ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة في بلدة جباليا شمال قطاع غزة حيث أسفر قصف منزل لعائلة علوش عن استشهاد 32 شخصا، بينهم أطفال، وذلك
"نشحن هواتفنا لنضيء الخيمة وننتشل الشهداء".. شهادات غزيين حول شحن هواتفهم
"بنقبض قلبي كل ما أروح أستلم الجوال بخاف أسمع خبر سيئ عن أولادي وأنا آخر من يعلم"
كبد وعناء، بذلك يصف أهل غزة حياتهم اليومية إن نجوا من براثن القصف وآلاف الأطنان من المتفجرات التي تسقط على رؤوسهم يوميا، فيقضون يومهم بشق الأنفس محاولين الوصول إلى الماء والطعام، جاهدين منذ الصباح لتأمين الحاجات الأساسية التي بات الوصول إلى غالبيتها جهادا أكبر.
يتقصد الاحتلال قطع أواصل الاتصال بين الناس
تقصد جيش الاحتلال على مدى عام من العدوان قطع شبكات الاتصالات، بل كانت أولى أهدافه، قاطعا على الناس أبسط أنواع الاطمئنان على بعضهم، أو التواصل مع المستشفيات أو الدفاع المدني للتبليغ عن جرحاهم، حيث أكدت وزارة الاتصالات الحكومية في غزة أن الاحتلال ومنذ بداية العدوان تقصد استهداف أبراج الاتصالات وشبكة الإنترنت، وبينت في تقرير بعد مضي خمسة أشهر على العدوان، أن 26.59% من الأبراج فقط تعمل والباقي خرج من الخدمة بسبب القصف الإسرائيلي، فيما لم تُحدَّث هذه الإحصائية بعدها.
وفي تقرير إحصائي آخر للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بين أن الاحتلال تقصد قطع شبكة الاتصالات بشكل كامل عن القطاع تسع مرات على الأقل، كما قطعها بشكل جزئي عشرات المرات في كل هجمة برية كان يستهدف فيها منطقة ما.
اخترع الغزي أدوات تواصل أخرى مع أحبابه وأهله، فالبعض كان يقتنص فترات البث المباشر للقنوات التلفزيونية، فيقف خلف الكاميرات يلوح للعدسة بيده " أنا على قيد الحياة".. رسالة دون كلمات يرسلها لعل أحدا من أهله أو أحبائه يلتقطها.
كيف يشحن أهل غزة هواتفهم؟
تنجو هواتف بعض الغزيين من تحت الركام، فيما تضيع هواتف البعض في خضم النزوح المتكرر، وتسرق هواتف آخرين عند إخلاء ليلي مفاجئ تجبرهم على ترك كل شيء والركض بأطفالهم وأنفسهم فقط.
يقول الصحفي من دير البلح وسط قطاع غزة، رامي الصيفي لـ حسنى إن أهل قطاع غزة لم يعدموا الوسيلة في إيجاد بديل عن غياب الكهرباء عنهم، وخاصة لشحن هواتفهم، والتي تنجو أحيانا كلما نجا أصحابها، وقد تنجو الهواتف أحيانا دون أن ينجو أصحابها، فتبقى شاهدة على ذكرياته فقط.
فالهاتف الذي بات لا يفارق الأيدي ولا يُستغنى عنه في عالم مواز لغزة، أصبح في غزة أشبه بدمية بشاشة سوداء لا فائدة منه إذا لم يستطع الغزي شحنه، فكيف يشحن الغزي هاتفه منذ أكثر من عام؟
أجرى الصيفي عددا من المقابلات لـ حسنى سأل فيها الغزيين عن حاجتهم لشحن الجوالات، وقال علي نبيل إنه يرسل هاتفه نحو نقاط الشحن التي ابتكرها البعض كمصدر رزق عبر ألواح الطاقة الشمسية، فيبقى الهاتف من ساعة إلى ساعتين يوميا، أما عن التكلفة فيقول نبيل إن تكلفة الشحن اليومي للهاتف الواحد تقدر ما بين شيكل إلى 3 شيكل أي ما يعادل دولارا واحدا، فيما تصل التكلفة الأسبوعية إلى 30 شيكلا وهي ما يعادل 8 دولارات.
ويصف نبيل قائلا:
"بدنا نشحن مضطرين ولو تكلفة عالية، بدنا نتطمن عأهلنا بالشمال، بدنا نضوي على الخيم بالليل".
ويرسل يوسف الكيلاني هاتفه أربع مرات بالأسبوع لنقاط الشحن، ويقول إنه لا يستطيع أن يرسله يوميا، فالاحتياجات كثيرة، ولا مصدر رزق يستطيع أن يلبي احتياجاته اليومية كافة من مأكل ومشرب وشحن هواتف، ويقول إن تكلفة شحن هاتفه وهاتف زوجته أسبوعيا تصل إلى 30 شيكلا، مضيفا أن الهاتف يبقى في نقطة الشحن ساعتين كحد أدنى.
الاطمئنان على الأهل في الشمال الهدف الأول وراء شحن الهاتف
"لا نحتاج الهاتف لإضاعة الوقت أو مشاهدة فيديوهات العالم وهي تعيش ونحن نموت"، بنبرة تملؤها الحسرة يقول الغزيون في فيديوهات متداولة حول أهمية شحن هواتفهم، فيما يقول جهاد قاسم إنه يحتاج شحن هاتفه بالدرجة الأولى لسماع صوت أهله الصامدين في شمال غزة، والذين يتعرضون لإبادة يومية شرسة.
ويدفع قاسم أسبوعيا نحو 25 شيكلا أي ما يعادل 7 دولارات لشحن الهاتف الواحد، ويحتاج ضعف هذا الرقم في حال احتاج لشحن هاتف زوجته.
يحتاج شحن الهاتف الواحد من العاشرة صباحا وحتى ساعات الظهر
تضع رشا عودة هاتفها يوميا من الساعة العاشرة صباحا وحتى ساعات الظهر يوميا لشحنه، ويكلفها شحنه أسبوعيا نحو 14 شيكلا كحد أدنى أي ما يعادل 4 دولارات، وتقول إنها تكلفة قد لا تقوى عليها دائما، فتضطر إلى أن يبقى هاتفها مغلقا لأيام، دون اتصال مع أهلها في شمال القطاع أو سماع الأخبار أو معرفة ما يجري.
وتضيف عودة:
"المعاناة الوحيدة ليست فقط بساعات بقاء الهاتف في نقاط الشحن، بل الوصول إلى تلك النقاط، فبعضها يبعد أمتارا وبعضها الآخر يبعد كيلومترات مما يضطرها إلى المشي لساعة أو أكثر للوصول إلى نقاط الشحن".
غياب الشمس في الشتاء قد يصعب من شحن الهواتف
ولأن نقاط الشحن تعمل بشكل كلي على الطاقة الشمسية، فإن يوما غائما واحدا كفيل بأن يعطل عملية شحن الهواتف، فتقول أم خليل لـ حسنى إن الأيام التي هطلت بها القليل من الأمطار وكان الجو غائما لم يستطع معظم الغزيين شحن جوالتهم لغياب الطاقة الشمسية.
وتدفع أم خليل نحو 14 شيكلا، وتقول إنها تعاني يوميا للحصول على بعض الشواكل والتي يذهب معظمها لشحن الهاتف.
وتحتاج أم أحمد 100 شيكل أي ما يعادل 27 دولارا شهريا لشحن هاتفها والبطارية التي تحتاجها في مركز الإيواء لتشغيل بعض الأدوات، وتقول:
"الأسعار تتفاوت ما بين شيكل إلى 3 شيكل لشحن الجوال الواحد يوميا، فيما تحتاج إلى 5 شيكل لشحن البطارية التي تضيء بها غرفة الإيواء ليلا".
لا نستلم الهاتف مشحونا بشكل كامل
ورغم وضع الهاتف لدى نقاط الشحن لساعتين أو أكثر وأحيانا من الصباح حتى المساء، فإن أم خليل تقول إن الهاتف وبعد استلامه من نقاط الشحن يكون قد شحن 50% أو 60% فقط، وهو أمر يجعلها تشعر بالحزن والامتعاض، خاصة وأن لديها طفلين يمكثان في المستشفى تحتاج للاطمئنان عليهما بشكل شبه يومي:
"بنقبض قلبي كل ما أروح أستلم الجوال وأشوف اتصالات فائتة، فبخاف يكونوا أطفالي بحالة صعبة وبحاجتي وأنا آخر من يعلم".
من مهنة الخياطة إلى محطة شحن
وفي مقابلة لـ حسنى مع أحد القائمين على نقطة شحن هواتف في دير البلح، يقول رائد درويش إنه نزح من شمال غزة إلى جنوبها، وبحثا عن الرزق اشترى لوح طاقة شمسية بـ1000 شيكل وهو ما يعادل 266 دولارا؛ ليؤسس نقطة شحن للبطاريات والهواتف.
كان درويش يعمل خياطا في شمال غزة، إلا أن الأولويات لدى الغزيين اختلفت فلم يعد البحث عن الملابس أو خياطتها أمرا مهما، حيث قرر أن يبحث عن مصدر رزق في أمر لا يستغني عنه الغزي، فقرر أن يؤسس نقطة الشحن.
ويصف درويش قائلا:
"الأسعار في بداية الحرب كانت معقولة ومنطقية حيث كان سعر اللوح الواحد لا يتجاوز 300 شيكل ما يعادل 60 دينارا أردنيا تقريبا لكن للأسف مع استمرار الحرب وطمع التجار وجشعهم ارتفع ثمنه إلى 1000 شيكل".
بدأ درويش تأسيس نقطة شحنه اعتمادا على بطاريات سيارات كبيرة كان قد أحضرها معه أثناء رحلة نزوحه من شمال غزة إلى جنوبها، كما اشترى جهاز "إنفيرتر" لتنظيم الكهرباء ما بين لوح الطاقة الشمسية نحو البطارية.
"لوح الطاقة الشمسية الواحد يكفي فقط لشحن 10-15 جوال يوميا".
قد لا يحتاج الغزي هاتفه ليعطيه لطفله لينشغل عنه، فطفله في الأسواق يحاول كسب الرزق، ولا لمشاهدة "الريلز" فهو محتواها، ولا لمشاهدة شهادات ذوي الشهداء فهو منهم، ولا للاستماع إلى شاهد على المجازر فهو شاهد عليها كلها.
لكن هاتفه الذي يجاهد لشحنه، بات ضرورة ليضيء به تحت الأنقاض لانتشال أحبائه، أو لتوثيق جرائم ما عاد العالم يكترث لها، أو لسماع صوت أحبابه بعد دوي كل انفجار.
اقرأ المزيد.. شهادات حول حصاد زيتون 2024 في القطاع