يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة لليوم الـ424، في ظل تصعيد ميداني عنيف شمالي القطاع أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى، واستمرار معاناة
واشنطن تتراجع عن رواية قطع رؤوس أطفال .. تعرف على من يقف خلفها
مطلق إشاعة "الأطفال المقطوعة الرأس" هو زعيم المستوطنين الإسرائيليين الذي حرض على محو قرية حوارة الفلسطينية
أعلن البيت الأبيض في بيان اليوم الخميس، تراجعه عن تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن زعم فيها خلال خطاب متلفز أمس الأربعاء أنه رأى صورا تظهر مقاومي حماس وهم يقطعون رؤوس أطفال يهود، وقال البيت الأبيض أن لا أحد من المسؤولين الأمريكيين رأى صورا توثق ذلك، وأن بايدن استند في تصريحاته السابقة إلى تقارير إعلامية عبرية.
جو بايدن يصدق أن حماس تقطع رؤوس أطفال!
وكان العالم قد شهد موجة من الغضب إثر إعلان وزارة خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي أن المسلحين الفلسطينيين من قطاع غزة المحاصر قتلوا 40 طفلا وقطعوا رؤوس العديد منهم أثناء توغلهم في مستوطنة كفار عزة على حدود غزة.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن صدق هذه الرواية دون الحاجة إلى دليل، وكرر هذا الادعاء التحريضي خلال خطاب ألقاه في البيت الأبيض في الـ 10 من تشرين الأول 2023، بينما نقلت الشبكات في جميع أنحاء الدول الغربية هذه القصة دون أدنى قدر من التدقيق أو طلب توثيق على هذا الادعاء السافر. كما لا يبدو أن أحدا من مستشاريه الإعلاميين كلف نفسه عناء التحقق من اتهام مخيف كهذا.
وتبنى مراسل صحفي معروف لشبكة (CNN) نيك روبرتسون هذه الرواية دون تحقق، واقعا في الفخ نفسه حيث نقل عن مصادر عسكرية إسرائيلية على ما يبدو أن مسلحين فلسطينيين نفذوا "عمليات إعدام على غرار داعش"، حيث كانوا "يقطعون رؤوس الناس"، بما في ذلك الأطفال والحيوانات الأليفة.
ورغم أن الجنود الإسرائيليين يحملون كاميرات تصوير كان يمكن أن تنقل لهم بسهولة هذه الصور، إلا أن الرغبة بإلصاق تهمة الوحشية بالمقاومين الفلسطينيين كانت أقوى من رغبتهم بالمصداقية.
موقع أمريكي يفضح كذب الرواية الإسرائيلية
كشف موقع (The Grayzone) الإخباري الأمريكي حقيقة الأكذوبة، حيث قال الموقع إنه تمكن من تحديد المصدر الرئيسي الذي يقف خلف الادعاء بأن المسلحين الفلسطينيين يقطعون رؤوس أطفال إسرائيليين، وهو "ديفيد بن تسيون" نائب قائد الوحدة 71 في جيش الاحتلال، كما أنه زعيم مستوطنين متطرف حرض على قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في وقت سابق من هذا العام.
وفي مقابلة أجريت معه في الـ 10 من تشرين الأول مع شبكة (i24) الإسرائيلية، ادعى بن تسيون بأنه شاهد على المذبحة:
"لقد مشينا من باب إلى باب، وقتلنا الكثير من الإرهابيين. إنهم سيئون للغاية. لقد قطعوا رؤوس أطفال وقطعوا رؤوس النساء. لكننا أقوى منهم".
وأضاف: "نعلم أنهم حيوانات"، في إشارة إلى الفلسطينيين، "لكننا وجدنا أنهم لا يملكون أي قلب".
وبعد هذه المقابلة قام بايدن ونتنياهو ووسائل الإعلام الدولية بتضخيم هذا الادعاء الكاذب. وقد أكد الموقع الأمريكي أن بن تسيون زعيم استيطاني متعصب حرض على أعمال قتل وتنكيل وتعذيب بحق الفلسطينيين من خلال المطالبة بـ "محو" بلدة فلسطينية.
بعد ساعات من مقابلته مع (i24)، الذي كان ما يزال في قرية كفر عزة، تم رصد بن تسيون في مقطع فيديو نشر على فيسبوك وهو يرتدي الزي الرسمي ويبتسم بشكل متكرر في تصرف غريب لشاهد مفترض على الذبح المنهجي للأطفال.
في وقت سابق من ذلك اليوم، قالت مراسلة (i24) خلال تقرير مباشر من مستوطنة كفار عزة:
"تم إخراج حوالي 40 طفلا على نقالات.. انقلبت الأسرة، وتُركت عربات الأطفال خلفها، وتُركت الأبواب مفتوحة على مصراعيها. وقد تمت مشاهدة تقرير زيديك عشرات الملايين من المرات على تويتر وتروج لها وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تدعم شبكتها".
وبعد ساعات، تراجعت المراسلة التي أعدت التقرير عن أقوالها وصرحت:
"أخبرني الجنود أنهم يعتقدون أن 40 رضيعا وطفلا قتلوا. وما يزال عدد القتلى الدقيق غير معروف حيث يواصل الجيش التنقل من منزل إلى منزل والعثور على المزيد من الضحايا الإسرائيليين".
ومع ذلك، فإن الحكاية التي لم يتم التحقق منها، سرعان ما شقت طريقها إلى أعلى المستويات، كما لو كانت عن قصد.
وصرح المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بثقة كبيرة أنه تم العثور على جثث الرضع والأطفال الصغار "مقطوعة الرأس"، في حين أشار الرئيس جو بايدن نفسه بشكل غامض إلى "التقارير المثيرة للقلق عن مقتل الأطفال الرضع".
وبالمثل، انطلقت القنوات الإخبارية في حالة من الجنون، حيث أخذت القصة بالانتقال دون انقطاع على الرغم من تراجع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تأكيده الأولي.
وفي هذه الأثناء، بدأ بعض المراسلين الصحفيين بالتراجع عن تقاريرهم التي نقلوا فيها الادعاءات الإسرائيلية الرسمية حول قطع رؤوس أطفال
أورين زيف، وهو مراسل إسرائيلي انضم إلى الجولة الرسمية لجيش الاحتلال في مستوطنة كفار عزة، علّق على تويتر قائلا: "أتلقى الكثير من الأسئلة حول التقارير التي نشرت بعد الجولة الإعلامية في القرية عن "أطفال مقطوعي الرأس على يد حماس". خلال الجولة لم نر أي دليل على ذلك، ولم يذكر المتحدث باسم الجيش أو القادة أي حوادث من هذا القبيل.
دعوات لـ "إبادة الفلسطينيين" و"لا مجال للرحمة"
ديفيد بن تسيون هو زعيم المجلس الإقليمي شمرون الذي يضم 35 مستوطنة غير قانونية في الضفة الغربية، والذي دعا هذا العام إلى "محو" قرية حوارة الفلسطينية. وقال في تغريدة على تويتر بتاريخ الـ 26 من شباط 2023: "كفى كلاما عن بناء وتعزيز المستوطنات". يجب أن يعود الردع الذي فقدناه الآن، فلا مجال للرحمة.
ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن بن تسيون قوله بعد فترة وجيزة: "يجب محو قرية حوارة، هذا المكان هو وكر للإرهاب ويجب أن يكون العقاب للجميع"، وهي دعوة واضحة للعقاب الجماعي للفلسطينيين.
وقد حظيت تغريدة بن تسيون بالإعجاب على تويتر من قبل وزير المالية الإسرائيلي آنذاك بتسلئيل سموتريتش، وهي خطوة دفعت 22 باحثا قانونيا إلى دعوة المدعي العام لفتح تحقيق مع المسؤول بتهمة "التحريض على جرائم حرب". وعندما ردد سموتريش في وقت لاحق دعوة بن تسيون، ودعا إلى "القضاء على حوارة" في الشهر التالي، أدانت وزارة الخارجية الأمريكية خطابه ووصفته بأنه "خطير".
وكانت قرية حوارة في ذلك الوقت هدفا لأعمال قتل عنيفة قام بها المستوطنون الذين يعملون تحت إشراف بن دافيد. وفي أعقاب هجوم المستوطنين على البلدة، والذي أدى إلى إحراق عشرات المنازل والمركبات، فضلا عن إصابة فلسطينيين، وصفت حماس الهجوم بأنه "إعلان حرب".
عضو قيادي في حركة الهيكل المتطرفة
وديفيد بن تسيون يظهر كواحد كان في صدارة تطرف المستوطنين لسنوات. تم تصويره في عام 2015 وهو يمسك بميكروفون للمفكر المتطرف والمستوطن نوعام ليفنات، الذي يصف نفسه بأنه "متشدد يميني مسيحي".
وفقا لكتاب "قتل باسم الله: مؤامرة لقتل إسحاق رابين"، يصف يغال أمير قاتل رابين بأنه متأثر بليفنات ومعجب به. ففي عام 2005، قاد ليفنات تمردا لعشرة آلاف جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي والاحتياطيين الذين أقسموا على رفض أمر رئيس الوزراء الحالي آنذاك، أريئيل شارون، بنزع المستوطنات غير القانونية من قطاع غزة.
يبدو أن بن ديفيد يشترك في هواجس ليفنات المسيحية. ففي عام 2018، ذهب إلى المسجد الأقصى المبارك الذي يسعى المتطرفون اليهود إلى هدمه وبناء هيكلهم المزعوم. إذ كتب قائلا "لماذا ما يزال المسلمون يمشون بكل فخر على هذا الجبل؟" وأضاف: "هناك الكثير من العمل أمامنا".
ديفيد بن تسيون يظهر أيضا أنه يشترك مع نوعام ليفنات بهوس تدمير غزة. فبعد أيام من شن دولة الاحتلال حربا، استمرت 51 يوما ضد غزة وأسفرت عن استشهاد ما يقرب من 1500 فلسطيني، نشر ديفيد بن تسيون صورة على فيسبوك لنفسه وزملائه في جيش الاحتلال وهم يقفون أمام مدفعية موجهة لتكوين عبارة "شعب إسرائيل يعيش" باللغة العبرية.
وفي حين يستخدم نتنياهو ادعاء كاذبا حول قطع رؤوس أطفال لضمان وقوف واشنطن والغرب خلفه في عدوانه على غزة، يسعى ديفيد بن تسيون إلى تحقيق طموحاته.
اقرأ المزيد.. حماس تدعو الإعلام الغربي لتحري الحقيقة بدلا من زيف الاحتلال