استفاق قطاع غزة اليوم على وقع مجزرتين مروعتين ارتكبتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي، أسفرتا عن استشهاد 88 فلسطينيا، بينهم أطفال ونساء، وإصابة
ماذا ينتظر غزة بعد الهدنة.. وهل ستؤسس إلى وقف دائم للعدوان؟
يترقب العالم دخول الهدنة الإنسانية بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس حيز التنفيذ خلال الـ24 ساعة المقبلة، حيث ستبقى القوات الإسرائيلية في مواقعها، وستدخل المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
الهدنة التي ستمتد لـ 4 أيام، ستجبر دولة الاحتلال على إيقاف سفك الدماء وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين للمرة الأولى منذ 47 يوما على بدء العدوان على قطاع غزة.
هل تمهد الهدنة الإنسانية إلى وقف شامل للعدوان؟
وفي ظل الحديث عن ما إذا كان اتفاق الهدنة الإنسانية سيفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من شمالي قطاع غزة في مرحلة لاحقة وسط شكوك حول التزام الكيان بتنفيذ بنود الاتفاق دون خرق خصوصا أن حركة حماس قالت في بيان صحفي إن بنود الاتفاق صيغت وفقا لمحددات المقاومة ورؤيتها.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان قال لـ حسنى إنه لا يتوقع أن ينتج عن الهدنة الإنسانية الحالية أي أمر سياسي؛ بحكم أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على الهدنة على مضض، ونتيجة لضغوط الإدارة الأمريكية وضغوط أهالي الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى حركة حماس.
وأشار إلى أن خلافات شديدة حدثت داخل "إسرائيل" حول قبول الهدنة أو رفضها، إذ إن التيارات اليمينية والمؤسسة العسكرية في "إسرائيل" أبدت موقفا متشددا تجاه إتمام الصفقة؛ على اعتبار أنها تمنح "حماس" فرصة لالتقاط أنفاسها وتتيح للمقاومة مسارا أكبر لتقييم ما حدث، كما ستريح الهدنة أهالي شمال قطاع غزة الذين عانوا المرارة الشديدة خلال الفترة الماضية.
وتابع أبو رمان حديثه عن تبعات الهدنة:
"الهدنة ستكشف عن حجم كبير من المجازر والدمار الذي لم ترصده كاميرات وسائل الإعلام؛ بسبب صعوبة التنقل خلال الأيام الماضية نتيجة شدة القصف الإسرائيلي".
هدنة هشة
وأكد أبو رمان أن الهدنة التي تمت بجهود وساطة مشتركة بين قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية تعد هشة وحساسة وقد لا تستمر، مبينا أن بعض الشروط الموجودة في الهدنة تخضع لنقاشات كثيرة ما قد يتسبب بخرقها، ومن تلك الشروط عدم وجود تحركات عسكرية لجيش الاحتلال، والسماح بتنقل المدنيين شمالي القطاع دون اعتراضهم.
ويرى أبو رمان أن الإسرائيليين يسعون إلى إخراج الأطفال والنساء المأسورين لدى حماس؛ وذلك حتى يقل الضغط الغربي والأمريكي المفروض عليهم، نتيجة وجود أسرى يحملون جنسيات أمريكية أو جنسيات دول أوروبية.
وقال أبو رمان إن الإسرائيليين مصممون على استئناف العدوان على قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة؛ لأنهم لم يحققوا إنجازا يمكنهم تقديمه على الصعيدين الداخلي والخارجي، موضحا أن كل ما حققه جيش الاحتلال هو ارتكاب المجازر الدموية بحق المدنيين.
ويشمل الاتفاق تبادل 50 من الأسرى من النساء المدنيات والأطفال في قطاع غزة في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، على أن تزددا أعداد الأسرى الذين سيفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق.
اقرأ المزيد.. تعرف على آلية تنفيذ هدنة بين "حماس" والاحتلال برعاية قطرية
إلى ماذا تسعى "إسرائيل"؟
ويدعي كيان الاحتلال عبر قادته أن عدوانه على غزة جاء لتدمير المقاومة التي ألحقت به خسائر فادحة في السابع من تشرين الأول، إلا أن المعطيات الظاهرة أمام العالم تدل على وجود نية لدى المحتل لإعادة احتلال القطاع وتهجير سكانه قسرا نحو صحراء سيناء، وهو ما تؤكده تصريحات قادة مجلس الحرب الإسرائيلي وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو بأنهم لن يغادروا القطاع حتى يتأكدوا من أن من سيأتي بعدهم لن يشكل تهديدا لأمن "إسرائيل" حسب زعمه.
أستاذ العلوم السياسية محمد أبو رمان اعتبر في حديثه لـ حسنى أن جيش الاحتلال حريص بالحد الأدنى على فصل شمال القطاع عن جنوبه، وتفريغ مدينة غزة بشكل كامل من السكان استعدادا لتجريفها، إضافة إلى نقل الناس وتكديسهم جنوبي القطاع بهدف تطبيق جزء من سيناريو "التهجير" الذي لا يرى اليمين الإسرائيلي غيره.
ولفت أبو رمان الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية غير صادقة وتتلاعب بالرأي العام الداخلي والخارجي فيما يتعلق بتصريحاتها الرافضة لمشروع التهجير الإسرائيلي بحق سكان غزة.
وتكشف مراكز التفكير الأمريكية بشكل واضح عن وجود توافق أمريكي إسرائيلي يهدف إلى إنهاء "حماس" وبنيتها وتفكيكها.
الأشلاء المفقودة بين الركام.. هل ستوقف إجرام "إسرائيل"؟
ومن المحتمل أن تستطيع فرق الإنقاذ اكتشاف المزيد من مجازر الإبادة البشعة التي ارتكبها جيش العدو بحق الأبرياء خلال أيام الهدنة.
إذ يحتجز ركام المباني المدمرة أشلاء آلاف الشهداء، الذين بكت أسرهم على ضياع أثرهم، وعجزت عن حفر حجارة الأرض في سبيل الأمل لإنقاذهم، نتيجة غزارة الصواريخ الصهيونية الملقاة على رؤوسهم صباح مساء.
وقال أبو رمان لـ حسنى إن حجم الدمار والمجازر والإبادة والتصفية واضح للجميع، كما ستظهر المزيد من هذه المشاهد خلال أيام الهدنة، مما سيؤدي إلى زيادة التأثير في الرأي العام العالمي، وتحول مواقف بعض الدول الأوروبية.
وتابع أبو رمان عن توقعاته بعدم انتهاء الحرب:
"كل تلك المشاهد لا أعتقد أنها ستوقف الحرب؛ فموازين القوى في الداخل الأمريكي وسيطرة اليمين الصهيوني المتطرف على الحكم في "إسرائيل"، إضافة إلى وجود نفوذ هائل للمؤسسات الدينية الصهيونية والذي يصل إلى 40% من قيادات الجيش والضباط يدلل على أن الاحتلال لن يوقف حربه على غزة".
وأشار إلى أن الضغوط التي رصدت في الداخل المحتل لم تكن للمطالبة بوقف العدوان على غزة، إنما جاءت للمطالبة بإعادة الأسرى الموجودين لدى المقاومة، حيث لم يسجل منذ بدء العدوان سوى مسيرة واحدة تطالب بوقف "الحرب" نظمها اليسار الإسرائيلي قبل يومين وشاركت فيها أعداد محدودة.
وخلال أيام الهدنة، هناك 6 ساعات تلتزم فيها الطائرات الإسرائيلية بوقف تام لاختراق أجواء غزة عن طريق المسيرات لأغراض التجسس مع وقف إطلاق نار متواصل طيلة الأيام الأربعة، كما سيتيح الاحتلال لسكان قطاع غزة التحرك من شمالي القطاع إلى جنوبه عبر ممر آمن لمن يريد المغادرة، وهو شارع صلاح الدين.
لا عقبات تمنع "إسرائيل" من ارتكاب المجازر
وذكر أبو رمان أن هناك استسلاما أمميا وقبولا بشكل غير علني من قبل الدول الغربية وبعض الدول العربية بسيناريو ما بعد غزة، حيث بدأ الحديث عن هوية الجهة التي ستدير القطاع.
وقال أبو رمان إنه لغاية الآن لا يوجد ما يمنع حكومة بنيامين نتنياهو من تنفيذ المخطط الذي بدأت به، معتبرا أن نتنياهو لا يريد إنهاء تاريخه السياسي الممتد منذ سنوات بمشهد طوفان الأقصى بل يسعى إلى تحقيق إنجاز على الأرض.
وأضاف أبو رمان:
"المؤسسات الدينية الصهيونية التي تحكم إسرائيل تريد تحويل الكارثة التي وقعوا بها إلى فرصة، وطالما لا يوجد ضغط جوهري حقيقي من الدول العربية أو من الإدارة الأمريكية التي تتلاعب بالرأي العام سيظل نتنياهو طليقا في تنفيذ المجازر".
وبين أن الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي التاريخي يعتقد أنه لا بد من استعادة صورة "إسرائيل" وقوتها ونفوذها، وهذا لن يتم إلا بتحقيق شيء جوهري، مما يجعلهم يتعاملون مع المعركة بشكل صفري، ويرفضون حصول حماس على أي مكسب.
الضفة الغربية تقف على صفيح ساخن
وحذر أبو رمان من الهجوم المتواصل على الأردن ومواقفه من قبل الإسرائيليين، لافتا إلى الهجوم الذي شنته صحيفة "يديعوت أحرونوت" على وزير الخارجية أيمن الصفدي، والذي يأتي في سياق سهام الانتقادات التي توجهها تل أبيب لمواقف الأردن الرافضة للعدوان على غزة، داعيا إلى الانتباه لما يجري في الضفة الغربية التي تشهد تصاعدا لافتا في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في عموم مناطق الضفة والتي تسببت حتى اليوم بارتقاء أكثر من 200 شهيد منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
فضلا عن اعتداءات المستوطنين داخل الضفة الغربية التي ازدادت بشكل ملحوظ، وحملات الاعتقال التي طالت آلاف الفلسطينيين، حيث أشار أبو رمان إلى تعاظم قلق الشباب في الضفة الغربية وعدم اطمئنانهم للمستقبل، إضافة إلى تأكيدهم على وجود شعور عام بضعف السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على حماية أي أحد من الاحتلال.
اقرأ المزيد.. الاحتلال يستبيح مدن الضفة.. وشهداء في طولكرم وقلقيلية
أكد أبو رمان أن إرسال الأردن للمستشفيات الميدانية إلى الضفة الغربية مؤشر على إدراك المملكة لأهمية الضفة الغربية، حيث تغير مفهوم الأمن القومي الأردني المتعلق بالضفة الغربية.
وأشار إلى أن المملكة أعدت سيناريوهات لكافة الاحتمالات المتوقع حدوثها في الضفة الغربية، ووضعت خططا للتعامل معها.
لماذا لا تغير الأردن استراتيجيتها بعد طوفان الأقصى؟
ومنذ إطلاق المقاومة الفلسطينية لمعركة طوفان الأقصى جرى الحديث عن تغيرات في الإقليم على مستوى التحالفات السياسية، لا سيما في ظل الدعم الأمريكي العلني لمجازر الاحتلال ضد الفلسطينيين ومطالبة أطراف عدة من عمّان بضرورة الانفتاح على فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس على اعتبار أنها مكون رئيسي لا يمكن تخطيه بعد طوفان الأقصى والتي أصبحت رقما صعبا في المعادلة الفلسطينية.
أبو رمان قال لـ حسنى إنه ستكون هناك استدارات في الخطط بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، مبينا أن ما حدث خلال طوفان الأقصى وبعدها لم يأت بحقائق جديدة بالمعنى الكامل، إلا أنه أكد على بعض التحولات التي بدأت تحدث قبل ذلك، وعزز وكرس سياقات إقليمية جديدة.
وصرح أن المنطقة العربية لم تعد كما كانت سابقا، والتحالفات العربية ستتغير، كما أن أوزان القوى ستتغير.
وأكد أن الأردن لن يغير استراتيجيته وخارطة تحالفاته الدولية ولن ينتقل من مربعات إلى مربعات أخرى؛ لأن هذه المسألة مرتبطة بالجغرافية السياسية للمملكة، داعيا إلى إجراء مراجعة كاملة للحالة والجبهة الداخلية ورهانات الدولة وخياراتها، من قبل الإعلام والمثقفين والسياسيين.
اقرأ المزيد.. غزة تضع العلاقة الأردنية الإسرائيلية في دائرة المراجعة والكرة بملعب الحكومة