كشف مدير عام دائرة الإحصاءات العامة، حيدر فريحات، أن التعداد السكاني القادم في المملكة من المقرر أن يكون في منتصف عام 2026، وأضاف ببدء
زيان زوانة: مراجعة الحسابات القومية أرقام معدلة بلا أثر اقتصادي فعلي وأتحفظ على النماذج المقتدى بها
أثارت مراجعة الحسابات القومية التي أعلنتها دائرة الإحصاءات العامة، وما نتج عنها من تغيرات واسعة في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي والبطالة، نقاشا واسعا في الأوساط الاقتصادية الأردنية.
الخبير الاقتصادي زيان زوانة قدم لـ حسنى قراءة تحليلية حذر فيها من المبالغة في تفسير الأرقام المعدلة، مؤكدا أنها تمثل "عملية إحصائية" لا تعكس بالضرورة تحسنا فعليا في حركة الاقتصاد أو معيشة الأردنيين، رغم تبني الحكومة وصندوق النقد الدولي لها، ووصف زوانة أن ما أعلنته المراجعة بأنه "عمل إحصائي" صحيح من الناحية الفنية لكنه يفتقر إلى دلائل على أثر عملي واقعي في خلق وظائف أو خفض المديونية.
بينما تعد مراجعة الحسابات القومية خطوة مهنية مهمة لتحديث صورة الاقتصاد الأردني، يرى زيان زوانة أنها تبقى في جوهرها عملية إحصائية ما لم تصاحبها بيانات مفصلة وقرارات سياسية واقتصادية واضحة قائلا:
"الأردنيون لا يحتاجون إلى أرقام معدلة على الورق فحسب، بل إلى فرص عمل ومستوى معيشي يتحسن فعلا.. وهذا ما ينتظرونه من نتائج أي مراجعة إحصائية فعلية".
مراجعة الحسابات القومية وأسباب التعديل
أكد زوانة أن دائرة الإحصاءات تتمتع بمهنية ومصداقية، إلا أن منهجيتها الجديدة لاحتساب الناتج المحلي استندت إلى تبريرات أبرزها إدخال الاقتصاد غير الرسمي وسوق العمل في الحسابات.
وأشار إلى أن هذا الإجراء يوحي بامتلاك الدائرة قاعدة بيانات متكاملة حول الاقتصاد غير الرسمي، وهو ما كان غائبا عن الحكومة لسنوات طويلة، رغم أن تقديرات عديدة تشير إلى أن حجمه يتجاوز 40% من الاقتصاد الأردني.
وقال:
"لو كانت الدائرة قد أخذت الاقتصاد غير الرسمي بعين الاعتبار فهذا يفترض وجود قاعدة بيانات قوية، وكان الأجدر بها إعلان هذه القاعدة تفصيليا".
وذكّر زوانة بأزمة جائحة كورونا كدليل حي على هشاشة المعرفة الرسمية بهذا القطاع، وأكد أن من لا يعرف حجم الاقتصاد غير الرسمي ونوعه ومكوناته يصعب عليه استنتاج الأثر الحقيقي لأي تعديل إحصائي.
نماذج دولية مثيرة للجدل
من أبرز نقاط التحفظ التي أثارها زوانة هي اختيار دائرة الإحصاءات العامة لبلدان معينة لتبرير المنهجية الجديدة المتبعة، فقد ذكرت الدائرة أن كلا من مصر والباكستان والمغرب قد نهجت المنهج نفسه في الحسابات القومية، معتبرا أنها دول "غارقة في الديون" ولا تقدم مثالا اقتصاديا يحتذى به، ورأى أن الاقتداء بهذه التجارب لا يعكس معيارا سليما لتطوير الحسابات القومية في الأردن.
وأضاف أن اختيار تلك النماذج "لا يبعث على الطمأنينة" لأن هذه الدول تواجه مستويات عالية من المديونية وخدمات ديون مرتفعة، وتساءل الخبير:
"هل نريد أن نقتدي بنماذج إحصائية مكبلة بمشكلات اقتصادية هيكلية؟".
ورأى أن المقارنة بالبلدان يجب أن تأخذ في الحسبان الوضع الكلي للبلد لا مجرد تطبيق منهجية إحصائية مماثلة.
تعديلات القطاعات ورفع الناتج المحلي
أوضحت المراجعة أن قطاعات كالتجارة والطاقة والزراعة والصناعات التحويلية والاستخراجية لم تكن مرصودة بدقة في السنوات السابقة، ما استدعى تعديل أرقامها وإضافة ما مجموعه 3.6 مليار دينار إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل نحو 10% من حجمه.
لكن زوانة أكد أن تفاصيل توزيع هذه الإضافات بين القطاعات لم تعرض بوضوح ولم تبين كيفية توزيع هذه الإضافات بين القطاعات، مشددا على أن:
"المسألة ليست في الرقم الكلي، بل في تفاصيل مصدر هذه الزيادة ومكوناتها".
البطالة تنخفض إحصائيا.. هل الوظائف حقيقية؟
تطرق زوانة إلى إعلان المراجعة بأن معدل البطالة تراجع من 21% إلى 16%، معتبرا أن مثل هذا التراجع في المؤشر لا يعني بالضرورة أن عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل حصلوا على وظائف فعلا. وأضاف:
"خفض البطالة نتيجة تغير منهجي في القياس ليس مقياسا لخلق فرص عمل فعلية على الأرض".
وطالب زوانة بمزيد من الأدلة المكملة، بيانات عن:
-
عدد الوظائف المضافة.
-
نوعية هذه الوظائف.
-
مدى استدامتها، قبل احتساب فائدة عملية لهذا التغيير على فاقدي العمل والشباب حديثي التخرج.
المديونية والموازنة: هل تغير الأرقام شيئا عمليا؟
لم ير زوانة أن للمراجعة أثرا جوهريا على مستويات المديونية العامة أو على ميزانية 2026 من حيث خفض العجز أو زيادة الإيرادات بشكل يسمح بتوسيع النفقات الرأسمالية.
وأشار إلى أن دين الدولة الإجمالي يقارب 50 مليار دينار -مع أخذ الديون غير المعلنة في الاعتبار- مرجحا أن التعديلات الإحصائية لا تغير هذا الواقع أو تخفف من مخاطر خدمة الدين.
واعتبر زوانة أن المنهجية وما أعلنته دائرة الإحصاءات العامة لا يعدو كونه "مراجعة إحصائية"، وعلاقتها "ضئيلة جدا بحركة الاقتصاد الأردني من الناحية الفعلية"، كما أنها لن تضيف شيئا إلى الإيرادات العامة أو تخفض العجز أو الدين العام.
منهجية مقبولة لكن لا بد من شفافية كاملة
بينما لم ينف الخبير قيمة المحاولات الرامية إلى إنتاج أرقام أكثر اكتمالا ودقة، شدد على أن الأمر لا يقتصر على تصحيح رقمي فحسب، بل يجب أن يترافق مع نشر تفصيلي للبيانات والأطر والمنهجيات:
-
قواعد البيانات المستخدمة.
-
معايير احتساب الاقتصاد غير الرسمي.
-
توزيع الزيادات القطاعية رقما ونسبة.
وقال:
"المراجعة خطوة تقنية ضرورية، لكن بيانها ليس كافيا.. المواطن يريد أن يعرف إن كانت هذه الأرقام ستنعكس على حياته وفرصه أو ستبقى أرقاما على الورق".
إقرار دائرة الإحصاء بوجود أخطاء سابقة
أشار زوانة إلى أن دائرة الإحصاءات العامة اعترفت بوجود جوانب في الإحصاءات السابقة لم تكن مرصودة بشكل صحيح أو تام، خاصة في قطاعات محددة مثل الطاقة، والزراعة، والصناعات التحويلية، والصناعات الاستخراجية.
وبناء على ذلك، أعلنت الحكومة ضمنيا أن الأرقام والإحصاءات السابقة كان فيها بعض الخطأ، وأنها عدلتها، وأدت هذه التعديلات إلى إضافة ما مجموعه 3.6 مليار دينار إلى الناتج المحلي الإجمالي وترى الدائرة أن الأرقام المعلنة حاليا هي الأرقام الصحيحة.
تأييد صندوق النقد الدولي
أشار زوانة إلى أن تأييد صندوق النقد الدولي للمنهجية يضيف غطاء دوليا للتغيير، لكنه لاحظ في الوقت نفسه أن الموافقة الدولية لا تعني بالضرورة مطابقة هذه التجربة للمصلحة الوطنية أو أن آثارها الاقتصادية والاجتماعية ستكون إيجابية تلقائيا. لذلك دعا إلى الحذر في تفسير النتائج وقراءتها في ضوء واقع السياسات المالية والنقدية التي ستتبعها الحكومة.
وفي خلاصة الحديث، شدد الخبير الاقتصادي زيان زوانة على ضرورة:
-
نشر كامل لقواعد البيانات والمنهجيات التي اعتمدت عليها دائرة الإحصاءات العامة، خصوصا ما يتعلق بالاقتصاد غير الرسمي وسوق العمل.
-
تفصيل توزيع 3.6 مليار دينار مضاف على الناتج بين القطاعات لتمكين المختصين وصانعي القرار من تحليله عمليا.
-
قياس الأثر العملي عبر بيانات تشغيل فعلية: كم عدد الوظائف الجديدة؟ ما نوعها؟ هل تم تسجيل زيادات في الأجور أو استقرار وظيفي؟
-
عدم تفسير المراجعة كحل اقتصادي بحد ذاتها، فهي تعد تصحيحا إحصائيا والأثر الحقيقي يتوقف على السياسات الاقتصادية التي تترجم هذه الأرقام إلى قرارات مالية ونقدية وتنموية.
تجدر الإشارة إلى أن دائرة الإحصاءات العامة، أعلنت في الـ30 من تشرين ثاني الماضي، عن اكتمال المراجعة الشاملة للحسابات القومية بعد أربع سنوات من العمل الإحصائي المكثف، والتي أسفرت عن تحديث قيمة الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، عبر الانتقال بسنة الأساس من 2016 إلى 2023، في خطوة تهدف إلى عكس التحولات الهيكلية التي شهدها الاقتصاد الأردني.
وبحسب الدائرة، أظهرت نتائج المراجعة ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 39.8 مليار دينار، بزيادة وصلت إلى 3.6 مليار دينار عن التقديرات السابقة، أي ما يعادل 10% من حجم الاقتصاد المعلن سابقا. وبررت الدائرة هذه الزيادة بعدة عوامل رئيسية شملت:
- إدراج أنشطة اقتصادية جديدة لم تكن محتسبة ضمن الحسابات السابقة.
- تحسين التغطية الإحصائية عبر تطوير المسوح واعتماد مصادر بيانات محدثة.
- إعادة تقدير قطاعات رئيسية مثل الطاقة، والزراعة، والصناعات التحويلية والاستخراجية، والنقل، والتجارة، والعقارات والإنشاءات.
أوضحت الدائرة أن الارتفاع ناتج عن جملة من التعديلات الفنية والمنهجية، أبرزها:
- إدماج الاقتصاد غير الرسمي في الحسابات بصورة أوسع وأدق.
- تحديث سنة الأساس إلى 2023 بما ينسجم مع المعايير الدولية لضمان تمثيل أدق للواقع الاقتصادي.
وجرى تنفيذ هذه المراجعة بدعم فني من الإسكوا وصندوق النقد الدولي، وبما يتوافق مع الممارسات العالمية في تحديث الحسابات القومية.
وكشفت دائرة الإحصاءات العامة عن ملامح خطتها المستقبلية، وتشمل:
- إعادة تقدير سلسلة الحسابات للفترة الممتدة بين 2008 و2023.
- رصد أنشطة اقتصادية حديثة مثل التجارة الإلكترونية.
- توسيع الربط السجلي مع الجهات المالكة للبيانات الإدارية.
- توفير مؤشرات قصيرة المدى لدعم صناع القرار في متابعة التطورات الاقتصادية.