تتضارب الروايات حول اشتباكات السويداء جنوب سوريا إثر موجة عنف جديدة واشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية وأخرى من العشائر البدوية، وبينما أعلنت
السويداء تشتعل.. لماذا؟ ومن المستفيد؟

عاد التوتر إلى محافظة السويداء جنوب سوريا، بعد اندلاع اشتباكات دامية بين مجموعات مسلحة من أبناء الطائفة الدرزية وعشائر بدوية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، في واحدة من أسوأ موجات العنف التي تشهدها المنطقة منذ الإطاحة بحكم بشار الأسد.
التطورات أعادت طرح الأسئلة حول قدرة السلطة الجديدة على ضبط الأمن واحتواء الانقسامات المجتمعية المتجذرة.
سبب الاشتباكات في السويداء: توتر متراكم وخطف متبادل
اندلعت الاشتباكات على خلفية حادثة سلب وقعت على طريق دمشق–السويداء، أعقبتها سلسلة من عمليات الخطف المتبادل.
وقالت وزارة الداخلية السورية إن التوترات المتراكمة ساهمت في تفجير الوضع. ووفق مصادر ميدانية، بدأت الاشتباكات بعد تعرض سائق درزي لاعتداء في منطقة خربة الشايب، وسرقة سيارته ومبلغ مالي. وتطور الأمر لاحقا إلى مواجهات مسلحة شرقي السويداء، حيث حاول مسلحون دروز تحرير رهائن من أبناء طائفتهم، مما أدى إلى اشتباك مع مسلحين بدو يحتجزونهم.
الحصيلة الدامية: أكثر من 30 قتيلا ومئة جريح
أعلنت السلطات السورية أن الاشتباكات أودت بحياة أكثر من 30 شخصا، وخلفت نحو 100 جريح، معظمهم من المسلحين، إلى جانب بعض المدنيين. كما سقط ستة جنود من الجيش السوري أثناء محاولتهم فض الاشتباك، بحسب بيان وزارة الدفاع السورية.
رد رسمي وتحرك أمني واسع
أكدت وزارة الدفاع السورية أنها باشرت بنشر وحدات عسكرية متخصصة في المناطق المتأثرة، لتأمين ممرات للمدنيين وفك الاشتباكات. من جهته، شدد وزير الداخلية على ضرورة إعادة تفعيل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية في المنطقة لضمان السلم الأهلي. فيما دعا محافظ السويداء إلى ضبط النفس وتغليب الحوار.
ماض من العنف واتفاقات هشة
سبق للسويداء أن شهدت أحداثا مشابهة خلال الأشهر الماضية، إذ وقعت اشتباكات عنيفة بين مقاتلين دروز وقوات أمن قرب دمشق في نيسان، أسفرت عن مقتل 119 شخصا، وقد أبرمت لاحقا اتفاقات تهدئة بين ممثلي السلطة والفصائل الدرزية، سمحت بتولي دروز محليين مسؤولية الأمن داخل المحافظة، فيما ظل ريفها خارج السيطرة الرسمية، مما مهد لعودة التوتر.
وقال المحامي عاصم الزعبي، مسؤول قسم التوثيق في "تجمع أحرار حوران"، إن الاشتباكات التي تشهدها محافظة السويداء تعود إلى "خلافات قديمة متراكمة" بين المجموعات المسلحة، لكنها تطورت هذه المرة إلى "حرب حقيقية" أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وإحراق منازل في مناطق التوتر.
وأوضح الزعبي، في تصريحات صحفية، أن قوات من الجيش السوري تدخلت لمحاولة فض الاشتباكات، لكن مجموعات مسلحة موالية للشيخ حكمت الهجري هاجمت هذه القوات، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود وأسر آخرين. وأضاف أن الهجري طالب بتدخل دولي، غير أن "الواضح أن هناك قرارا خارجيا لحسم الوضع في السويداء خلال اليومين القادمين".
كما أشار إلى تحليق طائرات إسرائيلية فوق المنطقة، مستبعدا وجود نية حقيقية للتدخل، واصفا التحرك بأنه "لذر الرماد في العيون"، ورأى أن "مشروع حكمت الهجري في طريقه إلى الانهيار".
من جانبها، قالت الناشطة ميساء العبدالله، المقيمة في السويداء، إن محاولات عديدة جرت لمنع التصعيد، لكنها لم تفلح، وأوضحت أن شرارة الأحداث انطلقت بعد توقيف أحد سائقي سيارات الخضار من قبل مسلحين بدو على طريق السويداء–دمشق، حيث تم الاعتداء عليه وسلبه. وردا على ذلك، أقدم أقارب السائق على خطف عدد من المدنيين من أبناء العشائر، ما تسبب بسلسلة من عمليات الخطف المتبادل، وانتهى الأمر باشتباكات عنيفة، تركزت مساء أمس في حي المقوس، الذي يقطنه خليط من الدروز والبدو.
وأشارت العبدالله إلى أن جهود التهدئة لم تجد نفعا، حيث تجددت الاشتباكات فجر اليوم بوتيرة أعنف، خاصة في الريف الغربي، رغم وصول قوات تابعة للأمن العام التي نفذت بعض الاعتقالات. ووصفت الوضع الراهن في السويداء بأنه "حالة دفاع عن النفس"، مشيرة إلى أن غالبية الضحايا من الشباب المعارضين للنظام السوري.
كما لفتت إلى ضعف النظام الصحي في السويداء، حيث لا يوجد سوى مستشفى وطني رئيسي واحد، بينما تفتقر بقية المستشفيات إلى المعدات والكوادر اللازمة. وأعربت عن قلق واسع لدى السكان من تكرار سيناريو الساحل السوري، في ظل حالة من الغموض بشأن الجهات التي تقف وراء الانتهاكات بحق المدنيين.
موقف الطائفة الدرزية: تحذير من الفتنة
استنكرت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في سوريا التصعيد الأخير، ودعت إلى ضبط الأمن، محذرة من الانجرار إلى الفتنة، ويقدر عدد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف نسمة، يعيش معظمهم في محافظة السويداء، التي تعد مركز ثقلهم الأساسي في البلاد.
مخاوف أمنية واستراتيجية أوسع
السويداء منطقة استراتيجية تقع على مقربة من الحدود الأردنية وعلى بعد نحو 100 كيلومتر فقط من دمشق. ومع انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، تتصاعد المخاوف من فراغ أمني قد تستغله جماعات مسلحة أو شبكات تهريب. ويهدد استمرار الفوضى بإضعاف جهود الحكومة لتحقيق مصالحة وطنية شاملة، ما قد يطيل أمد الأزمة السورية برمتها.
اقرأ المزيد.. حرائق سوريا مستعرة منذ أسبوع