وادي الموجب ورحلة البحث عن حياة
يمضي رمضان ويأتي آخر وتبقى الشكوى تتكرر من ذات المعاناة لسكان منطقة وادي الموجب جنوب الأردن، فأطفال الموجب لا يزالون يشتكون من ذات المعاناة التي تضطرهم للسير مسافات طويلة في الخلاء عبر طرق وعرة للوصول إلى مدارسهم.
ولا تقتصر معاناتهم حسب قولهم على عدم توفر وسيلة نقل آمنة، بل تزداد بسوء التغذية التي يعانون منها لقلة ذات اليد، فطعامهم في معظم الأحيان الخبز فقط.
اطلعت حسنى عن قرب على معاناة سكان المنطقة، ومساهمة مؤسسات المجتمع المحلي بعمل تنمية مستدامة في المنطقة للتخفيف من معاناة أهلها، وذلك من خلال زيارة ميدانية بمرافقة جمعية مسار الخير ومبادرتها التي يشرف عليها الصحفي محمد القرالة.
"مسار الخير" تنشئ مخبزا ومطبخا إنتاجيا
أنشأت جمعية مسار الخير مخبزاً ومطبخاً إنتاجياً في قرية الموجب التابعة لمنطقة ذيبان في محافظة مأدبا، حيث سيخصص جزء من منتجاته لأطفال الموجب، ويقول القرالة أن "مسار الخير" تبذل وسعها في تأمينهم بشكل يومي بالطعام متأملاً دعم أهل الخير لهذا المشروع لضمان ديمومته في تأمين الطعام والمعجنات للأطفال في مدرسة الموجب.
وأوضح القرالة أن الجمعية تهدف من إنشاء هذه المطابخ الإنتاجية والمخابز إلى تفعيل دور المرأة الإنتاجي والمساهمة في التنمية المستدامة.
"مطل الموجب" والتنمية السياحية
يعرف طريق الموجب تاريخيا بالطريق الملوكي، حيث كان يربط قديماً بين المملكتين العمونية والمؤابية، إذ أنه يربط في الحاضر بين محافظتي مأدبا والكرك، كما يمتاز بإطلالته الساحرة التي يمكنك مناظرتها من على ما يعرف ببانوراما الموجب أو مطل الموجب.
حسب أهالي المنطقة، يمكن استثمار هذا المطل كمسارٍ سياحي يصلح للعديد من الفعاليات وبرامج التعايش التي تهدف للتعرف على عاداتنا وتراثنا والاستمتاع بانحناءات الطريق في أوقات الشروق والغروب. حيث يعمل عيسى الحمايدة في المطل على تقديم الخدمة لمئات السياح الذين يزورون المطل سنوياً وذلك من خلال تجهيز المطل بالمقاعد والمظلات ومقهى يقدم خدمة المشروبات الساخنة والباردة، ويساعده زميله في الموقع محمد الرواحنة الذي يعرض قطع الزينة والإكسسوارات، ويقول الحمايدة أن "المطل جاذب للسياح فلا يكاد يمر أحد عبر طريق الموجب إلا ويتوقف عنده للاستمتاع بالمنظر الساحر واستنشاق الهواء النقي"، ويضيف أن "استراحة المطل هي الاستراحة الوحيدة في المنطقة".
سكان منطقة وادي الموجب يناشدون الملك
يسكن على أطراف طريق وادي الموجب العديد من العائلات في خيام مصنوعة من قطع القماش "الخيش" والتي لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، فيضطرون للترحال صيفاً الى جبال الكرك ، ويعودون شتاء إلى مناطقهم في الموجب حيث الدفء نسبياً، مما ينعكس سلباً على استقرار عائلاتهم وتعليم أبنائهم.
تحدثنا في فريق حسنى مع بعض الطلاب وأهاليهم حيث ناشد أبو ظاهر - أحد سكان المنطقة - الملك عبد الله الثاني بتوفير سكن لهم في وادي الموجب قرب المدرسة في المنطقة ليتمكنوا من الاستقرار وعدم الترحال، وليجنبوا أطفالهم عناء المشي لمسافات طويلة وعبر طرق وعرة للوصول إلى مدارسهم.
وقال أبو ظاهر "حالي كحال معظم أهل الموجب، لدي ستة أطفال على مقاعد الدراسة، وسيلتحق بهم في العام القادم ثلاثة آخرين، وأعيل 23 نفراً منهم 17 شخصاً من أفراد أسرتي، ولا يصلني من وزارة التنمية سوى 110 دنانير، لا تكفي لإطعامهم الخبز فقط".
ويروي أبو ظاهر معاناة أبنائه في الالتحاق بالمدرسة حيث أضاف: "يضطر أبناؤنا للمشي مسافة 7 كم حتى يصلوا مدرستهم، وحتى السيارة المتهالكة التي تقل بعضهم ليست متوفرة كل يوم بسبب كثرة أعطالها وعدم توفر الديزل في كثير من الأحيان".
وأبدى أبو ظاهر انزعاجه من عدم توفر مدرسة ثانوية في وادي الموجب ، ذاكراً أن أربعة من أبنائه لم يكملوا تعليمهم لهذا السبب.
مديرية تربية لواء ذيبان تعد خطة علاجية
تواصلت حسنى مع الدكتور عاصم المومني، مدير تربية ذيبان، حيث بين أن المنطقة التي تقع فيها المدارس تنقسم بين محافظتي مأدبا والكرك، فالسد يتبع محافظة الكرك، بينما تتبع المدارس القريبة منه لواء ذيبان ما يؤدي إلى صعوبة في المخاطبات والمتابعات. حيث يأمل المومني من مديرية الأشغال أن تساعد في إنشاء طريق خاص من حول السد لتمكين الطلاب والمركبات من العبور دون اضطرارهم إلى سلوك الطرق الوعرة وذلك لضمان أمنهم وسلامتهم.
كما أضاف المومني أن معاناة التنقل لا تقتصر على الطلاب فقط، بل يعاني المعلمون أيضاً من صعوبة التنقل، حيث تغيب خدمة المواصلات العامة عن المنطقة تماما مما يضطر المعلمين إلى التشارك في سياراتهم الخاصة، أو استئجار مركبة لنقلهم مما يزيد من أعبائهم المادية. حيث بين المومني أن الوزارة قامت بمنح المعلمين علاوة |بدل صعوبة عمل" بالإضافة إلى "علاوة موقع عمل".
وتعهد المومني بمتابعة هذا الوضع، معللاً إقامة الطلاب على الطرف الآخر من السد والأبعد عن المدرسة باعتماد الأهالي على أبنائهم في العمل اليومي في المزارع التي تقع حول السد، موضحاً أن الطلاب في أغلبهم عملهم إنتاجي لمساعدة أسرهم، ويبدأ بعد انتهاء دوامهم المدرسي.
وفيما يخص ترحال الأهالي مع بداية الربيع وعودتهم في الشتاء فيما يسمى بـ "الشيلة"، وأثر ذلك على استقرار أبنائهم التعليمي، بين المومني أن التربية تتعاون مع الأهالي وتتحمل مسؤولياتها لضمان استمرار حصول الطلبة على حقهم في التعليم، وذلك من خلال تأمين نقلهم من مدرسة الموجب وقبولهم في أقرب مدرسة عليهم في المنطقة التي يرتحلون إليها، مؤكداً أن مديرية تربية ذيبان تبذل قصارى جهدها في تأمين تعليم آمن وملائم للطلبة.
ويشار أن في الموجب مدرستين أساسيتين، واحدة للذكور يبلغ عدد طلابها 112 طالباً وأخرى للإناث يبلغ عدد طالباتها 68 طالبة.
لماذا لا توجد مدارس ثانوية في وادي الموجب؟
أما بالنسبة لعدم توفر صفوف ثانوية في المدرستين، فبين المومني أن كلتاهما لا يتوفر فيهما صفوف للتعليم الثانوي، مما يضطر الطلاب لاستكمال تعليمهم إما في ذيبان أو في الكرك مما يضيف عبئا ماليا على الأهالي من جهة، ويتعارض مع عاداتهم وقناعاتهم بعدم إرسال الفتيات خارج منطقتهم للتعليم، فتحرم كل الطالبات ومعظم الطلاب من حقهم في استكمال تعليمهم الثانوي. حيث بين المومني أن هذا دفع بمديرية تربية ذيبان إلى مخاطبة الوزارة والتنسيق مع سلطة وادي الأردن لتأمين مبنى ثالث لغاية فتح مدرسة ثانوية تخدم الطلاب في المنطقة.
وأضاف المومني أن سلطة وادي الأردن تعاونت بتقديم مبنى وتم الكشف عليه وتبين حاجته للصيانة والتجهيز ليكون موافقاً لشروط السلامة العامة ومواصفات البيئة المدرسية الآمنة، والعمل جار على تجهيزه وتهيئته.
وكشف المومني لـ حسنى أن المبنى الجديد سيكون جاهزاً لاستقبال الطلاب من الصف الأول الثانوي الأدبي إعتباراً من العام الدراسي القادم 2023/2024 وسيستقبل الطلاب من الصف الثاني ثانوي في العام الذي يليه.
مضيفاً أن مديرية تربية ذيبان حريصة على تأمين المدرستين بمعلمات ومعلمين أصيلين إلا في حالة الاضطرار وعدم توفر التخصص، حيث تلجأ المديرية إلى التعيين على حساب التعليم الإضافي.
التعليم الجامعي والبطالة
لا تختلف منطقة وادي الموجب عن غيرها من المناطق النائية في الأردن، فأهلها يعانون من الفقر الشديد والبطالة، يحدثنا "أبو ظاهر" حول معانة أبنائهم فيقول بلغته العاميّة "ما نافعنا مسؤول، وما حد داري عنا، ولا كأننا في الأردن".
وأوضح "أن البطالة منتشرة بين صفوف الشباب وأتمنى لو يتاح لأبنائنا وظائف في القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، فأنا فقط لدي أربعة شباب بدون عمل أنفق عليهم حتى وهم متزوجين".
وعن التعليم الجامعي بين أبو ظاهر إن فرص إكمال الطلاب تعليمهم غير متكافئة، فهي حكر على المقتدر مادياً والمتمكن من إرسال ابنه لاستكمال تعليمه الثانوي في ذيبان أو في الكرك ومن ثم القدرة على تدريسه في الجامعة والانفاق عليه، ذاكراً أن فقط ثلاثة شبان من المنطقة كلها استطاعوا إكمال تعليهم الجامعي.
مدرسة الموجب تقوم بمسؤوليتها المجتمعية
على الرغم من الظروف الصعبة والمعاناة، استطاعت مدرسة الموجب تحقيق أبعد ما هو من إتمام المناهج الدراسية وتدوين العلامات، فتحملت مسؤولية مجتمعية اتجاه الطلاب وأهالي المنطقة، فبالتعاون مع مبادرة مسار الخير وبدعم من الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية ومجمع النقابات المهنية؛ تم عمل صالون حلاقة علاجي داخل المدرسة لا يقتصر على قص الشعر للطلاب بل يقوم بعلاجهم وتوفير مستلزمات العناية الصحية والنظافة العامة لهم، كمت يتطوع معلمو المدرسة من خلال مبادرتهم "حلاقة الخميس" بقص شعر طلابهم والعناية بنظافتهم ومتابعة علاجهم، وتأتي هذه المبادرة حلا لمشكلة عدم توفر الخدمة والرعاية الصحية في المنطقة.
ولأن خدمات الكهرباء والإنترنت ليست متوفرة في خيم الأهالي فتم استثمار هذا الصالون لنشر الوعي والثقافة من خلال تزويده بمكتبة وشاشة عرض وجهاز فيديو ولاقط وجهاز استقبال لمتابعة القنوات الفضائية.
ومهما كتبنا أو وصفنا لن تسعفنا فنون البلاغة والفصاحة في وصف الواقع المؤلم الذي يعيشه سكان وادي الموجب وما يعانيه طلاب مدرسة الموجب في كل يوم من أيام حياتهم، فالسمع ليس كرؤيا العين، ولتبقى إرادتهم تحفر في صخر المستحيل نقشاً مفاده أننا عازمون على اجتياز هذه الحياة بنجاح حتى لو كانت الرحلة شاقة وطويلة.