أعلن الأردن وعدد من الدول العربية والإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي موقفا رافضا لإعلان "إسرائيل" الاعتراف بما يسمى "أرض الصومال"، محذرين من
أرض الصومال: جذور النشأة وخلاف الانفصال عن الدولة الصومالية
أعاد الإعلان الإسرائيلي الاعتراف بما يسمى "جمهورية أرض الصومال" إحياء ملف قديم جديد، ظل لعقود حبيس الجغرافيا السياسية للقرن الإفريقي، ومعلقا بين أمر واقع في الشمال، ورفض دستوري وقانوني من الدولة الصومالية.
هذا التطور أعاد طرح أسئلة جوهرية حول جذور نشأة الإقليم، ومسار انفصاله، وطبيعة الخلاف التاريخي والسياسي الذي يفصله عن مقديشو، في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم حساسية من حيث الموقع والتوازنات الدولية.
موقع إقليم "أرض الصومال" وأهميته الاستراتيجية
يقع إقليم "أرض الصومال" شمالي جمهورية الصومال، في القرن الإفريقي المطل على خليج عدن، في نقطة جغرافية قريبة من مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
ويحده شمالا جيبوتي، وجنوبا إثيوبيا، ويمتد على مساحة تقدر بنحو 177 ألف كيلومتر مربع، ويقطنه قرابة 6 ملايين نسمة، غالبيتهم من المسلمين السنة، ويتوزعون بين قبائل رئيسية أبرزها:
-
إسحاق.
-
دارود.
-
سمرّون.
وتكمن الأهمية الاقتصادية للإقليم في ميناء بربرة، الذي يعد الرئة التجارية الأهم، وأحد أكبر موانئ خليج عدن، ومنفذا استراتيجيا لواردات إثيوبيا غير الساحلية.
الجذور الاستعمارية للانقسام
يعود أصل التمايز بين شمال الصومال وجنوبه إلى الحقبة الاستعمارية، حين خضعت الأراضي الصومالية لتقسيم نفوذ أوروبي. ففي عام 1887 احتلت إيطاليا جنوب الصومال، بينما بسطت بريطانيا سيطرتها على شماله في العام التالي، في إطار سعيها لمنع التمدد الفرنسي وحماية مصالحها في عدن وباب المندب.
هذا التقسيم الإداري والسياسي ترك أثرا عميقا في البنية السياسية اللاحقة، ورسخ تمايزا بين شطرين خضعا لنظم استعمارية مختلفة.
الاستقلال والوحدة السريعة
في 26 حزيران 1960 نالت "أرض الصومال" استقلالها عن بريطانيا، وحظيت باعتراف أكثر من 30 دولة، بينها "إسرائيل"، غير أن هذا الاعتراف لم يستمر سوى أيام قليلة. فبعد أربعة أيام فقط، أعلن اتحادها مع الجنوب الذي كان قد استقل عن إيطاليا، لتنشأ جمهورية الصومال الموحدة، في خطوة عكست طموحا قوميا واسعا بتجاوز آثار الاستعمار.
من الدولة الموحدة إلى الأزمة
لم تصمد الوحدة طويلا أمام التحديات السياسية، فمع وصول الجيش إلى السلطة أواخر ستينيات القرن الماضي بقيادة محمد سياد بري، دخلت البلاد مرحلة من الحكم المركزي الصارم، وصفت سياساته من قبل خصومه بالقمعية والإقصائية، خصوصا تجاه بعض مناطق الشمال.
ومع تصاعد التوترات، ظهرت حركات مسلحة معارضة، أبرزها "الحركة الوطنية الصومالية"، التي وجدت في المظالم السياسية والاجتماعية وقودا لخطابها.
إعلان الانفصال عام 1991
في أعقاب سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، أعلنت "الحركة الوطنية الصومالية"، بقيادة عبد الرحمن أحمد علي، انفصال "أرض الصومال" من جانب واحد في 18 أيار من العام ذاته. وبررت الخطوة بما اعتبرته عقودا من التهميش والقمع وانهيار الدولة المركزية.
ومنذ ذلك التاريخ، يدير الإقليم شؤونه ككيان منفصل بحكم الأمر الواقع، دون أن ينال أي اعتراف دولي رسمي طوال أكثر من ثلاثة عقود.
إدارة مستقرة ولكن بلا اعتراف
سياسيا، يشير خبراء في الشأن الإفريقي إلى أن الإدارات المتعاقبة في "أرض الصومال" نجحت نسبيا في فرض قدر من الاستقرار، وإجراء انتخابات محلية، وتداول سلمي للسلطة، حيث تعاقب على حكم الإقليم ستة رؤساء منذ تسعينيات القرن الماضي.
غير أن هذا الاستقرار ظل هشا، وبدأت تصدعاته بالظهور مؤخرا، مع إعلان إقليم سول رفضه الانفصال والتحاقه بالحكومة الفدرالية في مقديشو، ما أعاد فتح النقاش حول وحدة الأراضي الصومالية حتى داخل الشمال نفسه.
الاعتراف الإسرائيلي وتحريك المياه الراكدة
في 26 كانون الأول 2025، أعلنت "إسرائيل" اعترافها رسميا بـ"جمهورية أرض الصومال"، لتصبح أول من يقدم على هذه الخطوة منذ إعلان الانفصال عام 1991.
هذا الإعلان أثار موجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وأعاد ملف الإقليم إلى دائرة الجدل، في ظل مخاوف من تداعياته على وحدة الصومال، واستقرار القرن الإفريقي، والتوازنات الحساسة في البحر الأحمر وباب المندب.
وحدة معلقة بين رؤيتين
يظل الواقع الصومالي محكوما بتباين رؤيتين متعارضتين؛ إحداهما في الشمال ترى أن من حقها تأسيس كيان مستقل ضمن الحدود التي رسمها الاستعمار البريطاني، وأخرى في الجنوب تتمسك بوحدة الدولة، وتؤكد أن الصومال كيان سيادي واحد لا يقبل الانقسام، وأن التشظي القائم هو نتاج مباشر للإرث الاستعماري.
وبين هذين التصورين المتناقضين، تبقى "أرض الصومال" عالقة بين أمر واقع تفرضه المعادلات السياسية على الأرض، وغياب للشرعية الدولية، بما يجعلها إحدى أكثر إشكاليات ما بعد الاستعمار تعقيدا في القارة الأفريقية.
اقرأ المزيد.. رفض أردني ودولي لاعتراف "إسرائيل"