هيومن رايتس: "اسرائيل" تطبّق الفصل العنصري ضد الفلسطينيين

الصورة
جنود الاحتلال يعتقلون  الطفل الفلسطيني فوزي الجنيدي 2017
جنود الاحتلال يعتقلون الطفل الفلسطيني فوزي الجنيدي 2017

اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش (الثلاثاء)  "إسرائيل" بارتكاب "جريمتين ضد الإنسانية" عبر اتباعها سياسة "الفصل العنصري" و"الاضطهاد"  بحق عرب "اسرائيل" والفلسطينيين،  وذلك وفق ما جاء في تقرير  المنظمة 

وحددت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان ومقرها نيويورك "الخطوط العريضة" للاتهامات في تقرير من 187 صفحة استناداً إلى مصادر مختلفة بما في ذلك "وثائق التخطيط الحكومية".

وقالت  المنظمة إنها استندت في نتائجها " إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين و الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".

و لفت تقرير هيومن رايتس إلى أن هناك "سلطة واحدة، وهي سلطة الحكومة الإسرائيلية، تحكم بشكل أساسي المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريبًا، وتمنح امتيازًا ممنهجًا لليهود الإسرائيليين بينما تقوم بقمع الفلسطينيين، ويمارَس هذا القمع بشكله الأشدّ في الأراضي المحتلة".

وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ في هيومن رايتس ووتش: "حذّرتْ أصوات بارزة طوال سنوات من أن الفصل العنصري سيكون وشيكا إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين. تُظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية أحدثت هذا الواقع وترتكب اليوم الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد"

وتستخدم منظمات إسرائيلية غير حكومية منذ بضعة أشهر عبارة "الفصل العنصري" لوصف السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية التي ضمتها وقطاع غزة المحاصر.

النتائج التي تبيّن الفصل العنصري والاضطهاد لا تُغيّر الوضع القانوني للأراضي المحتلة، المكونة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة، كما لا تغير واقع الاحتلال.

الفصل العنصري أضحى مصطلحا قانونيا عالمياً 

بعد أن كان مصطلح "أبارتهايد" أو الفصل العنصري قد صيغ في سياق متصل بجنوب أفريقيا، أصبح اليوم مصطلحا قانونيا عالميا. يشكل الحظر على التمييز المؤسسي و القمع الشديدين و الفصل العنصري مبدأ أساسيا في القانون الدولي. "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها" لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" لسنة 1998 (نظام روما الأساسي) يُعرِّفان الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:

  1. نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى.
  2. سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة.
  3. الأفعال اللاإنسانية.

الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد، كما يعرّفها نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، تتكون من الحرمان الشديد من الحقوق الأساسية لمجموعة عرقية، أو إثنية، أو غيرها بقصد تمييزي.

عناصر جريمتي التمييز العنصري و الاضطهاد تجتمع في فلسطين المحتلة 

وجدت هيومن رايتس ووتش أن عناصر الجريمتين تجتمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من سياسة حكومية إسرائيلية واحدة. تتمثل هذه السياسة في الإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل و الأراضي المحتلة. تقترن في الأراضي المحتلة بقمع ممنهج وأعمال لاإنسانية ضد الفلسطينيين القاطنين هناك.

بناء على سنوات من التوثيق الحقوقي، و دراسة الحالات، و مراجعة و ثائق التخطيط الحكومية، و تصريحات، و مصادر أخرى، قارنت هيومن رايتس ووتش السياسات و الممارسات تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة و "إسرائيل" بتلك المتعلقة باليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في نفس المناطق. راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة الإسرائيلية في يوليو/تموز 2020 طالبة منها عرض وجهة نظرها بشأن هذه القضايا، لكنها لم تتلق أي رد.

سلطات الإحتلال تسعى إلى زيادة الأراضي المتاحة للبلدات اليهودية

في مختلف أنحاء "إسرائيل" و الأراضي المحتلة، سعت السلطات الإسرائيلية إلى زيادة الأراضي المتاحة للبلدات اليهودية و تركيز معظم الفلسطينيين في مراكز سكانية مكتظة. تَبنّت السلطات سياسات للتخفيف مما وصفته علنا بأنه "تهديد" ديموغرافي من الفلسطينيين. في القدس، على سبيل المثال، تحدد خطة الحكومة للبلدية، بما يشمل الأجزاء الغربية و تلك المحتلة الشرقية من المدينة، هدف "الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة"، بل وتحدد النسب الديمغرافية التي تأمل في الحفاظ عليها.

التمييز الاسرائيلي المؤسسي ممنهج ضد الفلسطينيين

للإبقاء على الهيمنة، تميّز السلطات الإسرائيلية منهجيا ضد الفلسطينيين. التمييز المؤسسي الذي يواجهه الفلسطينيون في إسرائيل يشمل قوانين تسمح لمئات البلدات اليهودية الصغيرة فعليا باستبعاد الفلسطينيين، و وضع ميزانيات تخصص جزءا ضئيلا من الموارد للمدارس الفلسطينية مقارنة بتلك التي تخدم الأطفال اليهود الإسرائيليين. في الأراضي المحتلة، فإن شدة القمع ترقى إلى القمع الممنهج، و هو شرط ليتحقق الفصل العنصري. يشمل هذا القمع فرض حكم عسكري شديد القسوة على الفلسطينيين، مع منح الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون بشكل منفصل في نفس المنطقة حقوقهم الكاملة بموجب القانون المدني الإسرائيلي، الذي يحترم الحقوق.

 انتهاكات تشكل خرقا للحقوق الاساسية للفلسطينيين

ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين. العديد من الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة تشكل خرقا جسيما للحقوق الأساسية وأعمالا لاإنسانية هي شرط لتحقُّق الفصل العنصري. وتشمل هذه الانتهاكات:  القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة و نظام التصاريح؛ و مصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ و الظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين.  

العديد من الانتهاكات التي تشكل جوهر ارتكاب هذه الجرائم، مثل الرفض شبه القاطع لمنح الفلسطينيين تصاريح بناء ، وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح، و لا تستند إلى أي مبرر أمني. بعض الانتهاكات الأخرى، مثل قيام  "إسرائيل " فعليا بتجميد سجل السكان الذي تديره في الأراضي المحتلة، تستخدم الأمن ذريعةً لتحقيق مآرب ديموغرافية أخرى، وتمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي تعيش هناك بشكل شبه تام وتمنع سكان غزة من العيش في الضفة الغربية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى عندما يشكل الأمن جزءا من الدافع، فإنه لا يبرر الفصل العنصري والاضطهاد، تماما كما لا يبرر القوة المفرطة أو التعذيب.

قال روث: "حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، دون مبرر أمني مشروع وفقط لكونهم فلسطينيين وليس يهودا، ليس مجرد مسألة احتلال تعسفي. هذه السياسات التي تمنح اليهود الإسرائيليين نفس الحقوق و الامتيازات أينما كانوا يعيشون، و تُميّز ضد الفلسطينيين بدرجات متفاوتة أينما كانوا يعيشون، تعكس سياسة تمنح امتيازا لشعب على حساب الآخر".

 قانون يهودية الدولة

تصريحات السلطات الإسرائيلية و إجراءاتها في السنوات الأخيرة أوضحت نيتها الإبقاء على هيمنة اليهود الإسرائيليين. شمل ذلك سن قانون له مكانة دستورية عام 2018 ينص على أن إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، و مجموعة القوانين المتنامية التي تمنح المزيد من الامتيازات للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ولا تسري على الفلسطينيين الذين يعيشون في نفس المنطقة، والتوسع الهائل في المستوطنات في السنوات الأخيرة والبنية التحتية المصاحبة لها التي تربطهم بإسرائيل. احتمالُ أن يعقد زعيم إسرائيلي مستقبلي يوما ما صفقة مع الفلسطينيين تفكك النظام التمييزي لا ينفي هذا الواقع اليوم.

 مطالبات  بالتحقيق مع الضالعين في ارتكاب الجرائم 

على السلطات الإسرائيلية إنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازا لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي و الموارد، و الحصول على المياه و الكهرباء و غيرها من الخدمات، و منح تصاريح البناء.

على مكتب الادعاء في "المحكمة الجنائية الدولية" التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري و الاضطهاد و مقاضاتهم. على الدول الأخرى أن تفعل ذلك أيضا وفقا لقوانينها المحلية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأن تفرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هاتين الجريمتين، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.

النتائج التي تخلص إلى وجود جرائم ضد الإنسانية يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم طبيعة عمله في "إسرائيل" و فلسطين و اعتماد نهج يركز على حقوق الإنسان والمساءلة بدل أن يقتصر على "عملية السلام" المتوقفة. على الدول تشكيل لجنة تحقيق تابعة لـ "الأمم المتحدة" للتحقيق في التمييز والقمع الممنهجين في إسرائيل وفلسطين، واستحداث منصب مبعوث عالمي تابع للأمم المتحدة لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري، مع تفويض لحشد الإجراءات الدولية لإنهاء هاتين الجريمتين في جميع أنحاء العالم.

على الدول أن تفرض شروطا تربط بيع الأسلحة و المساعدات العسكرية والأمنية  "لإسرائيل" باتخاذ السلطات الإسرائيلية خطوات ملموسة ويمكن التحقق منها باتجاه إنهاء ارتكابها هاتين الجريمتين. على الدول فحص الاتفاقات، وخطط التعاون، وجميع أشكال التجارة والتعامل مع إسرائيل للتدقيق في المساهمين المباشرين في ارتكاب الجرائم، والتخفيف من تأثير هذه الأنشطة على حقوق الإنسان، وحيثما لا يكون ذلك ممكنا، عليها إنهاء أشكال الأنشطة والتمويل التي يتبيّن أنها تسهّل هذه الجرائم الخطيرة.

قال روث:  "بينما يتعامل معظم العالم مع الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نصف قرن على أنه حالة مؤقتة ستحلها قريبا "عملية سلام" التي استغرقت عقودا، وصل اضطهاد الفلسطينيين هناك إلى حد واستمرارية يتوافقان مع تعريفات جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد. على أولئك الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، سواء كان الحل في دولة واحدة أو دولتين أو كونفدرالية، أن يعترفوا في هذه الأثناء بهذا الواقع على حقيقته ويستخدموا أدوات حقوق الإنسان اللازمة لإنهائه".

ويدعم التقرير استنتاجات مماثلة من قبل جماعات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ويأتي في وقت أعلنت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في "جرائم حرب" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

ردود فعل على التقرير 

وفي ردّها على التقرير، أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية  أنه "منشور دعائي" لا يمت بصلة إلى "الوقائع أو الحقيقة على الأرض"، صادر عن منظمة تعتمد "منذ وقت طويل أجندة معادية لإسرائيل".

بدورها، رحّبت الرئاسة الفلسطينية بتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، واصفة إياه "بالشهادة الدولية القوية والحقّة" على نضال ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ودعا المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة جميع الأطراف الدولية إلى مراجعة هذا التقرير بعناية والنظر في توصياته، وتذكير الدول بالتزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، مشددا على ضرورة تدخل المجتمع الدولي للجم خروقات إسرائيل.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه "يضاف هذا التقرير لتقارير وآراء قانونية سابقة، تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بواجباته"، داعيا إلى "محاسبة إسرائيل على جرائمها، وفي مقدمها جرائم الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري والاضطهاد، التي تم تشريعها في صلب قوانين إسرائيل وسياساتها".

وتابع "لم يعد الاكتفاء بالشجب والإدانة من قبل العالم مقبولا"، مؤكدا على ضرورة أن تراجع الدول المختلفة علاقاتها واتفاقياتها مع إسرائيل.

وتنفي " إسرائيل" أنها ترتكب جريمة الفصل العنصري أو غيرها من الجرائم ضد الإنسانية.

- تجاوز العتبة -

احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية منذ عام 1967، وهو نفس العام الذي ضمت فيه القدس الشرقية. منذ ذلك الحين، سيطر المستوطنون اليهود في كلا المنطقتين على مساحات متزايدة من الأراضي. ويُحرم الفلسطينيون في القدس الشرقية وفي معظم أنحاء الضفة الغربية بشكل منتظم من تصاريح البناء، في حين أن بناء المنازل اليهودية يزداد بشكل ثابت.

ويحتفظ  الاحتلال بالسيطرة العسكرية على 4,7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة، وتتهم هيومن رايتس ووتش "إسرائيل" بتقييد حركتهم ومنع منحهم تصاريح بناء ومصادرة الأراضي والحرمان من حقوق الإقامة.

وتوضح أنه تم تخطي هذه المرحلة في السنوات الأخيرة مع توسيع المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة وفي الضفة الغربية حيث وصل عدد المستوطنين إلى حوالى 700 ألف مشيرة  إلى أن المستوطنات التي كان يفترض أن تكون "مؤقتة" باتت "دائمة" في ظل عدم التوصل إلى اتفاق سلام يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شخصيات ذكرت في هذا المقال
00:00:00