ماء وبهارات، وحمص بالملعقة.. هكذا يسكت أهل غزة جوع أطفالهم | شهادات

الصورة
طفل غزي يمسك المغذي وسط المجاعة بسبب حصار الاحتلال ومنعه إدخال المساعدات | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
طفل غزي يمسك المغذي وسط المجاعة بسبب حصار الاحتلال ومنعه إدخال المساعدات | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
آخر تحديث

وجوه شاحبة، وجوع طاغ على ملامحها.. زارها مراسل حسنى في شمال قطاع غزة رامي الصيفي مستطلعا رأيها وموجها السؤال الأقسى لها، ماذا تناولت أنت وأبناؤك خلال الأسبوع الحالي؟ 

إجابات يعرفها كل غزي؛ فلا طعام ولا غذاء، ولكن ليسجل التاريخ أن الموت في غزة بات يُرى، وثق الصيفي إجابات الغزيين حول المجاعة التي باتت تسرق الأطفال من أحضان أمهاتهم.

نطحن الفلافل ونأكله بالملعقة

وفي شهادة لعدد من المتجولين في سوق حي الزيتون شمال القطاع، قال أحدهم إنه تناول خلال الأسبوع الماضي وجبة واحدة يوميا وغالبا ما كانت "الفلافل" الذي يقومون بطحنه بعد شرائه، ثم يضعونه في وعاء حتى يستطيع جميع أفراد العائلة تناوله، مؤكدا أن الأولوية باتت للأطفال، فقد يمر يومين أو ثلاثة على الكبار وقد تناولوا وجبة واحدة فقط.

"طول الأسبوع الماضي أكلنا فلافل، بندق الفلافل، وبناكله بالمعلقة لأنه فش خبز، وصرنا نقطع ورق الشجر، الأسعار خيالية".

نغلي الماء ونضع البهارات لنسكت جوع أطفالنا 

وقال آخر إن الجوع القارس يجتاح منزله وأهل بيته منذ أكثر من أسبوع؛ فمنذ أسبوع لم يستطع تأمين رغيف الخبز لأهله: 

"بنغلي مي ونحط عليها بهارات وبنشربها للأولاد عشان ما يضلو يعيطو". 

مضيفا ، لا طعام ولا شرب ولا مياه ولا مقومات للحياة، فلا يستطيع الشخص أن يسند نفسه. 

ويقدر الغزي حاجته إلى 20 شيكلا على الأقل يوميا لتأمين وجبة واحدة لخمسة أفراد، وجبة تتكون من علبة واحدة من المعلبات أو فلافل إذا توفرت.

"أهم اشي ندبر الولاد الصغار، نحن الكبار صرنا نستغني عن كل شي بس أهم شي الصغار". 

العدس المسلوق بالملعقة.. غذاء الأطفال في غزة ليوم كامل

ويصف غزي آخر بأن أصعب أيام تمر على أهل غزة هي الأيام العشرة الأخيرة، مؤكدا أنه حتى في أصعب أيام المجاعة الأولى لم يكن الوضع صعبا كهذه المجاعة، كما أن سعر الطحين إن توفر فيقدر بـ50 دولارا، وهو مبلغ لا يتوفر مع معظم عائلات أهل غزة. 

وقال إن العدس أو الحمص هي وجبة طعام أطفاله منذ أسبوع، فهو يقوم بتوفير وجبة واحدة لهم فقط، فيسلقون العدس أو الحمص، ثم يهرسونه، ويطعمونه للأطفال بالملعقة.

"الولاد في أيام بحطو الدقة بالصحن وبياكلوها، إذا كان عندك دقة بتكون أحسن من غيرك". 

ويضيف: 

"بطلنا بدنا يوقفوا الحرب بس لو يدخلو أكل للصغار.."

من قال إن الموت لا يرى؟

في غزة يرى الموت في كل شيء؛ في وجوه الأطفال الشاحبة، وفي أكياس الطحين الفارغة، وحتى في القدور الفارغة على مواقد بلا نار.

هناك في القطاع المحاصر -بين أمة فاضت بالخيرات- لا يحتاج الناس إلى قنابل فقط ليموتوا، بل فقط إلى صمت العالم أمام أنياب المجاعة. 

ليس في هذا الجوع مجاز، إنه جوع فعلي، قاتل، معلن، موثق، فالجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين يقول إن أكثر من 90% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي. فالأطفال في غزة لم يتذوقوا الحليب منذ شهور، نساء حوامل يأكلن وجبة واحدة كل يومين، شيوخ يربطون بطونهم بالأقمشة ليخدعوا الأمعاء. 

أيها العربي، هل تعرف ماذا يعني أن يكون "الخبز" حلما؟ أن تكون "رغيف" كلمة مقدسة لا يمس بها إلا بالدعاء؟

ولأن الموت من الجوع لا يحدث دفعة واحدة، فهو لا يثير ضجيجا..

يموت الطفل، ثم تموت أمه كمدا، ثم يرحل أبوه اختناقا من العجز... هل يسجل الجوع كجريمة حرب؟ هل يحاكم من استخدم المجاعة كسلاح؟ أم أن موت عربي بالجوع ليس طارئا كفاية ليقلق عالما يفضل أن يموت الفلسطيني "بهدوء"؟

اقرأ المزيد.. مجزرة في مخيم الشاطئ واستهداف متكرر للمجوعين

دلالات
00:00:00