قراءة قانونية لدعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية

الصورة
تصميم لمحكمة العدل الدولية مع لافتة تنادي بحرية فلسطين | المصدر: بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين
تصميم لمحكمة العدل الدولية مع لافتة تنادي بحرية فلسطين | المصدر: بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين
المصدر

يترقب العالم ما ستؤول إليه جلسات الاستماع العامة في محكمة العدل الدولية في لاهاي يومي 11 و12 كانون الثاني الجاري في إطار الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي وتتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

ما هي الإجراءات التي ستتخذها محكمة العدل الدولية

وفي مقابلة خاصة لـ حسنى تحدث الخبير بالقانون الدولي د. محمد الموسى عن الإجراءات التي ستتخذها محكمة العدل الدولية بخصوص دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما تحدث عن التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا مثل: وقف العمليات العسكرية، وتحسين الحياة في قطاع غزة، كما أوضح أن المحكمة تعطي الأولوية لطلبات التدابير المستعجلة وأن جلسة النظر فيها قد تستغرق بين 3 أسابيع وشهر. 

وشدد الموسى على أن أي قرار من محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المستعجلة يلزم الدول، ويمكن رفع قضايا أخرى للمتابعة، وتناول أيضا تأثير القرارات على محكمة الجنايات الدولية وإمكانية تقديم دول أخرى لطلبات مماثلة. 

في 29 كانون الأول 2023، قامت جمهورية جنوب أفريقيا بتفعيل المادة 9 من اتفاقية الإبادة الجماعية، وتقدمت بطلب إلى محكمة العدل الدولية تطالب فيه باتخاذ إجراءات مؤقتة ضد "إسرائيل" فيما يتعلق بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

المقابلة الكاملة مع الخبير بالقانون الدولي د. محمد الموسى

حسنى: ما هي الإجراءات التي ستقوم بها محكمة العدل الدولية بخصوص دعوى جنوب إفريقيا، والمدد الزمنية للوصول لقرار بشأنها؟ 

محمد الموسى: بداية، لا بد من التفريق بين طلب التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية وبين الدعوى الموضوعية ذاتها التي تقدمت بها إليها. فالتدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا جاءت وفق المادة 9 من اتفاقية تحريم جريمة الإبادة الجماعية، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى حفظ الأدلة وحفظ الحقوق لحين البتّ بالقضية الموضوعية والتي تستغرق وقتا طويلا قد يصل لسنوات. 

وبالعودة لسؤالك، فحسب لائحة قواعد محكمة العدل الدولية وممارستها العملية، تعطى الأولوية لطلبات التدابير المستعجلة. وفعليا خلال 10 أيام من تسلم المحكمة دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي كانت قد حددت يوم الخميس والجمعة أول جلسة شفوية للنظر بطلب التدابير المستعجلة. وعلى الرغم من عدم وجود نصوص واضحة بخصوص المدد الزمنية، فإن المحكمة بالعادة تحتاج شهرين إلى ثلاثة أشهر لإصدار أوامر لطلبات التدابير المستعجلة، ولكن بالنظر إلى دعاوى مشابهة سابقة مثل دعوى البوسنة والهرسك ضد صربيا، فإن المحكمة قد تستغرق من 3 أسابيع إلى شهر لإصدار أوامر مستعجلة وفق طلب التدابير المستعجلة التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي. 

اقرأ المزيد.. إدانات المنظمات الإنسانية.. هل تتجاوز الورق لتردع الاحتلال؟

حسنى: ما هي التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا ضمن دعواها الموضوعية لمحكمة العدل الدولية؟ 

محمد الموسى: طلبت جنوب إفريقيا عدة طلبات للتدابير المستعجلة من محكمة العدل الدولية، واستخدمت فيها ما تملكه من خبرات قانونية سابقة في صياغتها، وهذه التدابير هي:

  • الكف عن جميع العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، أو داخل القطاع.

  • منع وإزالة الاحتلال الإسرائيلي لجميع العوائق التي تدمر الحياة المعيشية في قطاع غزة، مثل الوصول للمياه والغذاء وتوفير الاحتياجات الصحية.

  •  عدم قيام الاحتلال بإتلاف أي أدلة قد تخفي جرائم الإبادة الجماعية داخل قطاع غزة.

  •  بدء الاحتلال بإجراءات ملاحقة وتحقيق ومقاضاة للأشخاص الذي تورطوا بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو أمروا بها.

  • تقديم الاحتلال الإسرائيلي تقرير لمحكمة العدل الدولية خلال أسبوع من قرارات المحكمة لتقديم ما قام باتخاذه من إجراءات بخصوص أوامر المحكمة.

حسنى: هل هناك أي آلية رسمية من المحكمة لمتابعة الدول المحكوم عليها بالأوامر المستعجلة من قبل محكمة العدل الدولية؟
محمد الموسى: قد يعتقد البعض بأنه ليست هناك أي آلية رسمية لمتابعة الأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، ولكن في عام 2020 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بإنشاء لجنة خاصة لمتابعة الدول بما تعلق بالأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، وتتكون من 3 قضاة من المحكمة. 

حسنى: من الناحية القانونية، ماذا يعني إعلان بعض الدول عبر تصريحات صحفية أنها تساند دعوى جنوب إفريقيا؟
محمد الموسى: لا أستطيع استيعاب هذا التصريح من الناحية القانونية، لأن الباب مفتوح لتقديم طلبات الانضمام لهذه الدعوى، ولكن ربما تقصد بعض تلك الدول أنها سوف تقدم ملاحظات ومذكرات ومرافعات لمحكمة العدل الدولية. 

حسنى: لماذا لم تقدم العرب دعوى لمحكمة العدل الدولية قبل جنوب إفريقيا؟
محمد الموسى: من ناحية قانونية أحسنت الدول العربية في ذلك، لأن تقديم جنوب إفريقيا لهذا الطلب لا سيما أن لديها الخبرة القانونية الكبيرة والتجربة السابقة في ذلك له أبعاده على مدى استجابة المحكمة للطلب بصورة مستعجلة، ويمكن للدول العربية أن تقدم الأدلة والمذكرات القانونية التي تساند طلب جنوب إفريقيا، وأن لا تستجيب بعض الدول العربية لأي ضغوطات أمريكية لعرقلة هذه الدعوى. 

حسنى: هل يمكن أن يتعرض قضاة محكمة العدل الدولية لأي ضغوطات سياسية؟
محمد الموسى: هذه مسألة مستبعدة بما يتعلق بمحكمة العدل الدولية، لأن قضاتها عندما يتم انتخابهم في المحكمة لا يعودون ممثلين عن دولهم ويعتبرون قضاة مستقلين يمثلون المحكمة فقط، بالإضافة إلى أن تشكيل هذه المحكمة يأخذ بعين الاعتبار تمثيل جميع النظم القانونية الأساسية، وجميع الثقافات والقارات والمدنيات بالعالم، وبالتالي لا يقتصر على طراز قانوني واحد فقط. 

وعند مراجعة الاجتهادات والقرارات السابقة لمحكمة العدل الدولية فهي المرجعية القضائية العالمية الأكثر ثقة، والأكثر قدرة على تطوير القانون الدولي، ونادرا ما كان التأثير السياسي له دور على قراراتها. 

وتعليقا على بعض الآراء التي تتخوف من أن رئيسة المحكمة الحالية أمريكية، وكانت تعمل سابقا مستشارة للقانون الدولي بوزارة الخارجية الأمريكية، فإن تأثيرها ضعيف جدا، لأن التصويت على القرارات يتم "نقطة - نقطة" وبالأغلبية، بمعنى نصف زائد واحد، ويبقى تأثيرها فقط بأنها تملك ترجيح قرار معين في حال تعادل الأصوات ويبقى هذا تأثيرها الوحيد. 

حسنى: ماذا يعني أن "إسرائيل" سوف تمثل أمام المحكمة يوم الخميس؟
محمد الموسى: تعقد محكمة العدل الدولية أول جلسة شفوية لدعوى جنوب إفريقيا المتعلقة بالتدابير المستعجلة يوم الخميس، وسوف تظهر إسرائيل أمام المحكمة فيها، وظهورها رغم تغيبها في حالات سابقة، يعود لخشيتها من الإدانة بجرائم الإبادة الجماعية وشعورها بخطورة الدعوى عليها. ومن الناحية القانونية يسمى ظهورا أمام المحكمة، وليس مثولا، وستكون جميع هذه الجلسات علنية. 

حسنى: هل قرارات محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير المستعجلة ملزمة للدول؟
محمد الموسى: نعم أي قرارات من محكمة العدل الدولي بخصوص التدابير المستعجلة ملزمة للدول، وتترتب عليها التزامات قانونية، ويمكن رفع قضية مستعجلة أخرى لدى المحكمة لتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ذلك. 

حسنى: ما تأثير قرارات محكمة العدل الدولية على محكمة الجنايات الدولية؟
محمد الموسى: من الناحية القانونية فإن أي قرارات من محكمة العدل الدولية بخصوص طلبات التدابير المستعجلة لا ترتب أي التزامات قانونية على محكمة الجنايات الدولية، ولكن إقرار هذه القوانين يحرج محكمة الجنايات الدولية أمام أي طلبات لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. 

حسنى: هل تتقيد محكمة العدل الدولية ببنود التدابير المستعجلة المطلوبة في دعوى جنوب إفريقيا؟
محمد الموسى: أتاحت اللوائح الداخلية لمحكمة العدل الدولية للمحكمة قبول البنود أو رفضها، إلى جانب إضافة أي بنود ترى أنها مناسبة لتحقيق هدف الطلب وهو حفظ الأدلة وصون الحقوق. 

حسنى: هل يجوز لأي قاض تقديم رأي مخالف لرأي المحكمة؟
محمد الموسى: أتاحت لوائح محكمة العدل الدولية لأي قاض أن يصدر رأيا مخالفا لرأي المحكمة مبرزا أسباب ذلك، أو أن يصدر رأيا شخصيا يقدم فيه أدلة أخرى لم تقبل بها المحكمة، أو تفسير بعض التفاصيل. 

حسنى: هل يجوز لأي دولة أخرى أن تقدم طلبا آخر لاتخاذ تدابير مستعجلة بخصوص قضية غزة ذاتها؟
محمد الموسى: نعم يجوز لأي دولة مشتركة في اتفاقية الإبادة الجماعية تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مستعجلة بخصوص الحرب على غزة، سواء أثناء النظر بدعوى جنوب إفريقيا أو بعدها، كما تتيح اللوائح الإجرائية لمحكمة العدل الدولية لجنوب إفريقيا تقديم دعوى أخرى في حال رفض هذه الدعوى، ولكن باستخدام أدلة وبينات وتدابير أخرى.

اقرأ المزيد.. "إسرائيل" متهمة بالإبادة الجماعية

شخصيات ذكرت في هذا المقال
00:00:00