حظر وكالة الأونروا.. "إسرائيل" تضرب الشاهد الأخير على نكبة الفلسطينيين

الصورة
فلسطيني يحمل صندوق مساعدات وزعته وكالة الأونروا في دير البلح وسط غزة تشرين الثاني 2024 | المصدر: رويترز
فلسطيني يحمل صندوق مساعدات وزعته وكالة الأونروا في دير البلح وسط غزة تشرين الثاني 2024 | المصدر: رويترز

وكالة الأونروا تنقل موظفيها من القدس بعد قرار الاحتلال إغلاق مكاتبها في المدينة

آخر تحديث

يدخل اليوم الخميس، قانون الاحتلال الإسرائيلي القاضي بحظر وكالة الأونروا "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في الأراضي المحتلة حيز التنفيذ. وذلك في خطوة خطيرة تعكس توجهات حكومة الاحتلال ضد اللاجئين الفلسطينيين.

القرار الذي صادق عليه الكنيست في تشرين الأول 2024، يفرض على الوكالة وقف عملياتها ونشاطاتها في مدينة القدس المحتلة، ويمنع المسؤولين الإسرائيليين في دولة الاحتلال من التواصل معها، ما يعكس سياسة ممنهجة تستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقويض عمل المؤسسات الدولية التي توثق مأساتهم. 

ولا يعد استهداف الاحتلال للوكالة جديدًا، بل إنه عمل على مدار عقود على نزع الشرعية عن الوكالة الأممية ضمن مخطط تصفية القضية الفلسطينية وحق العودة، إلا أن استهداف الأونروا بلغ ذروته بعد معركة "طوفان الأقصى".

الاحتلال يفرض الحظر على الأونروا

ينص القانون الجديد على منع الأونروا من ممارسة أي نشاط في المناطق التي يصنفها الاحتلال بأنها تحت "سيادته"، ما يشمل القدس المحتلة. إلى جانب ذلك، أُقر تشريع آخر يحظر أي تعامل رسمي بين الجهات الإسرائيلية ومسؤولي الوكالة، مما يضيف قيودا جديدة على عملياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ضغوط إسرائيلية على الأمم المتحدة عشية دخول القرار حيز التنفيذ

في سياق تنفيذ القرار، وجه سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة، داني دانون، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طالب فيها الوكالة بوقف أنشطتها في القدس فورا وإخلاء مقراتها. وزعم دانون أن "حماس ومنظمات أخرى اخترقت الأونروا"، مدعيا أن وجودها يشكل تهديدا أمنيا. ورغم عدم تقديم الاحتلال أي أدلة قاطعة لدعم هذه الاتهامات، فإنه استغل هذه المزاعم لتبرير تشديد الخناق على الوكالة.

ذرائع الاحتلال لحظر الأونروا

لطالما ادعى الاحتلال أن الأونروا تبقي قضية اللاجئين الفلسطينيين حية، وتعمق الصراع وتمنع اندماج اللاجئين في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها، مما يعيق أي "حل نهائي" للقضية الفلسطينية، بحسب زعمه. كما يتهم الوكالة بأنها تساهم في "التحريض" عبر مناهجها التعليمية، وأن منشآتها تستخدم لأغراض عسكرية من قبل فصائل المقاومة. غير أن هذه الادعاءات لم تلق تأييدا دوليا واسعا، حيث أكدت تحقيقات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن خدمات الأونروا تركز على التعليم والصحة والإغاثة الإنسانية للاجئين. 

وبذلت حكومات الاحتلال المتعاقبة جهودا لتغيير الموقف الدولي من قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقويض وضع الأونروا أمام العالم وتقليل تأثيرها خصوصا في ظل حكومة اليمين الحالية، وذلك عبر تشريع القانون كجزء من الجهود التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين، والمعركة على الوعي والسردية التاريخية للصراع. 

شهدت العلاقة بين الاحتلال والأونروا توترا متزايدا على مر العقود، إلا أن هذه القطيعة تصاعدت بعد عدوان 7 أكتوبر على غزة. إذ كثف الاحتلال هجماته الإعلامية والسياسية ضد الوكالة، ونجح في الضغط على بعض الدول المانحة لتعليق تمويلها، بحجة ارتباط بعض موظفيها بالمقاومة الفلسطينية. ورغم ذلك، أكدت الوكالة مرارا أن عملياتها إنسانية بحتة، ودعت المجتمع الدولي إلى عدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية.

تداعيات القرار على اللاجئين الفلسطينيين

يهدد هذا القانون بتفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين، حيث يعتمد مئات الآلاف منهم على خدمات الأونروا في مجالات التعليم والصحة والإغاثة. وقد حذر المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، من أن القرار ستكون له "تداعيات كارثية"، خصوصا في قطاع غزة، حيث يشكل وجود الأونروا عنصرا أساسيا في إيصال المساعدات الإنسانية.

محطات من استهداف الأونروا

منذ تأسيسها عام 1949، شهدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين استهدافا متكررا ومتصاعدا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لتقويض دورها كشاهد رئيسي على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة. ويمكن تتبع هذا الاستهداف عبر محطات بارزة تكشف النية المبيتة لتجفيف موارد الوكالة وتقليص نفوذها:

  • شيطنة الوكالة واتهامها بالتحريض: منذ سنوات، كثفت دولة الاحتلال حملتها ضد "الأونروا"، متهمة إياها بتعليم "الكراهية والتحريض" في مناهجها الدراسية، رغم أن المناهج التي تعتمدها هي ذاتها المناهج الرسمية للدول المضيفة. كما عملت تل أبيب على ترويج مزاعم بأن مدارس "الأونروا" تستخدم لنشر فكر "معاد"، وهو ما نفته الأمم المتحدة مرارا.

  • الضغط على الدول المانحة لوقف التمويل: بدأت ذروة استهداف الوكالة ماليا في عام 2018 عندما قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطع التمويل عنها بالكامل، بعد أن كانت الولايات المتحدة أكبر داعم مالي لها. تبعت ذلك ضغوط مارستها دولة الاحتلال على دول أوروبية لتقليص مساهماتها في ميزانية الوكالة، مما تسبب في أزمات مالية خانقة أثرت على برامجها الحيوية في التعليم والصحة والإغاثة.

  • التضييق على عمليات الوكالة في الضفة وغزة: فرض الاحتلال قيودا مشددة على عمل "الأونروا" في القدس الشرقية، محاولا طردها من المدينة ووقف خدماتها هناك، في خطوة تهدف إلى شطب قضية اللاجئين من الوعي الفلسطيني والدولي. وخلال الحروب المتكررة على غزة، تعرضت منشآت "الأونروا"، ومن ضمنها المدارس التي لجأ إليها المدنيون، للقصف الإسرائيلي، رغم مشاركة إحداثياتها مسبقا مع جيش الاحتلال لتجنب استهدافها نظرا لاكتظاظها بالنازحين المدنيين.

  • محاولة تفكيك الوكالة من الداخل: سعت تل أبيب إلى تقويض الثقة في "الأونروا" عبر اتهام بعض موظفيها بالتعاون مع فصائل فلسطينية، وهو ما استغلته لاحقا دول غربية، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، لتعليق تمويلها جزئيا أو كليا. وفي كانون الثاني 2024، استخدمت حكومة الاحتلال ادعاءات بضلوع 12 موظفا في هجمات 7 أكتوبر كذريعة لحشد حملة دولية لقطع التمويل عن "الأونروا"، رغم عدم تقديم أدلة قاطعة.

  • الهدف النهائي: إنهاء وجود "أونروا" كشاهد سياسي على النكبة: يُنظر إلى "الأونروا" على أنها العقبة الكبرى أمام تصفية قضية اللاجئين، إذ إن استمرارها يعني الاعتراف الدولي المتواصل بحق العودة. وتدفع تل أبيب باتجاه نقل مسؤوليات الوكالة إلى الدول المضيفة، كخطوة تمهيدية لتفكيكها نهائيا، وهو ما يتقاطع مع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول توطينية بديلة.

هل ينجح الاحتلال في تقويض أونروا؟

رغم الضغوط الإسرائيلية، لا تزال الأونروا تحظى بدعم واسع من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ما يجعل من الصعب تصفيتها بالكامل. ومع ذلك، فإن استمرار الضغوط قد يؤدي إلى تقليص خدماتها، مما يزيد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين ويفتح الباب أمام مزيد من التوترات في المنطقة.

يبقى السؤال مفتوحا: هل سينجح الاحتلال في مسعاه لتفكيك الأونروا، أم أن الإرادة الدولية ستقف أمام هذه المحاولات؟ 

اقرأ المزيد.. لماذا تصر إسرائيل على إنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين؟

دلالات
00:00:00