غزيون يضطرون للاستغناء عن شراء النظارات.. فهل هناك ما يستحق النظر؟

الصورة
صورة تعبيرية لنظارة محطمة مصممة عبر الذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية لنظارة محطمة مصممة عبر الذكاء الاصطناعي
آخر تحديث

قد لا يعرف معنى فقد النظارة إلا من يعاني من ضعف البصر طولا أو قصرا أو انحرافا، فليست بالنسبة للغزي -الذي فقد كل شيء- أمرا كماليا، فكيف لأم فقدت نظارتها تبحث عن أطفالها بين الجموع المتدافعة هربا من القصف أن تميز أطفالها، وكيف لأب أن يتعرف على جثمان ابنه بين عشرات الجثامين المسجاة على أبواب مستشفيات غزة، وكيف لطفلة كسرت نظارتها أن تجاري صويحباتها في اللعب بأطراف الخيمة إن لم ترَ ما يرين.

المراقب للحرب عبر وسائل الإعلام يكاد لا يرى من الغزيين من يلبس النظارات، ما الذي حل بنظارات من يحتاجها وكيف يصف حياته بعد أن فقدها خلال الحرب؟

شهادات للغزيين حول صعوبة الحصول على نظارة طبية

تعاني السيدة أم محمود (52 عاما) من انحراف في النظر، كما تعاني من ماء أبيض في إحدى عينيها، وكانت تنوي إجراء عملية قبل الحرب لاستعادة صحة نظرها، فالماء الأبيض في العين يحجب الرؤية ويضعف النظر، وتبين أم محمود أنها باتت ترى في الحرب بشكل جزئي وضئيل؛ فقد تراجعت صحة عينها وتراكم مزيد من الماء في عينها لعدم تمكنها من إجراء هذه العملية. 

أما عن نظاراتها فتقول عبر حسنى إنها كانت وما زالت تعاني من انحراف في نظرها، لكن الأولويات تغيرت في الحرب، وأصبحت الأولوية في العلاج والاستقبال في العيادات والمستشفيات للجريح والمصاب، مبينة أنها تخجل من الذهاب إلى المستشفى في ظل وجود مرضى ومصابين حالتهم أكثر أولوية منها رغم ضعف نظرها وحاجتها للعلاج.

"رموا منشور وطلبوا إخلاء العمارة خلال ربع ساعة، طلعت من البيت ونسيت نظارتي ما أخدتها معي، من عجلة النزوح وثقل القصف، لسا متذكرة بالضبط وين حطيتها آخر مرة، بس راح البيت وراحت النظارة معاه".

لم تجلب السيدة أم محمود نظارة بدلا عن تلك التي فقدتها، فهي تقول إن تفصيل نظارة أو شراءها أمر مكلف جدا، فقد تصل تكلفة شراء نظارة إلى 600 شيكل كحد أدنى، وهو مبلغ كبير يصل إلى 115 دينارا أردنيا تقريبا، وفي حال توفره فإن الأولوية باتت لشراء خيمة أو ماء أو طعام. وتضيف بيأس وحزن:

"ليش أجيب نظارة؟ شو بدي أشوف؟؟ نيال اللي ما بشوف هالأيام".

الطهو على النار يسبب لنا جفافا في العين

وتضيف أم محمود أنها كانت لا تستخدم النار للطهو، فقد كان الغاز متوفرا، في حين أن إشعال النار وطهو الطعام عليها وتقليب الخشب كلها أمور أدت إلى زيادة وضع نظرها سوءا أكثر فأكثر.

"ممنوع منعا باتا للي مثل حالتي يتعرضوا للغبرة أو النار أو الرمل، فما بالك فينا نحن بننام بين الرمل، بنصحى الصبح وعيوننا مليانة رمل، والغطا اللي بنتغطى فيه كلو رمل برمل".

وكحلّ مؤقت، تقول أم محمود إن طبيبا في منطقة مواصي خانيونس وصف لها قطرة عين مرطبة للتخلص من احمرار العين الشديد الذي تعاني منه، لكن حتى هذا الحل المؤقت لم يكن متاحا، تقول أم محمود:

"من أول الحرب ما حصلت نقطة قطرة في عيني، حكولي حل مؤقت، بس حتى القطرات مش متوفرة، الوضع كارثي أكثر مما بنتخيل".

رمال الخيم ودخان القذائف.. عيون الغزيين بلا نظارات

أما السيدة عبير شراب (54 عاما)، فتقول لـ حسنى إنها متأكدة من عدم ملاءمة النظارة التي تلبسها لمستوى نظرها، وتقول إن نظرها تأثر من النار والأدخنة وتطاير الشظايا، وتعرضت نظارتها لعشرات الخدوش جراء وقوعها أثناء النزوح أكثر من مرة، إضافة إلى الخدوش التي سببتها الرمال والحصى التي تحيط بالخيمة وتدخل إليها.

"دائما نظارتي فيها خدوش، مغبشة ما بشوف فيها وشو ما نظفتها ما بتنظف، وما بشوف فيها منيح، هي وقلتها واحد، لأنو أكيد اتأثرت من النار والدخنة وضرب الصواريخ، حتى دخان السيرج اللي بستخدموه للسيارات أثر على نظري، كثير مضر".

معاناة فحص النظر

يلتزم خالد أبو عاصي (24 عاما) الذي كان يقطن في شمال غزة بإجراء فحص دوري للنظر للتأكد من أن نظارته تناسب درجة الانحراف المتغيرة في نظره منذ الطفولة، ويقول لـ حسنى إنه كان يتابع بشكل منتظم عند مركز سعيد خورشيد -وهو أكبر مركز للبصريات في شمال غزة- لافتا بحزن إلى أن سعيد خورشيد استشهد هو وجميع أفراد عائلته في قصف إسرائيلي غاشم، وأن جميع مراكز البصريات التابعة لهذه العائلة تم استهدافها. 

ويستذكر أبو عاصي وضعه ما قبل الحرب قائلا إن مركز خورشيد كان يوفر له عدسات ممتازة ومقاومة للأشعة ومناسبة لدرجة الانحراف التي يعاني منها، بينما بعد نزوحه للجنوب بات يجد صعوبة بالغة في إيجاد مراكز فحص نظر، بسبب الازدحام الشديد، وصعوبة التنقل، وعدم معرفة الأماكن في الجنوب بشكل جيد.

"تفاجأت بعد 5 أشهر من النزوح إنو نظري متراجع بشكل ملحوظ، ولما راجعت دكتور مختص بالعيون، قال لي لازم أستخدم قطرات عيون، بس للأسف مش متوفرة متل كتير حاجات في غزة".

وأضاف أبو عاصي: 

"بعاني من جفاف شديد ووجع، وحرقة في العين.. وحرقة في القلب كمان.."

اقرأ المزيد.. شهادات حول حصاد زيتون 2024

تكلفة شراء نظارة تصل إلى 600 شيكل على الأقل وهو ما يعادل نحو 115 دينارا 

مراسلة حسنى في جنوب القطاع مريم سلامة (21 عاما) عانت أيضا من فقدان نظارتها الطبية التي انكسرت أثناء نزوحها في محيط المستشفى الأوروبي، ووصفت تلك اللحظة بالكارثية، وذلك بسبب عدم معرفتها بأماكن فحص النظر في جنوب القطاع كنازحة من شماله، حيث بدأت رحلة بحثها عن مركز للعيون.

وتصف سلامة هذه الرحلة قائلة:

"في اليوم الذي توجهت فيه لخانيونس البلد حتى أبحث عن مركز للعيون، داهم جيش الاحتلال المنطقة فتراجعت مباشرة، ومن ثم توجهت إلى دير البلح، وبعد جهد وبحث وجدت محلا للبصريات وأجريت فحصا للنظر ولم أجد عدسات مناسبة لوضعي ولكن اشتريت المتاح منها، ودفعت 500 شيكل -100 دينار أردني- مقابل نظارتي، وهي تكلفة عالية جدا".

لم تكتمل فرحة مريم بالنظارات، حيث تم قصف مكان نزوحها في اليوم التالي من شرائها للنظارات، وكُسرت نظارتها الطبية مجددا.

نظارة طبية على الرمال في غزة
نظارة طبية على الرمال في غزة

تراجع سريع في النظر لمعظم الغزيين بسبب المعيشة في الخيم

تراجع نظر مريم بشكل سريع، فخلال شهرين فقط تراجع نظرها مقارنة مع فحصها السابق، وعزت ذلك إلى معيشة الغزيين في الخيم، فاضطرت إلى شراء نظارة ثانية مناسبة لتراجع نظرها بنحو 600 شيكل -115 دينارا-.

"يبرر التجار ارتفاع أسعار النظارات بعدم توفر العدسات والإطارات بالشكل المطلوب، وبأنه يتم تهريبها من الشمال إلى الجنوب مع التجار". 

وتعد الرمال المحيطة بالغزيين من كل مكان كارثة كبرى لمعظم الغزيين الذين يرتدون نظارات، فقد باتت كافة النظارات في غزة مخدوشة ومجروحة وغير صالحة للاستعمال، ولكن لا بديل!

الأطفال هم الأشد تأثرا بغياب العناية بالبصر في غزة

يعد فحص النظر للأطفال بشكل دوري أمرا ذا أهمية قصوى في مراحل مبكرة من طفولتهم، فهو يؤثر بشكل كبير على صحة نظرهم في المستقبل، وتقول والدة الطفلة سلمى والتي تبلغ من العمر 8 سنوات، إن طفلتها كانت قبل الحرب تمتلك نظارة طبية بعدسات ذات جودة ممتازة، ولكن خلال نزوحهم من مدينة رفح فقدت نظارتها واصفة المشهد بالتالي:

"وقعت بنتي على الأرض ونحن بنركض، انكسرت نظارتها، وعانت نفسيا وبكيت كتير لانو الأمر كتير بأثر على نفسية الطفل انو ما يشوف".

وبدلت أم سلمى نظارة ابنتها التي انكسرت بنظارة كانت ترتديها طفلتها من سنوات سابقة وجدتها صدفة.

"تشوف نص نص ولا أحس إنو بنتي عميا ما بتشوف اشي".

فرغم إدراك الأم والطفلة لضرورة عمل نظارة طبية جديدة مناسبة لوضعها الصحي، ولكن الوضع المالي لا يسمح لهم بذلك.

ازدياد الإعاقات البصرية نظرا لقلة الموارد

خرج حمزة زقوت -وهو أحد مالكي مراكز البصريات في شمال غزة- من منزله هربا بحياته وحياة عائلته من بطش الاحتلال، وتوجه نحو جنوب غزة، وكان مركز زقوت في تل الهوى شمال القطاع حيث قال لـ حسنى

"خرجنا من منازلنا عأساس كم يوم وبنرجع، ما جهزت نفسيتي إني أفقد مركزي، ولا كان في إمكانية أنقل أجهزتي وبضاعتي معي". 

يعمل زقوت اليوم في أحد مراكز العيون في مواصي خانيونس إلى حين العودة إلى دياره بإذن الله، وقد وصف لـ حسنى أصعب الحالات التي وصلت إلى المركز خلال الحرب قائلا إن العديد من الأطفال الغزيين أصيبوا بإعاقات بصرية نظرا لعدم وجود أجهزة متخصصة تتابع حالاتهم، ما حول ضعف البصر لدى العديد منهم إلى إعاقة بصرية. 

وبعد إغلاق معبر رفح في أيار الماضي، انحسرت البضائع والمواد بشتى أنواعها بشكل كبير في جنوب القطاع، حيث يقول زقوت إن إغلاق المعابر ضيق فرص وجود إطارات النظارات أو العدسات أو أجهزة فحص النظر. 

ويحذر زقوت من أن الوضع الطبي فيما يتعلق بصحة النظر في غزة يزداد سوءا وتدهورا، مبينا أن ما كان في المخازن من لوازم للبصريات تم استهلاكه، متوقعا أن لا يجد الغزي نظارة يلبسها. 

ويستصعب زقوت الوضع الحالي قائلا:

"بكون في مريض عنده نقص 3 درجات في نظره، بضطر أعطيه نظارة لدرجتين لأنو مش موجود طلبه، وهاد طبيا مش صح، بس أنا وياه بنعرف إنو هاد المتاح".

قد يعاني الغزي من ضعف بصره وتراجع حدة إبصاره بسبب شح النظارات وغلاء أسعارها وبسبب الرمل والجفاف وأبخرة الحرب، لكنه أقام الحجة علينا وعلى بصيرتنا.

اقرأ المزيد.. شهادات غزيين حول شحن هواتفهم

الأكثر قراءة
00:00:00