مؤسسة غزة الإنسانية: عمل إنساني أم اختراق أمني عبر المساعدات؟

الصورة
فلسطينيون يكافحون للحصول على الطعام أمام إحدى التكايا في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة 15/5/2025 | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
فلسطينيون يكافحون للحصول على الطعام أمام إحدى التكايا في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة 15/5/2025 | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
آخر تحديث

كشفت معلومات حصلت عليها حسنى من مصادر مطلعة، إلى جانب مراجعة وثائق التسجيل الرسمية في السجل التجاري السويسري، كشفت عن تفاصيل مثيرة للجدل تتعلق بما يسمى بـ مؤسسة غزة الإنسانية (Gaza Humanitarian Foundation - GHF)، وهي كيان جديد تم تسجيله رسميا في سويسرا في شباط 2025. 

مؤسسة غزة الإنسانية تقدم نفسها كمبادرة إنسانية لإغاثة المدنيين في قطاع غزة، في وقت يعيش فيه القطاع واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه.

مؤسسة غزة الإنسانية.. مؤسسة حديثة بلا تاريخ إنساني

تشير سجلات التأسيس إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية مسجلة في سويسرا كـ"Stiftung"، وهي صيغة قانونية للمؤسسات التي لا تضم هيئة عامة أو أعضاء يشاركون في اتخاذ القرار، بل تدار إدارة كاملة من قبل مؤسسيها الذين يملكون السلطة المطلقة على قراراتها وتوجهاتها. 

والمثير للتساؤل أن المؤسسة نجحت سريعا في الحصول على تمويلات خارجية تفوق 20 ألف فرنك سويسري، رغم أنها لا تملك أي سجل سابق في مجال العمل الإنساني.

خلفيات أمنية ودبلوماسية لمؤسسي GHF

تكشف قائمة المؤسسين عن أسماء معظمها لشخصيات أمريكية وغربية ذات خلفيات أمنية ومالية، من بينهم الفريق المتقاعد مارك سي شوارتز، الذي عمل سابقا منسقا أمنيا أمريكيا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية. 

وإن مشاركة شخصيات بهذه الخلفيات تثير حساسية كبيرة، خاصة في ظل الدور الأمني الذي تتبناه المؤسسة في عملها "الإنساني".

لغة أمنية في خطاب إنساني

رغم تقديم نفسها كمبادرة إنسانية، تعتمد مؤسسة غزة الإنسانية في خطاباتها على لغة مشبعة بالمصطلحات الأمنية والرقابية، وتروج لنموذج توزيع إغاثي يركز على "المواقع الآمنة" و"المراقبة المستمرة"، في انحراف واضح عن مبادئ الحياد والاستقلال والكرامة التي تشكل جوهر العمل الإنساني. 

تقوم المؤسسة بإنشاء أربعة مواقع توزيع متركزة في وسط وجنوب قطاع غزة، يخضع كل موقع لنظام مراقبة بالكاميرات وممرات تفتيش أمنية، ويفترض أن يخدم كل منها 300 ألف شخص. ويثير هذا النموذج مخاوف من تحوله إلى وسيلة للرقابة والسيطرة الأمنية، أكثر منه وسيلة لتقديم الإغاثة.

رواية متماهية مع الخطاب الإسرائيلي

تزعم المؤسسة أن العراقيل أمام وصول المساعدات الإنسانية ناتجة عن سيطرة "جهات إرهابية" في إشارة إلى حركة حماس، دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى الحصار الإسرائيلي المتواصل وإعلان تل أبيب المتكرر باستخدام المساعدات كورقة ضغط سياسية. وتتبنى GHF بذلك سردية تتماشى مع الموقف الأمريكي-الإسرائيلي، وتتهم ضمنيا الفصائل الفلسطينية بالمسؤولية عن المجاعة في غزة.

انتقادات واسعة من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية

في رد لافت، وصف توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، المبادرة بأنها "عرض جانبي ساخر" و**"إلهاء متعمد"** عن المأساة الحقيقية في غزة، متّهما المؤسسة بربط المساعدات بأهداف سياسية وعسكرية. 

وحذرت الأمم المتحدة من أن تركيز مواقع التوزيع في الجنوب والوسط فقط، يسهم في مخططات التهجير القسري من شمال القطاع، كما أن النموذج المعتمد يجبر السكان على قطع مسافات طويلة للوصول إلى نقاط التوزيع، ما يتعارض مع مبادئ الوصول الإنساني العادل والمنصف.

قلق من مشاركة جهات أمنية إسرائيلية وأمريكية

تشير تقارير إلى مشاركة متعاقدين أمنيين أمريكيين وربما أطراف إسرائيلية في تأمين مواقع التوزيع، ما ينذر بتبعات خطيرة على سلامة المدنيين وكرامتهم. 

إذ يمكن لهذا الدور الأمني أن يثني الكثير من المحتاجين عن الوصول إلى المساعدات خشية الملاحقة أو الإذلال، خاصة في ظل الاحتلال القائم والممارسات التي طالت المدنيين على مدار العدوان.

بديل خطير للأونروا؟

يثير نموذج مؤسسة غزة الإنسانية مخاوف من أن تكون المؤسسة واجهة لإعادة هيكلة المساعدات في غزة بما يخدم السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تقويض دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي تمثل حجر الزاوية في دعم اللاجئين الفلسطينيين والحفاظ على حق العودة. 

وتخشى منظمات دولية أن يستخدم نموذج GHF كذريعة لتفكيك البنية الإنسانية القائمة وتبديلها بمؤسسات تخضع للرؤية الأمنية الأمريكية-الإسرائيلية.

يثير كبار المسؤولين في الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية، إلى جانب منظمات إنسانية دولية، مخاوف جدية بشأن قدرة مؤسسة خيرية خاصة تملك خبرة أمنية ليست في العمل الإنساني، على تولي مهمة ضخمة بحجم إيصال مساعدات حيوية إلى سكان غزة الذين يواجهون شبح المجاعة.

وتزداد الشكوك حول مدى التزام مؤسسة "غزة الإنسانية" بمبدأ عدم الانحياز الذي يعد حجر الأساس في العمل الإغاثي، كما تعتمده الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، قال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في تصريحات صحفية:

"لا يمكن للأمم المتحدة أن تشارك في أي عملية لا تلتزم بمبادئها الأساسية في توزيع المساعدات، والتي تشمل: الإنسانية، وعدم الانحياز، والاستقلالية، والحياد".

أما المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، جيمس إلدر، فقد عبر عن قلقه قائلا:

"يبدو أن الخطة تهدف إلى فرض السيطرة على المواد الأساسية وتحويلها إلى أداة ضغط، ما سيؤدي إلى مزيد من التهجير. هذا خيار بين النزوح والموت".

وأضاف إلدر محذرا:

"من الخطير أن يطلب من المدنيين التوجه إلى مناطق عسكرية للحصول على حصصهم. يجب ألا تستخدم المساعدات الإنسانية أبدا كسلاح للمساومة".

صور السجل التجاري لمؤسسة غزة الإنسانية

السجل التجاري لمؤسسة غزة الإنسانية
السجل التجاري لمؤسسة غزة الإنسانية
مؤسسة غزة الإنسانية
مؤسسة غزة الإنسانية

اقرأ المزيد.. "إسرائيل" والدعاية السياسية السوداء

دلالات
00:00:00