كيف تغير وجه المدينة في الخليج العربي؟
من اللؤلؤ إلى النفط
شهدت مدن الخليج العربي تحولات عمرانية وتخطيطية صاحبت اكتشاف النفط في منتصف القرن الماضي، فلم تكن دبي التي نعرفها الآن، أو الدوحة أو الكويت مدن أبراج وناطحات سحاب كالتي نعرفها في مانهاتن ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، بل كانت مدنا صغيرة ذات طابع معماري عربي وإسلامي غني بالأنماط والحلول المعمارية التي تلائم نمط معيشة أهل الخليج سابقا والبيئة الحارة والرطبة التي يعيشون فيها.
في هذه الحلقة من بودكاست نحن والمدينة نستضيف المهندس عبدالرحمن المانع ليخبرنا عن التحولات العمرانية والتخطيطية للمدينة في الخليج العربي ويأخذنا في جولة سمعية تبين لنا شكل المدينة التراثية في الخليج العربي.
شكل المدينة في الخليج العربي قبل الحداثة
يحاكي لنا المانع شكل المدينة في الخليج العربي قبل اكتشاف النفط وتغير شكل المدينة، فيصف لنا المدينة الساحلية في الخليج العربي، ابتداء بالموانئ التي تستقبل أنواعا مختلفة من السفن والمراكب الخشبية من سواحل آسيا، إلى الأسواق التي تزخر بتجارة اللؤلؤ والسمك، ثم إلى الأحياء والحارات أو ما يسمى "فريج" في اللهجة الدارجة. فأحياء هذه المدن التي ربما شاهدت شيئا منها في المسلسلات الكويتية القديمة، أو إن كنت قد زرت مدينة جدة الساحلية، ستبدو لك حميمية وجميلة وذات طابع معماري عربي وإسلامي.
تتمتع منازل هذه المدن بأفنية داخلية، والوصول لهذه المنازل يستدعي المشي بين أزقة الحارات أو "سكيك الفرجان" كما في اللهجة الدارجة أيضا. ويمتلك كل فريج ما يسمى بالبراحة وهي، كما وصفها مانع، مكان يقع في وسط الحي، يجيء الناس إليه في ساعات المساء، تجد فيه نساء يبعن مستلزمات مختلفة على بسطات، وتجد فيه مقاهي شعبية تمتلئ بالناس، كما أنه مساحة تسمح للأطفال باللعب فيها، فلكل حي مركز اجتماعي مشابه يلتقي فيه أهل الحي ويمارسون حياتهم الاجتماعية فيه، وتكون حدود هذا الحي -حسب مانع- بالمدى الذي يصل فيه صوت أذان مسجد الحي، فتعرف الأحياء من مآذن مساجدها.
لكن، ماذا حل بهذه الأحياء ولماذا لا نراها عندما نزور دبي أو الدوحة مثلا؟ وهل تأقلم الناس في الخليج العربي مع النمط الحداثي في البناء؟
النفط غير وجه المدينة في الخليج العربي
يخبرنا مانع أن اكتشاف النفط في الخليج العربي جلب معه تغييرات اجتماعية صاحبت التغيرات الاقتصادية، فأهل مدن ساحل الخليج العربي الذين اعتمد اقتصادهم على تجارة اللؤلؤ، فقدوا هذه الميزة بعد الحرب العالمية الأولى، بعد أن غزت الصين وتايلاند الأسواق العالمية باللؤلؤ المصنع لديها.
حيث تراجعت تجارة اللؤلؤ في مدن ساحل الخليج العربي، وعانى أهلها من ضيق اقتصادي. لذلك -كما يشرح لنا مانع- كان اكتشاف النفط محطة تحول كاملة في حياة الإنسان الخليجي. وحسب تعبيره، كان الناس يريدون ترك كل ما هو متعلق بالفترة الصعبة التي عاشوها سابقا والسعي لتبني الحداثة التي فتح لهم النفط أبوابها.
يخبرنا المانع كيف تحول قرار تخطيط الأحياء والمدن من المجتمع إلى السلطة بفعل الحداثة. حيث أن الناس في الخليج العربي كانوا يبنون ويهندسون أحياءهم ومدنهم بشكل تلقائي، مرتكزين على قيم مجتمعية وتوافق اجتماعي، ككثير من المدن العربية. إلا أنه وبعد الحرب العالمية الثانية، وفي بداية خمسينيات القرن الماضي بدأت بريطانيا بتصدير فكرة المدينة الحدائقية. حيث أنها خدمت في المدن الأوروبية ما لا يمكن أن تفعله في مدننا لاختلافات كثيرة، أبرزها أن للمدينة العربية هوية معمارية خاصة.
اقرأ المزيد عن المدينة الحدائقية
مدن من ملح
يستعير المانع مصطلح "مدن من ملح"، عنوان كتاب الروائي السعودي عبدالرحمن منيف، عنوانا لمدونته، في محاولة لإحياء الهوية المعمارية الخليجية والإشارة إلى أهميتها في حياة المجتمع الخليجي و تكيفها مع البيئة الصحراوية في المنطقة.
حيث يؤكد المانع إمكانية الاستفادة من الوضع القائم والتحسين عليه وعلى كل ما يتعلق بالتخطيط العمراني والحضري للمدينة الخليجية لتعود لها خصوصيتها المعمارية. حيث أن مدن الملح التي أشار لها الروائي منيف قصد بها مدن الخليج العربي التي أنشئت بعد اكتشاف النفط، معتبرا إياها مدنا هشة تذوب عند أول سيل لأنها بنيت بشكل طارئ.
عبد الرحمن المانع
مخطط عمراني وإقليمي خريج جامعة كورنيل بالولايات المتحدة من قطر، وهو مهتم بالتحديات التي تواجهها المدن الخليجية، من التنمية المستدامة، والنقل الحضري، والحفاظ على المباني التراثية، وإحياء الهوية الخليجية في العمارة المعاصرة.