قانوني، كاتب
الإصلاح السياسي أم مكافحة الفساد أولا؟
قد يكون الرد على هذا السؤال بأن الجمع أولى من الترجيح في ذلك، فلا تعارض بين مكافحة الفساد والإصلاح السياسي، إلا أنه لا يمكن الجمع هنا ولا بد من الترجيح فيما هو أولى.
عندما يتم الحديث عن الفساد في الأردن فإنه ينصرف إلى الفساد المالي، إذ تقدِّر بعض الأوساط أن حجم الفساد في الأردن يبلغ من عشرة إلى خمسة عشر مليار دينار أردني خلال ربع القرن الماضي، وهو مبلغ يساوي تقريبا ثلث المديونية الأردنية وضعف ونص الضعف للموازنة السنوية.
ضجيج السخط الموجود في الشارع الأردني والذي يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، يردُّ إلى شعور المواطن الأردني أن الفساد هو من جعل هناك حالة تردٍ في كل الخدمات الرئيسية الأردنية وترهل المؤسسات وانتشار الفقر والبطالة والتي وصلت إلى 50% بعد تداعيات جائحة كورونا وفقا للأرقام الرسمية.
لذلك نجد أن سلم أولويات الشارع الأردني يتصدرها المطالبة بالقضاء على الفساد، فيما يتصدر مطالب خطاب النخب الراشدة سياسيا المطالبة بالإصلاح السياسي.
الفساد المالي على خطورته، لكنه ليس المرض، فهو عرض للمرض، فالمرض الحقيقي غياب حكم الشعب لنفسه والذي هو أصل الداء ومصدر كل شر.
النخب ترى أن غياب حكم الشعب لنفسه حرم الأردن من خيرة الكفاءات الأردنية التي يمكن أن تستخرج أفضل ما لدى الأردن من قدرات وإمكانيات، وتوظفها بأفضل الطرق وأنجعها.
كما أن غياب حكم الشعب وغياب الحكومات البرلمانية أنشأ حكومات مُعيَّنة لا يمكنها أن تواجه لوبيات الفساد المالي الكبيرة والمتنفذة في كل مفاصل الدولة، والتي تسعى إلى إفشال أي خطة عمل تعارض مصالحها، فلا يمكن لحكومة لا تتسلح بالحزام الشعبي وحزام برلماني يحميها أن تدخل إلى أوكار الفساد وتصطاد الضباع المختفية والرابضة في كل مفصل من مفاصل الدولة.
بكل تأكيد مكافحة الفساد المالي ضرورة وطنية لإعادة بناء الأردن الذي يمكن أن يقف على قدميه وينهض، لكن جعله على رأس سلم الأولويات وتقديمه على الإصلاح السياسي وتضخيمه يشبه تماما الذي يستغرق في نظم أبيات الشعر التي تلعن الحمى لكنه يزهد ويقلل من شأن أي دواء يمكن أن يعالج مرض السرطان الحقيقي الذي تكون الحمى أحد أهم أعراضه.
الإصلاح السياسي رأس العمل الإصلاحي وعلينا أن نبقيه على رأس سلم أولويات الإصلاح وهو حجر الأساس وحجر الزاوية في أي عملية إصلاح أو تحول يمكن أن تنهض بالأردن.
التزهيد في الإصلاح السياسي وترذيل الديمقراطية في عيون الشعوب والتي تمارسها بعض النخب من حيث علمت أم لا تعلم يصب بالنهاية في حضن الفساد عسلا وسمنا ويحرم الوطن من كل ما هو مفيد.
لا يصح لنا أن من الأساس طرح الأمر ومناقشة أيهما قبل مكافحة الفساد أم الإصلاح السياسي، اذ مجرد طرح السؤال به مغالطة كبيرة، فلا يمكن أن نصل إلى مكافحة الفساد قبل أن يكون هناك إصلاح، وما كان للفساد من الأساس أن يكون إلا بعد أن غاب الحكم الرشيد والإصلاح السياسي، من الخطأ أن نضخم العرض ونصب كل جهودنا لمكافحته بينما نترك أساس الداء والبلاء يتمدد وينتشر ونحن عن ذلك في غفلة من أمرنا.
لنتذكر أن في أزمة تونس الحالية يتم اختطاف التجربة الديمقراطية ويتم تفريغ ثورة الياسمين مما جاءت من أجله، وكل ذلك تحت ظل الادعاء بمحاربة الفساد، من المؤسف حقا أن تخسر تونس ثورتها وتتحول إلى حكم الفرد المطلق وتصفق لهذا الشعوب تحت مبرر مكافحة الفساد.