نقلت مؤسسة الخط الحجازي الحديدي الأردني اليوم الخميس قاطرة بخارية إلى قصر الملك المؤسس في مدينة معان، بهدف تسيير القطار في تلك المنطقة من
الشاليهات في القرى، ترويح عن النفس أم إيذاء للغير؟
ماذا يعني أن تقضي ليلة أو أكثر في شاليه أو مزرعة للتأجير في إحدى المناطق الريفية في الأردن؟ بالنسبة لمعظمنا هي خروج من ضوضاء المدينة وازدحامها إلى هدوء القرية ووداعتها والاستمتاع بالهواء النقي والطبيعة الجميلة.
لكن، من المستفيد حقا من هذه المزارع، ومن الذي يدفع ثمن هذا الاستمتاع، وهل ستساهم هذه المزارع و الشاليهات في زيادة هجرة شباب القرى إلى المدينة؟
خروج من المدينة أم خروج على القيم والأعراف
يستنكر الكثير من أهالي القرى الذين تنتشر الشاليهات على أراضيهم سلوك مجموعات من الشباب القادم من "المدينة"، فهم يقضون ليال صاخبة وقد تكون مجموعات مختلطة يثير سلوكهم ولباسهم غير المنضبط حفيظة أهل القرية.
يقول أبو مصطفى، وهو من سكان قرية من قرى جرش، "عدم المؤاخذة ولاد عمان بيجوا عنا وما بيحترموا الأخلاق"ما يجعل الأهالي قلقين من تأثر أبنائهم بهذا السلوك، كما تشكل الضوضاء والأغاني الصاخبة طوال الليل إزعاجا وإقلاقا للراحة العامة للسكان، ويعاني أبناء هذه القرى ممن يجلسون في هذه اللحظات على مقاعد امتحانات الثانوية العامة من هذه الضوضاء التي تمنعهم من التركيز في الدراسة، بحسب أبو مصطفى.
أبو أحمد يقطن في قرية الصبيحي في السلط بالقرب من إحدى تلك المزارع، ويرى كذلك بأنها تقلق الراحة العامة بسبب الإزعاج الذي يتسبب به بعض المستأجرين والذي قد يستمر حتى ساعات متأخرة من الليل.
ويتفق جاره أبو علي مع ذلك، مضيفًا أن الأمر تعدى الأصوات العالية ليصل إلى انتهاك حرمة المنازل المجاورة لتلك المزارع، التي تكون عادة مرتفعة ومطلة على المنازل المجاورة كاشفة لها؛ ما يحرم العائلات من حقهم بالخصوصية التي لا يمكن لجيرانهم اختراقها احتراما لحق الجيرة، أما هؤلاء الطارئين على قريتهم فلا يراعون هذه الخصوصية في كثير من الأحيان.
مالكو المزارع في الغالب من خارج القرية، جذبهم جمال طبيعتها لكنهم تعاملوا معها كاستثمار عقاري بحت وكأنه في فراغ ثقافي وقيمي ويبدو أنهم لم يدركوا تأثير هذا الاستثمار على النواحي الاجتماعية لأهل القرى. أحد مالكي تلك المزارع، قال لـ حسنى أنه لم يكن يعلم أن تصرفات بعض الزبائن الذين يرتادون مزرعته قد تكون مسيئة و أن أحدًا من الأهالي لم يبلغه عن أي تجاوزات.
بينما أكدت بسنت، إحدى زائرات شاليه في الصبيحي، أنها وعائلتها يحاولون قدر الإمكان احترام المجتمع المحلي في هذه المنطقة ويتجنبون إزعاجه و يراعون خصوصية القرية.
الشاليهات فرصة اقتصادية لبعض العائلات
أما بعض الأهالي فقد رأوا في زبائن الشاليهات والمزارع فرصة اقتصادية، فبنوا المقاهي والمطاعم الصغيرة لتقديم الخدمات السياحية لهم.
ومرة أخرى تشكل هذه المقاهي إزعاجا للبعض، فرائحة "الأراجيل" المنبعثة من أحد المقاهي الذي افتُتِح بالقرب من منزل أبو جلال، هي محل شكواه، إضافة إلى بعض التصرفات "الغريبة"، كما يقول، والتي تصدر عن بعض مرتاديها.
أبو جلال قال لـ حسنى أنه يخجل بحكم "الجيرة" من أن يتقدم بشكوى للجهات المسؤولة عن جيرانه، كما أنه لا يرغب أن يتسبب بقطع أرزاقهم، لكنه لم يخف غضبه واستياءه من الثقافة الدخيلة التي تسببت بها هذه المنشآت قائلا "الحق على اللي ببيعوا أراضيهم لمين ما كان، بس بدهم يركبوا سيارات".
أحد وجهاء الصبيحي يرى أنه رغم السلبيات إلا أن وجود هذه الاستثمارات في المنطقة زاد من تنوعها الثقافي وأسهم في اتصال أهاليها بأبناء المناطق الأخرى، ورفع مستوى مهارات التواصل لدى أبناء المجتمع المحلي، وزاد على ذلك بأن علاقات مصاهرة جديدة نشأت بين الزوار وأهل المنطقة.
هل تنشط المنطقة اقتصاديا بسبب المزارع؟
يبدو أن من باع أرضه لحساب الشاليهات قد قبض ثمنا أعانه على متطلبات الحياة، ومن أقام اقتصادات صغيرة على هامش المزارع كالمقاهي والمطاعم قد نال مردودا ماليا جيدا، كما امتدت الفائدة لتعم أصحاب المحال التجارية الصغيرة كالدكاكين والبقالات.
يرى أبو نذير، وهو أحد تجار منطقة الصبيحي، أن المزارع ساهمت بتنشيط الحركة التجارية في السوق المحلي بشكل ملحوظ خصوصًا في فترات العطل، عازيًا ذلك إلى استئجار المتنزهين من خارج القرية، ما يعني وجود زبائن جدد يبتاعون مستلزماتهم من سوق المنطقة.
ويرى بعض الأهالي أن الأمر ليس شرا كله، فبالنسبة لهم وفرت هذه المزارع والمقاهي فرص عمل لأبناء المنطقة خاصةً في المقاهي: كمُعدي المشروبات والمأكولات وأعمال الخدمة.
في حين أشار بعضهم إلى أن المزارع لم تسهم بتوفير فرص عمل لأبناء المنطقة بشكل كبير؛ كونها تحتاج موظفًا واحدًا فقط يعمل كحارس للمزرعة ويعتني بمرافقها، وعادة ما يكون هذا الحارس من العمال الوافدين حيث أن طبيعة العمل تستلزم السكن داخل حدود المزرعة والبقاء فيها بشكل دائم، وهذا ما لا يستطيع أبناء المنطقة الالتزام به.
هل سيجد الجيل القادم موطئ قدم في قريته؟
"الملّاك مبسوط واللي ما يملك زعلان"، هذا رأي سمسار العقارات علي الجزازي عندما سألناه عن رأي أهل قرى جرش في بيع أراضيهم.
حيث يقلق بعض أهالي القرى ذوي الملكيات الصغيرة من ارتفاع أسعار الأراضي في قراهم ما سيجعل أبناءهم غير قادرين على شراء أرض وتعمير بيت للسكن في مسقط رأسهم.
أحمد، شاب من الصبيحي، يقول أن والده لا يملك إلا الأرض الصغيرة التي أقام عليها بيته، ولا يعرف أحمد كيف سيتمكن عند زواجه من شراء أرض وبناء بيت في ظل الارتفاع الكبير لسعر الأرض في قريته، كما يتوقع أحمد أن يضطر للسكن في شقة كأهل المدينة، حينها قد تكون عمان مكانا أفضل بالنسبة له كما يقول.
ورغم قلق أصحاب الملكيات الصغيرة على تسرب أراضي قريتهم لحساب مصطافي عمان، إلا أنهم يقرون أن شاليهات المصايف قد ساهمت في تحسين البنية التحتية والشوارع والخدمات بفضل نفوذ أصحاب الشاليهات كما يقول الجزازي.
أما أبو محمد فيرى أن تحسينات الشوارع لا تخدم إلا من تصل إليهم الطريق، بينما باقي شوارع القرية المتواضعة أنهكها كثرة مرور مركبات الزائرين، فهذه الطرق الزراعية غير مهيأة لاستقبال هذا العدد من المركبات، بحسب أبو محمد.
ورغم تأكيد وزارة السياحة لـ حسنى بأن لجنة مختصة مكونة من عدة وزارات وبلديات وجهات أخرى تعمل على صياغة نظام ترخيص محدد وواضح المعالم لاعتماده مستقبلا في ترخيص مثل هذه الاستثمارات، إلا أنه لا يبدو أن عمل اللجنة مرتبط بالانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لأهالي القرى المعنيين.
إقرأ أيضا..تنظيم برك سباحة المزارع حماية أرواح أم مورد ضريبي