مقابلة الباحث عريب الرنتاوي حول شكل المنطقة بعد طوفان الأقصى | خاص لـ حسنى

الصورة
عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

الرنتاوي: "حماس" ليست نفقا أو بناية كي يتم تدميرها.. والملك هو الأقدر على تفنيد السردية الإسرائيلية

تسببت معركة طوفان الأقصى بإعادة أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، وفتح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والدعم الغربي له التساؤلات حول مصير المنطقة، ومستقبل "حماس" والمقاومة والأوراق التي يمكن أن تلعبها الدبلوماسية الأردنية. 

مقابلة الباحث عريب الرنتاوي لـ حسنى عن حماس ومعركة طوفان الأقصى

وفي مقابلة خاصة على حسنى، قال رئيس مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إن كل من يريد أن يكون له دور بالقضية الفلسطينية يجب أن يكون له ارتباط مع "حماس"، واعتبر أن الحديث عن نهاية الحرب الحالية ما يزال مبكرا، مؤكدا أن الملك هو الأقدر على تفنيد السردية الإسرائيلية بين الحكام العرب.

حسنى: الرئاسة الفلسطينية صرحت أن "حماس" لا تمثل الشعب الفلسطيني، إلا أنها عادت وقالت إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، اليوم الحرب على غزة تقوم بها حماس، هل تعتقد أن على العرب إعادة النظر بتصنيفاتهم السياسية، خصوصا بعد كلام محمد الضيف الذي كان مليئا بالسياسة؟

الرنتاوي: كل من يريد أن يكون له دور ما بالقضية الفلسطينية على الساحة الفلسطينية، وفي مسألة الصراع العربي الإسرائيلي؛ عليه أن يتعامل مع "حماس" وعليه أن يعيد النظر في موقفه من حماس وأن ينظر إلى هذه الحركة بوصفها جزءا من الحركة الوطنية الفلسطينية. 

ولا ينبغي قبول الدعاية الإسرائيلية الرامية إلى "دعشنة" حركة "حماس" ووضع الصراع معها في سياق الصراع العالمي ضد داعش والإرهاب المتغطي والمتدثر بالكابوس الإسلامي. 

صحيح أن "حماس" حركة إسلامية بمرجعية إسلامية، ولكنها في الأساس حركة وطنية تنظيمية لها برنامج محدد يتصل بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وليست معنية بأجندة الجهاد العالمي المتنقل من ساحة إلى ساحة ومن قارة إلى قارة، هي لم تكن كذلك من قبل وهي ليست الآن ولا أظنها ستكون كذلك من بعد، وهذا أولا.

ثانيا، فيما يتصل بتصريح الرئيس الفلسطيني، أعتقد أنه ومن حيث الشكل القانوني، فمنظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني باعتراف العالم ودول عربية وغير ذلك، لكن أين منظمة التحرير الفلسطينية؟ فقد أحالوا منظمة التحرير الفلسطينية إلى "غرفتين وصالة" في رام الله، هذا الجسم الذي كان يضم الفصائل والمنظمات الشعبية وكانت له قواعد وحضور وديناميكيات، جرى تدميره بشكل منهجي منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو، لتحل السلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها مكانه. 

الآن، تنظر أركان السلطة إلى تصاعد الدور الذي تقوم به "حماس" منذ سنوات، ويشعرون بكثير من القلق. للأسف العلاقة بين "حماس" والسلطة علاقة صفرية، بحيث: أنت تربح فأنا أخسر بالضرورة. فليس هناك معادلة رابح-رابح في العلاقة بين الطرفين، وإن هذا الانقسام بدد كثيرا من مكاسب المقاومة وأهمها في معركة سيف القدس. 

أخشى أن هذا الانقسام أيضا سيؤدي إلى تبديد مكاسب طوفان الأقصى لأن هناك خشية من أن تكون "حماس" هي العنوان، ليس عنوانا رئيسا، بل أن تكون هي العنوان للشعب الفلسطيني في قادم الأيام.

وعلى أية حال، السلطة لم تثبت جدارة ولم تثبت استحقاقا في معركة طوفان الأقصى لتحاول بشكل أو بآخر أن تلغي الآخرين. أن تثبت حضورها هذا أمر مفروغ، لكن أن تلغي حضور الآخرين هذا غير مفهوم وليس من حقها وهي غير قادرة عليه بشكل من الأشكال. 

لذلك، أعتقد أن تصريح الرئيس أبو مازن يندرج في سياقات عدة، أولا: الصراع الفلسطيني الداخلي، وثانيا: في سياق استمرار الرهانات على ما يمكن أن تحركه طوفان الأقصى من مشاريع سياسية في هذا المجال، حيث إن السلطة تنتظر قطف ثمار معركة طوفان الأقصى رغم أنها لم تدفع ثمنها حتى الآن، وهذه هي المعادلة التي تحرك المشهد الفلسطيني الداخلي. 

حسنى: بايدن يصرح والإسرائيليون يصرحون دائما أن حماس لا يمكن أن تكون شريك سلام؛ ويعتبرونها فصيلا مقاوما يريد اجتثاث إسرائيل.. لكن في ظل آخر خطاب لمحمد الضيف؛ هل يمكن أن تفتح نافذة جديدة لإعادة ترتيب أوراق منظمة التحرير الفلسطينية ووضع الشروط الفلسطينية موحدة على الطاولة؟

الرنتاوي: المسألة اليوم ليست في تصريحات محمد الضيف المهمة في هذا المعنى، فقد تبنت "حماس" وثيقة سياسية وهي تتقاطع إلى حد كبير مع وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية، ورأينا ذلك في حوارات القاهرة والدوحة وبيروت وغيرها من حوارات المصالحة.

وإن الشق السياسي في هذه الحوارات جرى التوافق عليه، وبالتالي لم تعد هناك مشكلة كبيرة. المشكلة في الحقيقة أن المجتمع الدولي لن يسمح لأبو مازن أن يكون هناك تشكيل لحكومة وحدة وطنية ما لم تعترف "حماس" بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، ونبذ العنف وإدانة الإرهاب، وغير ذلك من اشتراطات الرباعية الدولية. علما بأن إسرائيل تشكلت فيها حكومات خلال هذه الفترة لا ترفض فقط الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ولكن ترفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني نفسه وتتبنى خطابا عنصريا كاملا، ولم يسائل أحد نتنياهو عن الحكومات التي يشكلها، رغم أن هذه الحكومات لا تنسجم مع مرجعيات عملية السلام. 

بالمحصلة، هم يضغطون على أبو مازن، وأبو مازن يضغط على "حماس"، وأعتقد أن هذه هي النقطة الجوهرية في هذا المجال.

أنا لا أعتقد بأن الجانب السياسي يمكن أن يكون عقبة أمام إمكانية العودة إلى بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وأن الصراع في الحقيقة هو على قيادة الشعب الفلسطيني، حيث لا تريد "فتح" الاعتراف بأنها لم تعد العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية، وأن مرحلة وجود عمودين فقريين قد انتهت، وأننا نقارب مرحلة جديدة تصبح فيها "حماس" هي العمود الفقري للشعب الفلسطيني، وهذا في البعد الداخلي.

أما في البعدين الإقليمي والدولي، فهناك نفاق كثير، الولايات المتحدة تجلس مع طالبان وتبرم معها اتفاقا كاملا، وهي حركة سلفية جهادية سبق أن تبنت القاعدة وأسامة بن لادن تنفيذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك. 

الولايات المتحدة غفرت لهم ما فعلوه، ولكنها لا تغفر لحماس. لأن حماس أسالت دما يهوديا، كأن الدم اليهودي أغلى بكثير من الدم الأمريكي، حيث رأينا دموع "جون كيربي" على شاشة "سي إن إن" على المدنيين الإسرائيليين. هم "أبرياء" و"أطفال أبرياء" كما قال، لكننا لم نره يبكي على ثلاثة آلاف قتيل أمريكي في 11 سبتمبر، وهذا هو النفاق الغربي. هم مستعدون في الحقيقة للذهاب إلى أبعد مدى طالما تعلق الأمر بإسرائيل.

حسنى: برأيك، لماذا يدعم الغرب إسرائيل؟

الرنتاوي: هم استثمروا في هذا المشروع لأكثر من 100 عام، وهذا المشروع هو الذي يمهد للتحالفات الموالية في هذا الإقليم. نذكر "نيتو" شرق أوسطي، ونذكر محاولة إنشاء معسكر الاعتدال بوجود إسرائيل لمواجهة إيران ومحورها وجماعاتها وغير ذلك، ولولا إسرائيل لما كانت هذه المشاريع ترى النور للغرب.

وفجأة، وفي غضون ساعات، رأوا أن هذا المشروع ينهار وأن هذا الاستثمار يتبدد، لذلك فقدوا رشدهم! ورأينا هذا الانحياز المطلق المجنون، مع التبني للرواية الإسرائيلية دون أي دليل أو إثبات.

 فقط بمكالمة هاتفية من نتنياهو قال فيها: "يوجد 40 طفلا قطعت رؤوسهم"، ليخرج بايدن ويصف الفعل بالـ "بربري"، ومن ثم في اليوم التالي خرجوا ليتراجعوا عن الرواية، لكنهم لم يعتذروا للشعب الفلسطيني على واحدة من الإساءات الكبرى التي وجهها إليهم رئيس الدولة الأعظم. 

لذلك نعم، هذه الهستيريا والقلق لها علاقة بالصراع على الساحة الدولية بين الأقطاب الناشئة الجديدة كروسيا والصين، كما أن لها العلاقة في الصراع الإقليمي في مواجهة إيران وحلفائها والذي تلعب به إسرائيل دورا محوريا. وهذا هو استثمارهم الكبير المتراكم التاريخي، حيث إن إسرائيل والحركة الصهيونية وليدتا المشروع الأوروبي، إلا أن هذا المشروع احتُضن وتمت رعايته بالكامل في بداية الخمسنيات من قبل الولايات المتحدة، حيث يقال في لغة الأعمال هذا مشروع مشترك لأوروبا والولايات المتحدة، وهم لا يريدون انهياره، هذا ببساطة ما يفسر في ظني هذه الهستيريا بالتضامن مع إسرائيل. 

حسنى: حديثك يقودنا إلى سؤال، كيف يمكن للقادة العرب أن يتعاملوا مع الاستنفار العالمي والبوارج التي تحركت إلى المنطقة، لأنني أتخيل وجود حالة من الرعب للدول العربية مما يحدث، وكيف سيؤثر هذا الأمر على روح المقاومة لأهل غزة؟

الرنتاوي: يعني إذا كانت المقاومة في غزة ليست مرعوبة من هذا الاستنفار لماذا ترتعب العواصم العربية منه؟ هذا الحشد لم يأت لقتالنا أولا، وثانيا أعتقد أن هذا الحشد له وظيفة ردعية على الأرجح، وليس وظيفة قتالية.

ثالثا هي رسائل تبعث بها الولايات المتحدة الأمريكية ومن كانت في يوم من الأيام بريطانيا العظمى؛ إنهم لا يريدون توسيع المعارك ولا فتح جبهات جديدة، الهدف من كل الأمر استنقاذ إسرائيل، يعني كل ما يهم الإدارة الأمريكية الآن حصر المواجهات في قطاع غزة، حتى أن بايدن عندما تكلم مع محمود عباس طلب منه العمل بكل جهد من أجل إبقاء الوضع في الضفة الغربية هادئا، علما بأن المقاومة في غزة وأهل غزة بحاجة الآن لمن يخفف عنهم ويرفع عنهم العبء قليلا بفتح جبهات جديدة، سواء في الضفة الغربية أو على الحدود الشمالية وغيرها. وهذا سيناريو مرعب لإسرائيل، وواشنطن تعمل ليل نهار من أجل تفادي حدوثه، هذا الذي يجري بشكل أو بآخر. 

حسنى: أستاذ عريب بماذا تفسر ثورة أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وكذلك في الضفة الغربية في معركة سيف القدس، وعدم ثورتها الآن؟ بينما الآلة العسكرية أكثر وحشية وأكثر قتلا في هذه الحرب؟

الرنتاوي: أعتقد أن الصدمة التي سببتها معركة طوفان الأقصى لم تقتصر على العدو الصهيوني، فهي صدمة أيضا لأصدقاء المقاومة الفلسطينية وبيئتها الحاضنة. 

يعني ربما يكون هناك اعتقاد بأن المقاومة كفت ووفت، لكن انظر الآن مفاعيل الحدث تتغير، في أول يومين كانت المقاومة مدانة من كل العالم، الآن تنتقل الإدانات بكثافة وبسرعة رهيبة إلى المعتدي الإسرائيلي.

قدمت الضفة الغربية في أقل من ثمانية أيام 55 شهيدا، وهذا لا يجوز أن ننساه. خرجت مدن الضفة الغربية عن بكرة أبيها في مظاهرات، لكن يعلم الكثيرون أن أكبر مدينة من حيث عدد السكان في الضفة الغربية يقترب حجمها من منطقة طبربور في عمان، ما يعني انعدام الكثافة السكانية. 

يوجد ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، لكنهم موزعون على عشرات المدن والقرى والبلدات والمخيمات. يعني لا يصل عدد سكان أكبر مدينة وهي الخليل، إلى ربع مليون، ورام الله يقترب عدد سكانها من 200 ألف، وفي الوقت نفسه عدد الشهداء الكبير في الضفة يدل على وجود مقاومة، دون أن ننسى أن الاحتلال الإسرائيلي في حالة جنون والهدف من ذلك ردع أي محاولة لتكرار سيناريو سيف القدس ووحدة الساحات الفلسطينية. 

ويوجد انتشار ليس فقط للجيش الإسرائيلي، إنما هناك انتشار للميليشات الإسرائيلية التي أنشأها بن غفير، وحكومة نتنياهو طلبت رسميا من الولايات المتحدة الأمريكية شحنة أسلحة فردية لتوزيعها على المستوطنين، هم يحاولون ألا يعتمدوا فقط على قدرات الجيش الذي لا يقهر، إنما يحاولون رفده بطوابير وبأعداد من الميليشيات المدججة بالكراهية. 

حسنى: ما يحدث اليوم في غزة جريمة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الدور الإيراني ما زال متواضعا، واقتصر على لقاء قادة حماس في قطر وعلى بعض المناوشات الخفيفة ضمن حدود مزارع شبعا وغيرها في شمال فلسطين، متى تتوقع أن يكون هناك تحرك إيراني أو تحرك من حزب الله للتخفيف عن أهلنا في غزة؟ 

الرنتاوي: يعني أنا أعتقد أن فرص هذا التحول كانت 50% فأنا لست متيقنا أن إيران ستدخل باستخدام حزب الله على هذا الخط، ولست ممن سحبوا هذا الاحتمال من التداول كليا.

أعتقد أن زيارة وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان وما أدلى به هو وإبراهيم رئيسي من تصريحات في الساعات الأربع والعشرين الفائتة تشير إلى ارتفاع هذا الاحتمال، سيما إن بدأت المعركة البرية وسيما إن واجهت المقاومة صعوبة في التصدي للهجوم البري الإسرائيلي. ربما تكون تلك اللحظة هي لحظة الدخول، 

وأقول ربما لأنني في الحقيقة بحاجة إلى أن أرى هذا الدخول قد حصل كي أكون متيقناً من ذلك، أما قبل هذا فما زلنا نتحدث بلغة التخمينات والترجيحات.

حسنى: المصريون أعلنوا اليوم أنه حدث توافق أميركي إسرائيلي مصري وفتحوا معبر رفح وبدأت هدنة مؤقتة، هل تتوقع أن هذه الهدنة المؤقتة وفتح معبر رفح إجراء تكتيكي لإدخال بعض المساعدات وإجلاء الأجانب أم من الممكن أن ينتج عنها توقف للحرب؟

الرنتاوي: لا، ما زال الوقت مبكرا للحديث عن توقف الحرب، بل مبكر جدا. في رأيي، نحن نتحدث عن هدنة لخمس ساعات، كما ونلفت الانتباه إلى أن "إسرائيل" و"حماس" نفتا هذه الهدنة، ومن غير المعروف إن كانت ستشمل كل القطاع أم جنوب القطاع، وما زال الأمر ملتبسا والتقارير تقول إنه سيكون هناك تهدئة في جنوب قطاع غزة على الأقل، وإن الشاحنات على أهبة الاستعداد للدخول. 

إن خمس ساعات غير كافية لإدخال كل هذه الشاحنات، وهي غير كافية لإيصالها إلى غزة، ربما يجري تفريغها في رفح وبعد ذلك إن لم تقصفها وتدمرها "إسرائيل" ربما يجري توزيعها داخل القطاع، لكن حركة القطاع مرصودة بالطيران الإسرائيلي، وكل شيء يتحرك في القطاع يقصف، حتى الذين تطلب منهم "إسرائيل" النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه انتظرتهم على الطرق بالطيران والبراميل والقصف، وقبل ذلك قصفوا الجنوب وهي المنطقة التي توجههم إليها. 

نحن أمام خطوة مهمة ومهمة جدا في المعنى الإنساني، لكن في المعنى السياسي هي خطوة محدودة، ولا تشي بأن الحرب شارفت أن تضع أوزارها، بل ربما يفضي خروج الأجانب من غزة إلى التكهن بأننا أمام مواجهات -بالذات في الجانب البري- قد تكون كبيرة وواسعة.

حسنى: هل تتوقع حربا برية؟

الرنتاوي: نعم، أنا ما زلت أرجح الحرب البرية بشكل كبير جدا. إسرائيل ونتنياهو والحكومة، المجتمع، الرأي العام، المتطرفون، بحاجة إلى صورة نصر وبحاجة لصور أعلام إسرائيلية وجنود إسرائيليين من بعض المعارك في مناطق معروفة من قطاع غزة؛ ليقولوا إنهم نجحوا وإن الجيش انتصر في هذا المجال.

لكن هل يعني ذلك أن إسرائيل تكون قد حققت هدف هذه الحرب وهو تدمير "حماس"؟ أعتقد أن "حماس" ليست نفقا وليست بناية كي يجري تدميرها والخلاص منها إلى الأبد، أعتقد أن "حماس" بالذات بعد هذه معركة طوفان الأقصى تجذرت عميقا في أوساط الشعب الفلسطيني، في أوساط أهل غزة والضفة الغربية والشتات وحتى لدى الرأي العام العربي. 

وأستبعد أن يحصل سيناريو لخسارة "حماس" كامل قواتها، هذه القوى هي فكرة بالأساس، قد تلحق بها ضربة كبيرة لسنوات ولكن هذا لا يمنع أبدا في أي لحظة وجود فرص لتجديد حضورها بأشكال جديدة وصيغ جديدة، أنا أعتقد أن هذه هي دروس التجربة خلال 100 عام مع حركات الإسلام السياسي ومع الحركات الوطنية المتجذرة في أوساط شعبها.

حسنى: أنت كنت مناضلا، وكنت في بيروت، وفي تاريخ النضال الفلسطيني من يقرأ تاريخ فتح فقد كانت تطالب بتحرير كامل التراب الفلسطيني، لكن اليوم اكتفوا كما سميتهم "بغرفتين وصالة"، هناك خشية أن كل هذه المحطات في تاريخ النضال الفلسطيني إنما هي محطات عابرة نتعلم منها الدروس، فما حققته حماس من انتصار في أول يوم رفع الطموحات والآمال بأن التحرير بات قريبا، كيف تنظر كمناضل لمحطات تاريخ النضال؟

الرنتاوي: أولا حماس لم تقل إن هذه معركة التحرير ولم تقل إن التحرير بات على "مقرط عصا" كما نقول في الأردن، إنما هذا التفكير الرغائبي عند الناس، هذا تفكير الناس وتطلعاتها وآمالها وهي مشروعة، لكن لا أحاسب حماس على هذا التفكير الرغائبي الذي يصدر عن الناس، ومن المؤكد أننا كلنا نتمنى ذلك،. 

في كل تاريخ حركات التحرر في العالم والشعوب الساعية للاستقلال الوطني، تسلم أنت جيلا بعد جيل أو حركة بعد حركة، أنا لا أرى مشكلة أبدا في هذا التعاقب والتوارث بين الحركات والجماعات.

وهناك مثال على ذلك، فقد دخلت إسرائيل على بيروت وأخرجت المقاومة الفلسطينية عن بكرة أبيها من لبنان في البواخر في عرض البحر، كما تسعى الآن لإخراج الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ماذا حصل مباشرة خلال أشهر وليس خلال سنوات في لبنان بعد خروج المقاومة؟ نشأت مقاومة جديدة.

وبدأت هذه المقاومة الجديدة بالشيوعيين وبالقومي السوري الاجتماعي وبالحركة الوطنية اللبنانية وبدأت عمليات مقاومة الاحتلال في قلب بيروت، ثم تطورت بعد ذلك إلى حزب الله وحركة أمل والمقاومة الإسلامية وغيرها في لبنان، لتكون إسرائيل أمام موجة جديدة من المقاومة أشد ضراوة وأكثر عنفا وأكثر تنظيما وأكثر إصرارا من المقاومة الفلسطينية ذاتها. 

على سبيل المثال غزة التي هي محور حديثنا اليوم، فقد كانت في يوم من الأيام ساحة نفوذ رئيسية للجبهة الشعبية، والله يرحمه محمد الأسود (جيفارا غزة) عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، كما كانت تقول إسرائيل في الستينيات والسبعينيات، كان "يحكم غزة بالليل وإسرائيل بالنهار"، وكان رمزا من رموز القطاع، وإسرائيل كانت تعتبره حاكم غزة بالليل، والآن تراجعت هذه القوى. 

هذا تاريخ، والرايات تسلم والحركات تتبدل، لكن كلما جاء جيل مقاوم جاءت حركة مقاومة جديدة، وكانت أشد ضراوة وأكثر بأسا وعتادا واستعدادا ممن سبقوها، الآن انظر إلى تنامي حركة الجهاد الإسلامي في السنتين الأخيرتين، هذه حركة كنا نعتقد أنها هامشية وستظل هامشية، الآن حركة حماس خاضت حربين منفردتين في غزة مع إسرائيل، بينما خاضت حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية معارك ضخمة في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا وغيرها. 

أنا أقول إن هذا التعاقب لا يضر وهو من سنة الحياة، ولا تختاره أنت أو تقرره بشكل مسبق، بل هكذا تتطور الحياة، والثابت الوحيد أن هناك إصرارا من الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة على اختلاف مرجعياتها أن الحق الفلسطيني لن يموت وأن الكفاح الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله مستمر تحت أي راية من الرايات وبقيادة أي فصيل من الفصائل إلى أن يتحقق هذا الهدف. 

حسنى: يوجد جهد دبلوماسي عالي المستوى قام به الملك، ورأينا كيف تبدلت على إثره الكثير من المواقف الغربية، لكن هذا الحراك قوبل بصمت حكومي تام في مخاطبة الشارع الأردني، مما تسبب بفجوة كبيرة، سؤالي ما هو الدور الأردني المطلوب، وهل تعتقد أن هذه فرصة للأردن لإعادة تموضعه من جديد في القضية الفلسطينية خصوصا بعد أن تجاهل الإسرائيليون وصايتنا على المقدسات ولم يعودوا يتحدثون عن حل الدولتين؟ 

الرنتاوي: الأصل أننا أمام فرصة لنخرج ألسنتنا ونقول لحلفائنا الغربيين ألم نقل لكم؟ هل يجب أن تكون الكلمات مسحوبة على امتداد اللسان لنسخر منهم كما كانوا يسخرون منا حينما كنا نقول لهم إن الأمور ستنفجر إن لم توقف إسرائيل استيطانها وعدوانها على المقدسات وغير ذلك؟ الآن لنا الحق أن نقول لهم بملء الفم "ألم نقل لكم!". 

لذلك أعتقد أن الموقف الأردني في لحظة قوية ويمكن أن يبنى على شيء مقتضاه كما يقال: أولا: الخطاب الأردني يسعى إلى تبديد السردية الإسرائيلية، وأعتقد أن الأردن أقدر من غيره والملك بشكل خاص أقدر من غيره من الزعماء العرب على إعادة تفنيد السردية الإسرائيلية في مجريات كل هذا الصراع، وجولة الملك في عواصم أوروبا الأساسية أعتقد أن هذا الأمر واحد من وظائفه الأساسية. 

والنقطة الثانية لقد آن الآوان للسياسة الأردنية أن تدرك بأن وضع البيض كله في سلة السلطة الفلسطينية ليس خيارا، أنا لا أدعو إلى قطع العلاقة ولا إدارة الظهر ولا كل هذا الكلام، ولكنني أدعو إلى إقامة علاقات متوازنة مع كل أطياف الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية لا سيما حماس والجهاد، فنحن مع كل الأطراف في هذا الأمر. 

وفي النقطة الثالثة يجب على الأردن في هذا الأمر أن يستنبط الدروس مما حصل في قطاع غزة، معاهدة كامب ديفيد لم تحم مصر ولم تحم السيادة المصرية، ولم تفكر إسرائيل بالمعاهدة عندما قررت تهجير أهل غزة إلى سيناء إنما منعها من ذلك موقف مصري صلب مدعوم أردنيا وعربيا ومفهوم دوليا، وثانيا التهجير هذا يجب أن يرسخ في أذهان الأردنيين؛ لأنه إن نجح في غزة فسينجح في الضفة الغربية مستقبلا، ومن كان يعتقد أن معاهدة السلام مع إسرائيل ألغت هذا الباب في بند: "عدم دفع السكان للهجرة على جانبي الحدود"، فيجب عليه أن يدرك بأن إسرائيل لا تحترمه.

أما رابعا إذا كانت هناك رهانات عند بعض الأوساط الأردنية على الدولة العميقة "الأجهزة الأمنية" في إسرائيل؛ من حيث تفهمها مصالح الأردن وحساباته وأهميته، فإن هذه المؤسسات عمليا تتدين الآن وتتطرف قوميا ودينيا وتتماهى مع التحولات التي طرأت على بنية المجتمع الإسرائيلي وعلى بنية المجتمع السياسي الإسرائيلي. 

بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنكون أمام كتلة تمثل الدولة العميقة في إسرائيل، وهي امتداد واقعي لـ "بن غفير وغالانت" وغيرهم من العتاة والمتطرفين في المجتمع الإسرائيلي، لذا نحن بحاجة إلى وقفة عميقة أمام هذا الذي يجري. 

أما فيما يخص الخطاب السياسي كنت أريد أن تستدعي الحكومة الأردنية خبراء الإعلام والسياسيين والمحللين؛ لوضع استراتيجية إعلامية أولا في مخاطبة شعبنا حيث إن هذا الفراغ لا ينبغي أن يستمر وحينما نطلب من الحكومة أن تخاطب شعبها فنحن لا نطلب منها أن تنظر عليه إنما يوضحون للناس بالضبط ماذا يحدث وماذا تفعل الأردن، وأنا أعتقد أننا بحاجة لهذا الأمر لكن المبادرة يجب أن تأتي من صاحب القرار ذاته.

00:00:00