100 ألف طن من المتفجرات ألقتها "إسرائيل" على غزة.. فماذا تركت وراءها؟

الصورة
من الدمار والفقد والألم الذي خلفه الاحتلال بعد العدوان على غزة
من الدمار والفقد والألم الذي خلفه الاحتلال بعد العدوان على غزة
آخر تحديث

"الحرب الحقيقية هي بعد أن تتوقف الحرب"، هكذا تصف مراسلة حسنى في جنوب غزة مريم سلامة حالة الناس في قطاع غزة، فما بين فرحة الغزي بوقف إطلاق النار وشلال الدم المسفوك على مدى خمسة عشر شهرا، يوجد حزن وثقل وفقد واسع يتملكه نتيجة ما سيواجهه بعد أن توقفت الحرب.

المكتب الإعلامي الحكومي: نسبة الدمار في غزة 88%

قدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ومنظمة الأمم المتحدة في آخر إحصائية نشرت اليوم الثلاثاء، نسبة الدمار في قطاع غزة بنحو 88%، فيما قدرت الحاجة المالية لإعادة إعمار القطاع بما يزيد على 38 مليار دولار، وهي قيمة الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة الجماعية التي اقترفتها "إسرائيل" في غزة على مدى خمسة عشر شهرا مضت.

فهل هذه الأرقام هي الخسارة الكبرى للغزيين والتي على العالم اليوم تسليط الضوء عليها؟ وماذا خلفت "إسرائيل" وراءها في غزة؟

الخسائر الأقسى.. كم عدد الشهداء في غزة؟

تصرح الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في أولى كلماتها تعقيبا على وقف إطلاق النار بأن الحاجة ماسة لإعادة الإعمار وتهيئة المؤسسات، وتصدر أرقاما مالية وأخرى حول الخسائر في العمران والبنيان، ويكأن الدمار الذي حل في قطاع غزة هو الخسارة الكبرى، فماذا عن الإنسان إذا عاد البنيان؟ 

يقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن الاحتلال على مدى حرب الإبادة الجماعية ومنذ السابع من أكتوبر عام 2023 ارتكب 10 آلاف ومئة مجزرة بحق العائلات في القطاع، وقدر المكتب الخسائر البشرية بنحو 61.182 ألفا ما بين شهيد ومفقود، منهم نحو 14 ألفا لم يصلوا إلى المستشفيات، فيما يقدر عدد الذين تم توثيق وفاتهم في المستشفيات بـ 46.960 ألفا. 

ويؤكد المكتب أن 70% من هؤلاء الضحايا هم نساء وأطفال، فقد أبيدت في غزة 2.092 عائلة من السجل المدني، فلم يبق منها أب أو أم أو أطفال، فيما بقي فرد واحد فقط لنحو 4.889 عائلة.

الشهداء في غزة من الأطفال والرضع

قدر المكتب الإعلامي الحكومي عدد الشهداء الأطفال بـ 17.861 طفلا، و214 طفلا رضيعا ولد في الحرب واستشهد فيها، كما استشهد 808 طفل دون سن العام.

شهداء البرد والجوع

حاصر جيش الاحتلال شمال القطاع لأكثر من ثمانية أشهر، فحرم الأطفال الرضع من الغذاء، وحرم أمهاتهم من العناصر الغذائية الأساسية التي تمكنهم من إرضاع أطفالهم، فاستشهد 44 طفلا بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء والتجويع المتعمد، كما استشهد 8 آخرون منهم 7 أطفال استشهدوا نتيجة البرد القارس في الخيام.

"وديتها المستشفى كان لون وجهها أزرق.. حكولي إنو قلبها توقف بسبب البرد وإنها استشهدت". 

*شهادة أم استشهدت رضيعتها إثر البرد في غزة

وفي محاولة لفك الحصار، استهدف الاحتلال 736 عنصرا من الشرطة كانوا يحاولون تأمين المساعدات وإدخالها للقطاع، ونفذ الاحتلال 150 جريمة بحق عناصر الشرطة والأشخاص الذين كانوا يحاولون تأمين دخول المساعدات إلى مختلف أنحاء القطاع.

الفقد الأكبر.. أطفال بلا أمهات

تكتوي آلاف الأمهات بنيران الفقد شوقا لأطفالهم وأزواجهم، حيث فقدت 13.901 امرأة زوجها في هذه الحرب الطاحنة، بيد أن الفقد الأكبر يعتصر قلوب الأطفال دون سن الخامسة عشرة، فقد بات 83.495 طفلا يعيشون دون والديهم أو أحدهما.

وضع صحي كارثي 

لم تكن حربا عادية، فكانت حربا رئيسية ضد كل مستشفيات قطاع غزة، بدءا من مجزرة المعمداني مرورا بفاجعة مستشفى الشفاء، وانتهاء باقتحام مستشفيات العودة وكمال عدوان وحرقها. 

لم يترك الاحتلال سبيلا ضد حرب أعلنها ضد مستشفيات قطاع غزة، فترك وراءه 34 مستشفى حرقها حرقا أو اعتدى عليها أو أخرجها عن الخدمة، إضافة إلى 80 مركزا صحيا تم إخراجه من الخدمة بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي الأخيرة. 

واستهدف الاحتلال على مدى أيام الحرب 162 مؤسسة صحية مختلفة، وأكثر من 136 سيارة إسعاف. 

أما شهداء الواجب، فقدر عددهم بـ1.155 شهيدا من طبيب وممرض ومساعد رابطوا داخل تلك المستشفيات، ولم يتركوا جرحاهم ومرضاهم وراءهم أو يخذلوهم.

لم تكن هناك رواتب، ولا بصمة دوام، بل كان نداء الطوارئ الدائم، والقسم الطبي والحس الأخلاقي والإنساني، الضامن الوحيد لعمل الجيش الطبي في غزة.

ونعى الدفاع المدني فور وقف إطلاق النار 94 شهيدا من طواقمه قتلهم الاحتلال وتقصد استهدافهم، رغم أنهم كانوا في مهام معظمها كانت بتنسيق مع المنظمات الدولية، فلا أحد سينسى الطفلة هند، ولا طاقم الدفاع المدني الذي استهدفه الاحتلال وهو يحاول الوصول إليها.

المصابون.. هل ستفتح المعابر أمام الجرحى؟

في تهكم واضح، يقول أحد الغزيين عبر مقابلة تلفزيونية:

"لما نصنف واحد عنا إنو مصاب أو جريح فهذا يعني إنو على شفا الموت، بكون فيو بتر وشظايا.. بينما الاحتلال بصنف اللي رشح ولا عنده تحسس إنو مصاب!!" 

يقدر المكتب الإعلامي الحكومي أن 12.700 جريح يحتاجون للسفر العاجل للعلاج في الخارج، فيما ينتظر أكثر من 12 ألفا آخرين من مرضى السرطان مصير استكمال علاجهم. 

فيما يقدر العدد الكلي للمصابين في حرب الإبادة الجماعية في غزة بـ 110.725 ممن وصلوا إلى المستشفيات، منهم 15 ألف جريح بحاجة إلى عملية تأهيل طويلة الأمد، في ظل تعرض 4 آلاف وخمسمئة منهم لحالات بتر من بينهم 18% من الأطفال، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

لا شواهد لقبور الغزيين

تحصي الأمم المتحدة والمنظمات عدد القبور الجماعية التي تركها الاحتلال خلفه، وكأنها العلامة الوحيدة التي تدينه في حرب الإبادة، وتنسى تلك المنظمات أن الاحتلال "حفار القبور" نبش عشرات آلاف القبور والمقابر، وقلب تربتها ثم طمرها، وأحرق بعضها؛ فقد دمر الاحتلال 19 مقبرة على الأقل تدميرا كليا أو جزئيا من أصل 60 مقبرة في عموم القطاع. 

وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قيام الاحتلال باستحداث سبع مقابر جماعية على الأقل، جميعها أو معظمها أقيم في محيط مستشفيات تم اقتحامها، فيما قدر عدد الجثامين المسروقة بـ 2.300 جثة.

"كان في مقبرة.. كان فيها أخوي دفنتو بإيدي قبل ما اطلع.. بس هلأ فش اشي واضح بالمكان.. بعد ما الاحتلال جرف الأرض ونبش القبور.."

*شهادة غزية عن قبر أخيها في محيط مستشفى الشفاء

تدمير الطرق وشبكات الكهرباء وشبكات الصرف الصحي

أنقاض بلا بنية تحتية، هكذا عاد الغزيون إلى مناطقهم في ظل ركام واسع ودمار كبير خلفته آلة الحرب الإسرائيلية، فقد قدرت الحكومة في غزة الدمار الذي لحق بشبكات الكهرباء بنحو 3.680 كيلومترا، إضافة إلى تدمير 2.105 محولات كهربائية هوائية وأرضية. 

أما شبكات المياه، فقط دمر منها الاحتلال أكثر من 330.000 مترا طوليا، كما دمر أكثر من 655.000 من شبكات الصرف الصحي، و717 بئرا للمياه في قطاع غزة. 

ويقدر طول شبكات الطرق التي دمرها الاحتلال بنحو 2.835.000 متر طولي، ولكن في صورة واضحة، يعرف الغزي طريق منزله رغم انعدام الشوارع التي كانت ترسم حدود المناطق، يتحسس ركامه ويعرف بقايا أثاثه. 

الأمم المتحدة: 436.000 منزل قد دمر

وألقت "إسرائيل" خلال خمسة عشر شهرا 100.000 طن من المتفجرات، دمرت أكثر من 436.000 منزل، بما نسبته 92% من منازل القطاع، ما يعني أن نحو 90% من الغزيين باتو نازحين بلا مأوى بحسب ما قدرت الأمم المتحدة أمس. 

أما عن الأنقاض، فقد قدرت بنحو 37 مليون طن من الركام والأنقاض.

40 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار في غزة

وبحسب التقديرات الأممية، ومقارنة مع حجم الخسائر المالية التي قدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن القطاع بحاجة لنحو 40 مليار دولار لإعادة إعماره وبناء منشآته وتوفير مساكن للغزيين.

أكثر من ستة آلاف معتقل من غزة 

في سياق حرب الإبادة كان الاحتلال يحاصر منطقة معينة، ثم ينفذ أحزمة نارية واسعة فيها، ومن ثم يقصفها بالصواريخ والمتفجرات، ليقتحمها لاحقا فيتفاجأ بأن أهلها ما زالوا فيها! فيعاقب شبابها بالاعتقال ونساءها بالطرد والتهجير. 

ورغم أن التقديرات لا تزال غير دقيقة، فإن المكتب الحكومي في غزة يقدر اعتقال الاحتلال 6.600 غزي من القطاع خلال حرب الإبادة، منهم 360 من الكوادر الطبية لا يعرف مصيرهم بعد، و26 صحفيا ممن عرفت أسماؤهم و26 عنصرا من عناصر الدفاع المدني.

طلاب بلا مدارس ومعلمين

في استطلاع سابق لـ حسنى سألنا الأطفال: "إلى ماذا تشتاقون؟" فكانت الإجابات كلها تتعلق بالمدرسة والأصحاب والحصص والمعلمين. ينتظر اليوم ما تبقى من هؤلاء الأطفال مصيرا تعليميا مجهولا، فقد قتل الاحتلال 12.800 طالب وطالبة و760 معلما ومعلمة و150 عالما وأستاذا جامعيا، فهل تهتم منظمة اليونيسيف بهذه الأرقام، كاهتمامها بإعداد تقارير حول عمالة الأطفال في غزة؟

الغزي يقيم صلاته حتى دون مآذن 

كما يتعلم الغزي في خيمة، يقيم صلاته في الشارع، ويرفع أذانه على نصف مئذنة محطمة، بعد أن دمر الاحتلال 823 مسجدا بشكل كلي، و158 مسجدا بشكل بليغ، واستهدف 3 كنائس.

أكثر من مئتي موقع أثري دمره الاحتلال

قدر المكتب الإعلامي الحكومي عدد المواقع الأثرية التي تأثرت نتيجة حرب الإبادة الجماعية بنحو 206 مواقع أثرية وتراثية، كما قدر تدمير الاحتلال لأكثر من 42 منشأة وملعبا وصالة رياضية بعد أن جرف معظمها وحول بعضها إلى ثكنات عسكرية، ومن ثم تركها دون معالم.

بعد هذه الحرب التي طال أمدها.. يعرف الغزي طريق بيته دون شوارع، ويقيم صلاته دون مآذن، يتعلم ويقرأ في خيمة، ويأكل مما يزرع ولو من نصف شجرة، فليست المشكلة الأولى عنده فيما دمره الاحتلال ويستطيع هو إعادة إعماره، لكن كيف يعيش الغزي ألمه المتراكم اليوم دون أحبابه وأطفاله وزوجته ووالديه وخلانه وجيرانه؟

يسأل الغزي والله في كتابه يجيب: "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ". [آل عمران: 170]

دلالات
00:00:00