
نهاية عهد الدماء
شهدت سوريا خلال عهد الأسد الابن دمارا غير مسبوق. تحولت فيه المدن إلى أنقاض، والاقتصاد إلى حطام، بينما فرّ الملايين من السوريين خارج البلاد بحثا عن ملاذ آمن. لم يكن عهد بشار سوى امتدادا لعقود من الطغيان الذي بدأه والده، لكنه أضاف إليه بصمة سوداء من الحروب والدمار الذي خلف ندوبا لا تمحى في وجدان السوريين.
انهار النظام أسرع مما توقعه السوريون، رغم اعتقادهم لعقود أنه عصي على الزوال، وأن ظله سيبقى قدر أجيال تولد وتموت تحت حكمه. 11 يوما فقط كانت كافية لتغيير المشهد بالكامل. بدأت المعارضة السورية المسلحة زحفها من إدلب، وفي يوم واحد استولت على حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، لتتجه بعدها إلى حماة وحمص، وصولا إلى دمشق ليلة السبت الأحد. في الوقت ذاته، اشتعلت انتفاضات شعبية غاضبة في الجنوب والشرق، والتحمت مع الزحف القادم من الشمال في العاصمة، وسط انهيار مذهل لقوات النظام التي كانت تطوق المدينة. تبخرت هذه القوات فجأة، مع فرار قادتها بحثا عن النجاة، بينما ألقى الجنود أسلحتهم، خلعوا زيهم العسكري، واختفوا بين الناس. أما الفصائل المعارضة، فقد منحت الأمان لكل من اختار أن يلزم بيته دون مقاومة.
مع حلول أذان الفجر، انطلقت تكبيرات العيد من مساجد دمشق "الله أكبر الله أكبر الله أكبر والحمد لله. الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا".
ومع خروجه من المشهد، يأمل السوريون أن تُطوى صفحة الأسد إلى الأبد، وأن تبدأ بلادهم مرحلة جديدة من الحرية والكرامة، بعد نصف قرن من حكم اتسم بالقمع والخوف والفساد.