منذ نكسة عام 1967 واحتلال "إسرائيل" لما تبقى من الأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، دخل الصراع الفلسطيني
جيش من المرتزقة المأجورين: أسرار الجنود المنفردين في الاحتلال

بينما يروج الاحتلال الإسرائيلي لما يسميه "الجنود المنفردين" كقصص بطولية لشبان يهود جاؤوا من العالم "ليضحوا من أجل إسرائيل"، تتكشف صورة مغايرة تماما: المرتزقة بلا قضية، مجندون عبر شبكات عابرة للقارات، يحركهم المال أو أوهام أيديولوجية، لينتهي بهم المطاف أدوات رخيصة في آلة الحرب ضد الفلسطينيين.
شهادات جنود، وتصريحات برلمانات أجنبية، ودراسات أكاديمية تكشف أن هذه الظاهرة ليست سوى وجه آخر لارتزاق منظم، تحيطه تل أبيب بالدعاية والتضليل.
المرتزقة والجنود المنفردون في جيش الاحتلال الإسرائيلي ليسوا مجرد عناصر عسكرية، بل أداة انتهازية تستخدمها الدولة ضد المدنيين الفلسطينيين لتحقيق أهداف سياسية وأمنية، بعيدا عن أي اعتبار إنساني أو قانوني.
المرتزقة بلا هوية: تجارة الدم على مرأى العالم
العديد من الدراسات والتقارير كشفت عن وجود مرتزقة أجانب يعملون داخل الجيش الإسرائيلي، منهم إسبان، وأوروبيون آخرون، وأشخاص من جنوب إفريقيا. هؤلاء الأفراد غالبا ما يأتون باحثين عن المال مقابل الموت، وليس دفاعا عن أي وطن. شهادات عدة منهم أو من مشاركين سابقين تؤكد أن التدريب الإسرائيلي يشمل:
-
تعليم تقنيات القتل الجماعي.
-
استخدام المدنيين كدروع بشرية.
-
الانخراط في عمليات اغتيال استهدفت مدنيين فلسطينيين تحت ذرائع "مكافحة الإرهاب".
هذه الفئة، بعيدة عن أي قيود أخلاقية أو إنسانية، تستحل الدم الفلسطيني دون أي شعور بالمسؤولية تجاه الأبرياء.
مصالح متقاطعة
وفق باحثين، فإن الاحتلال يوظف "الجنود المنفردين" لتحقيق هدفين:
-
تعزيز الاستيطان والهجرة اليهودية بربط الشباب حول العالم بالمشروع الصهيوني.
-
خفض خسائره البشرية الداخلية عبر زج المرتزقة في الخطوط الأمامية، لتقليل أثر أعداد القتلى على المجتمع الإسرائيلي.
الجنود المنفردون: معزولون ومفتونون بالصراع
الجنود المنفردون أو ما يُعرف بالـ"Lone Soldiers" هم جنود يأتون من خارج "إسرائيل" للانضمام إلى الجيش بمفردهم. تحت شعار "حب الوطن"، يظهرون في وسائل الإعلام كأبطال، لكن التحقيقات تكشف أنهم:
-
يتعرضون غالبا لعزلة نفسية واجتماعية كبيرة.
-
يسهل استغلال ضعفهم العاطفي والمادي لتجنيدهم في المهام الأكثر خطورة ودموية.
-
يعيشون في بيئة تشجع على القتل وارتكاب الجرائم.
-
تظهر تجارب الجنود المنفردين أن العديد منهم انهاروا نفسيا أو انتحروا بسبب الصدمات الميدانية المستمرة، بينما الإعلام الإسرائيلي يواصل تسويق صورة "الشجاعة والوطنية".
"الجنود المنفردون" مرتزقة بلا سند
"إسرائيل" تحاول تقديمهم كـ"أبطال"، لكن خلف البزة العسكرية تختبئ صورة أخرى:
-
أكثر من 7000 جندي منفرد يخدمون حاليا، نصفهم من المهاجرين الباحثين عن امتيازات، والنصف الآخر أبناء عائلات مفككة أو طردهم مجتمع الحريديم.
-
شهاداتهم تكشف عزلة وفقرا واضطرابات نفسية، بعضهم بلا مأوى، ينامون في سيارات أو غرف تخزين.
-
حالات انتحار سجلت بينهم، مثل الجندي الروسي فلاديسلاف سيرغيينكو، الذي ترك بلا دعم نفسي حتى أنهى حياته.
تاريخ من الاستقطاب: "جاحل" و"ماحل"
منذ 1948 اعتمدت "إسرائيل" على استقدام مرتزقة من الخارج عبر برامج "جاحل" (المتطوعون في حرب النكبة) و"ماحل" (المتطوعون من الخارج). آنذاك شكل هؤلاء نحو ربع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
هذا التقليد استمر حتى اليوم عبر برامج أحدث مثل جارين تزابار و"نواة الصبار"، التي تستقطب آلاف الشبان من أمريكا الشمالية وأوروبا وروسيا وأستراليا وأوكرانيا وإثيوبيا و59 دولة أخرى.
دعم خارجي ودعاية مزدوجة
منظمات أمريكية وكندية مثل "نفيش بنفيش" و"أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي" تقدم منحا مالية، وتذاكر سفر، وإجازات خاصة لتشجيع التجنيد. لكن على الأرض، يلجأ كثير من الجنود إلى طلب التبرعات عبر مجموعات فيسبوك للحصول على حذاء عسكري أو إصلاح هاتف محمول.
الدعاية الإسرائيلية بدورها تلمع صورة المهاجرين كـ"رواد صهاينة"، لكنها تخفي قصص المولودين في الداخل لأنهم يفضحون هشاشة المجتمع الإسرائيلي: أبناء أسر محطمة، ضحايا عنف وفقر، لا يجدون سوى الجيش كمخرج بائس.
فرنسا وجنوب إفريقيا.. مواقف متباينة
-
في فرنسا، كشفت إذاعة أوروبا 1 أن أكثر من 4185 فرنسيا مزدوجي الجنسية يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي. نائب برلماني مثل توماس بورتس دعا صراحة لمحاكمتهم بوصفهم متورطين في جرائم حرب.
-
في المقابل، اتخذت جنوب إفريقيا موقفا جريئا، ملوحة بسحب الجنسية وملاحقة أي مواطن من مواطنيها ينضم إلى جيش الاحتلال، معتبرة ما يجري في غزة "إبادة جماعية".
المرتزقة الأوروبيون.. اعترافات مدفوعة الثمن
صحيفة إلموندو الإسبانية أجرت مقابلة مع مرتزق إسباني يقاتل في غزة مقابل 3900 يورو أسبوعيا، ما قدم دليلا حيا على أن تل أبيب توظف جيشا موازيا من المرتزقة. هؤلاء ليسوا "مهاجرين مثاليين" كما تزعم الدعاية الإسرائيلية، بل باحثون عن المال والامتيازات المؤقتة.
إحصائيات توضح حجم هذه الظاهرة:
-
نحو 6.973 جنديا منفردا في الخدمة، 88% منهم مهاجرون.
-
أكثر من 13 ألف جندي احتياطي منفرد شاركوا في حرب غزة بين 7 أكتوبر 2023 وديسمبر 2024.
-
برامج مثل "جاحل" و"ماحل" تستقطب نحو 3.000 جندي سنويا من الخارج، نصفهم من الاتحاد السوفييتي السابق، وثلثهم من أمريكا الشمالية، والباقي من فرنسا وبريطانيا وأستراليا والبرازيل ودول أخرى.
بين الوهم والخذلان
دراسات أكاديمية أظهرت أن نصف الجنود المنفردين يعودون إلى بلدانهم بعد انتهاء خدمتهم، بعدما يصطدمون بالواقع القاسي وغياب أي احتضان اجتماعي. شهادات من أمريكيين خدموا في الجيش الإسرائيلي تفضح هذه الخيبة: عزلة، وتهميش، وإحساس بأنهم مجرد "أدوات قتل" تستنزف ثم يتخلى عنها.
تضليل إعلامي وصورة وهمية
ما يسمى "الجندي المنفرد" ليس قصة بطولة كما يروج الاحتلال، بل شاهد على تفكك داخلي وأزمة وجودية. "إسرائيل" تستورد مرتزقة بلا جذور ولا سند، تستنزفهم ثم تتركهم يواجهون مصيرهم وحيدين. هؤلاء الجنود، الذين يقدمون كـ"أبطال"، هم في الحقيقة واجهة دعائية لآلة قتل مأجورة، تكشف زيف الرواية الإسرائيلية وهشاشة مشروعها العسكري.
تستخدم "إسرائيل" إعلامها لتصوير المرتزقة والجنود المنفردين كبواسل يحاربون الإرهاب، بينما الواقع عكس ذلك تماما. بينما هذا ما تفعله الحملات الإعلامية:
-
تروج لقصص بطولية مزيفة.
-
تخفي حجم الانتهاكات الفادحة ضد المدنيين الفلسطينيين.
-
تعمل على خلق صورة ذهنية في الرأي العام بأن "الجيش الإسرائيلي" ملتزم بالقوانين الدولية، بينما هو في الواقع يغرق في الانتهاكات المستمرة.
اقرأ المزيد.. بروتوكول هانيبال: عقيدة "الموت أهون من الأسر" في الجيش الإسرائيلي