التربية الإعلامية نافذة لسماع صوت الطلبة في المدارس
يبدو أن التأثير السياسي والاجتماعي والثقافي لوسائل الإعلام على الناس، دفع الحكومات للاتجاه نحو تدريس التربية الإعلامية في المدارس، لتحديد البوصلة التي يريدونها، في وقت يصعب فيه السيطرة على هذه الوسائل، وبالذات مواقع التواصل الاجتماعي التي يتسع مداها وتأثيرها دون أن تمنح الإنسان مساحة بسيطة للفراغ.
ودفع التوسع في انتشار وسائل التواصل والتداخل في المفاهيم والقيم الإعلامية، البعض ممن يدعون قدرتهم على التحكم بتدفق المعلومات، إلى نشر أخبار كاذبة ومزيفة حتى أصبح المشهد الإعلامي قاتما وضبابيا، يشوه الواقع، ويزيد المخاطر المجتمعية وفي مختلف الاتجاهات، وظهرت مجموعة من المروجين لبعض الأفكار بصورة المسوق، الذي يروج لأفكار تتعلق بالعنف والكراهية وحرية المرأة أو العكس، وتقييد الفكر والاستبداد، ومفاهيم شبابية استهلاكية، وأفكار تشجع على العنصرية وحقوق المثليين، والنزاعات والصراعات المحلية والدولية، وقضايا متعددة.
مشروع التربية الإعلامية وسيلة للدفاع عن الأفكار وحماية المجتمع
جاء مشروع التربية الإعلامية الذي أقرته العديد من الدول ومنها الأردن، كوسيلة مهمة للدفاع عن الأفكار وحماية المجتمع من التهديدات التي تمسه وتضعفه، ويمكن أيضا أن يكون وسيلة جديدة لتعزيز مشاركة الأفراد في الحياة السياسية والثقافية، ووصول الشباب إلى المشاركة الإيجابية في الأحزاب والحياة العامة، والأهم أنه يمكن أن يكون منبرا لسماع صوت الطلبة في المدارس.
تدريس مادة التربية الإعلامية
تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة م. صخر دودين، حول تدريس مادة التربية الإعلامية كمادة أساسية في المدارس والجامعات، فتحت المجال أمام العديد من القطاعات والنخب الإعلامية إلى التساؤل عن الجهة التي ستتولى تدريس المادة ، والاختصاصات التي ستنفذ عملية التدريس.
نقابة الصحفيين الأردنيين طالبت في بيان لها بحصر تدريس مادة "التربية الإعلامية" بخريجي كليات الإعلام لطلبة مدارس المملكة، وخاصة مع ارتفاع أعداد الخريجين، الذين يمكن الاستفادة منهم في مجالات التدريب وورش العمل التي تعقد للمعلمين إلى جانب إعطاء حصص في المدارس.
ودعت نقابة الصحفيين في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بشر الخصاونة، و تعظيما للفائدة وتحقيقا للأهداف حصر تدريس مادة التربية الإعلامية بخريجي الصحافة والإعلام، وذلك في ضوء التطورات التي حصلت في المشهد الإعلامي، مؤكدة أيضا استعدادها للمساهمة في الجهود التدريبية لهذه المادة.
خريجو الإعلام يتولون زمام المبادرة
ويأمل الخريجون أن يكون لهم الدور الأكبر في عملية التدريس مع ازدياد أعدادهم، وخاصة أنهم يسعون ليكون لهم إطار تنظيمي من خلال تأسيس جمعية لخريجي الصحافة، تتبوأ زمام المبادرة في الدفاع عن الخريجين وتحقيق مكتسباتهم، في وقت يتوسع فيه الفضاء الإعلامي ويزداد انتشارا، الأمر الذي يحتم أن يقوم الخريجون بتقديم هذه المادة في المدارس، وهم الأقدر على تقديمها كونهم يثيرون النقد والتفاعل و التفكير النقدي.
مفهوم التربية الإعلامية
تُعرف اليونسكو، التربية الإعلامية على أنها مجال يحظى بالأولوية في التنمية الثقافية التربوية في القرن الحادي والعشرين، بحيث يمكن الشباب من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام والتواصل والطريقة التي تعمل بها، وتضمن التعرف على مصادر المعلومات، وأهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتحليلها وفهم وتفسير الرسائل، بحيث يكون للأفراد القدرة على اختيار وسيلة الإعلام المناسبة.
الكثير من الدول أدركت أهمية التربية الإعلامية، وبادرت إلى إقرارها في العملية التعليمية، وقد بدأت المدارس في ألمانيا ممارسة تعليمها الإعلامي من خلال دمجها في المناهج الدراسية المطلوبة، حيث يتم تدريس ثقافة الإعلام في غالبية الجامعات الألمانية، وهناك دول أخرى لديها تعليم إعلامي متطور مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة، وامتد تدريس موضوع التربية الإعلامية إلى دول أوروبا الشرقية، لتصبح المجر أول دولة أوروبية تقدم دورات تعليمية إعلامية إلزامية في المدارس الثانوية.
وفي العالم العربي ما يزال تدريس التـربية الإعلاميـة في المدارس بعيدا عن الحصص الدراسية المقررة، ولم يوضع على الخريطة التعليمية، ولأن الموضوع أصبح يتسع تأثيره، دعت جامعة الدول العربية ومن خلال المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب، في اجتماع عقد بداية هذا العام على المنصة الافتراضية، الدول العربية إلى اعتماد التربية الإعلامية في المناهج التدريسية، علما بأن الأردن بدأ بتنفيذ المشروع العام الماضي من خلال إعطاء دورات تدريبية للمعلمين.
وكانت وزارة الثقافة أطلقت العام الماضي بالتعاون مع مكتب اليونسكو في عمان خطة وطنية للتربية الإعلامية والمعلوماتية تمتد ما بين الأعوام 2020- 2023، تقوم على نشر مفاهيم ومهارات التربية الإعلامية والمعلوماتية ترتكز على عدة مجالات وهي إدماج التربية الإعلامية في النظام التعليمي في المدارس، ومن ثم في التعليم الجامعات، ومراكز الشباب والهيئات الثقافية، للوصول إلى مؤسسات المجتمع المدني.
ماذا يتعلم الطلبة من حصة التربية الإعلامية؟
في الدول الأوروبية التي اعتمدت التربية الإعلامية، يتعلم الطلبة مفاهيم إعلامية، ومواضيع عن الوسائط الرقمية، والثقافة الشعبية، والإبداع، والابتكار، ويستخدم المعلمون أو مدرسو التربية الإعلامية النصوص الإعلامية والأفلام والوسائل المساندة، بحيث ترتبط النظرية بالممارسة ؛ لإحداث التفاعل مع الطلاب بشكل نقدي، بحيث يصل الطلبة إلى إنتاج محتوى إعلامي بمضمون إيجابي ومفيد للأفراد والمجتمع.
فوائد التربية الإعلامية
مجالات الفائدة للطلبة من مشروع التربية الإعلامية متعددة، في حال توفير الموارد المرتبطة بالتعليم والتي تعزز مهارات الطلبة على التفاعل فيما بينهم وبين معلميهم والمجتمع المحلي وصناع القرار، وتشجيعهم على الابتكار والإبداع، وإغناء للتنوع والحوار إذ يمكنهم إنشاء مجلات إلكترونية في كل مدرسة توظف مهارات الطلبة في كتابة المقالات والقصص والاقتراحات والأبحاث والدراسات والبرامج التعليمية والأفلام والرسائل الإلكترونية.
إذن يمكن أن تكون نافذة ومنصة تعليمية وتثقيفية للطلبة لبناء قدراتهم الإعلامية وتقديم إبداعاتهم ومواجهة التضليل والأخبار الكاذبة على الإنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي، وتجنب عمليات الخداع والتلاعب التي يمكن أن يتعرض لها الشباب.