محرر ومذيع أخبار
عودة العلاقات الأردنية مع سوريا برعاية اقتصادية
مرت العلاقات الأردنية مع سوريا بتذبذبات عدة بين شد وجذب على مر الزمن، وشكلت الثورة السورية التي اندلعت أحداثها عام 2011 فارقا كبيرا في العلاقات بين البلدين، حيث أغلقت الحدود تجاريا وفتحت إنسانيا أمام الهاربين من بطش النظام.
وحاول الأردن أن يلتزم موقف الحياد والدعوة الدائمة نحو حل سياسي يرضي الشعب السوري ويحقق الاستقرار في البلد الشقيق، إلا أن الرد السوري على هذا الموقف كان باتهام عمان أكثر من مرة بدعم الإرهاب.
العلاقات على مستوى سياسي ودبلوماسي خلال السنوات العشر الماضية
راقب الأردن الأحداث المندلعة في سوريا كما راقبها العالم، واستنكر كما استنكر الكثيرون إلا أنه لبى نداء الإنسانية وفتح حدوده للهاربين من القمع في الوقت الذي امتنعت فيه العديد من الدول عن استقبالهم.
دبلوماسيا، اعتبر الأردن السفير السوري بهجت سليمان عام 2014 شخصا غير مرغوب فيه، وطالبه بالمغادرة لإساءته للأردن وقيادتها ورموزها، فيما ردت دمشق بالمثل.
واستمرت السفارتان في كلا البلدين بتسيير الأعمال دون وجود سفير بشكل رسمي، حتى قام الأردن بتعيين قائم بالأعمال في دمشق عام 2019، وقامت دمشق كذلك بتعيين أيمن علوش قائما بالأعمال فقط.
الأردن داوم على المشاركة بصفة المراقب في العديد من المحافل الدولية التي كانت تعنى بحل القضية السورية والتوصل لحل سياسي، إضافة إلى حضوره عشرات المؤتمرات المعنية بأزمة اللجوء السوري التي تحمل الأردن العبء الأكبر منها.
بهجت سليمان يغادر عمان
تضرر الأردن بشكل كبير على مستوى اقتصادي
وعلى صعيد العلاقات الأردنية مع سوريا بشقها الاقتصادي، فقد انعكست الأوضاع السورية على اقتصاد الأردن بشكل كبير؛ فسوريا كانت الممر البري والجوي الناقل للبضائع نحو السوق الأوروبية واللبنانية وغيرها.
وتسببت الهجمات العسكرية التي كان النظام السوري يشنها على أهالي منطقة درعا خصوصا عند الحدود السورية -الأردنية باضطراب كبير حيث تضررت المنطقة الحرة المشتركة من الجانب الأردني وسرق العديد من محتوياتها، وتعطلت مصالح الكثير من التجار وتوقف أسطول شاحنات النقل، وتأثرت الأراضي الزراعية الممتدة على أراضي حوران المشتركة نتيجة الانبعاثات الكيماوية التي كان النظام يستخدمها ضد الأهالي.
المنطقة الحرة الأردنية السورية
لم تنقطع العلاقات الأردنية مع سوريا سياسيا بشكل كامل بل جُمدت إلى حدها الأدنى، ولم يكن ذلك مقتصرا على الأردن وإنما نحت غالبية دول العالم هذا النحو، وخاصة بعد تجميد مقعد دمشق في جامعة الدول العربية والعديد من المحافل الدولية وفرض العقوبات الأمريكية الاقتصادية على عموم سوريا وشخصيات قيادية فيها.
العلاقات الأردنية مع سوريا تعود تدريجيا برعاية اقتصادية
ورغم الإبقاء على خيط رفيع من قنوات التواصل السياسية بين الأردن وسوريا، إلا أن العلاقات الاقتصادية توقفت بشكل نهائي نظرا لانعدام الأمن من الجانب السوري جوا وبرا.
ومنذ مطلع العام، وبعد انتخابات رئاسية أجرتها سوريا تخطت فيها ما تم الاتفاق عليه في جنيف، واستمر فيها بشار الأسد على رأس السلطة، بدأت دول العالم بالتعامل مع النظام السوري كأمر واقع لا مفر منه.
على الصعيد الأردني، بدأت بشكل تدريجي منذ مطلع العام زيارات متبادلة على صُعد تجارية واقتصادية بحتة، تمثلت بزيارات متبادلة لأعضاء الغرف الصناعية والتجارية ما بين دمشق وعمان.
حيث توجه في نيسان الماضي وفد رفيع برئاسة رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي إلى دمشق لبحث العلاقات التجارية بين البلدين، كما قام وفد سوري تجاري في تموز الماضي بزيارة عمان وإجراء عدة لقاءات على مستوى اقتصادي.
اتصالات على مستوى الوزراء
في آب الماضي أجرى وزير الداخلية مازن فراية اتصالا مع نظيره السوري أعلن عقبه عن فتح حدود جابر السورية على صعيد النقل التجاري والشخصي، إلا أنه تم تجميد العمل بالقرار نظرا للحملة العسكرية التي شنها النظام على درعا لبسط سيطرته عليها ما دفع الأردن للاستمرار بإغلاق الحدود تخوفا من الحالة الأمنية المضطربة.
وزراء سوريون يزورون الأردن منذ 2011
ومنذ 2011 انقطعت الزيارات على مستوى الوزراء بين البلدين، إلا أن مشكلة الطاقة الملحة في كل من لبنان وسوريا، دفعت وزيرا الطاقة والكهرباء السوريين لزيارة المملكة الشهر الماضي، وتبع ذلك مشاركة وزير الطاقة السوري بدعوة من وزيرة الطاقة هالة زواتي باجتماع رباعي أردني مصري لبناني سوري في عمان منتصف الشهر الحالي، لترتيب ملف إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
مؤخرا وقبل أيام وصل وزير الدفاع السوري إلى عمان في زيارة للقاء رئيس هيئة الأركان لبحث الأوضاع الأمنية خاصة في ظل تزايد عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات على الحدود الشمالية مع سوريا.
وزير الطاقة السوري في عمان
أطر جيوسياسية وجغرافية تحتم على الأردن التعامل مع سوريا
ويعتبر المحلل السياسي حسن المومني أن العلاقات الأردنية مع سوريا مرسومة ضمن أطر تحتم على الأردن التعامل مباشرة مع دمشق، حتى وإن كانت ليست على توافق سياسي معها، وعلى رأسها القرب الجيوسياسي والجغرافي.
وأن الدبلوماسية الأردنية لا يمكنها أن تتخذ خطوات أحادية الجانب من حيث عودة العلاقات مع سوريا، فهي مرتبطة بتوازنات دولية عدة على رأسها جامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرها من التوازنات التي ما زالت ترى في نظام الأسد معضلة يجب التعامل معها وفق قرارات دولية لا يمكن للأردن وحده أن يتعداها.
وقال المومني في حديثه لـ حسنى أن الأردن وضع المصلحة الاقتصادية على سلم أولوياته بعد جائحة كورونا، وأن زيارات الملك الأخيرة إلى كل من واشنطن وروسيا -قُطبي التأثير الرئيسيين في الأزمة السورية-، كانت بهدف تمهيد الطريق أمام المصالح الأردنية الاقتصادية بشكل بحت وعلى رأسها ملف الطاقة، الذي كان لا بد للمضي به وبغيره من الملفات، من استثناء الأردن من عقوبات قيصر.
الشعوب لن تنسى
مضت السنوات العشر الماضية على الشعب الأردني بصعوبة كما مضت على الشعب السوري، فكم من ليال صعبة سمع فيها الأردنيون دوي الانفجارات، وركضوا أوقاتا أخرى إلى الحدود لتقديم المعونة للهاربين من القمع.
قد تعود العلاقات الأردنية السورية يوما ما إلى ما كانت عليه دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، إلا أن ما تركه عنف النظام من ندوب ستبقى حاضرةفي أذهان الأردنيين والسوريين الذين باتوا اليوم يتشاركون الأرض والذاكرة.
الشعب الأردني يتضامن مع الشعب السوري