76 عاما... رواية استقلال المملكة الأردنية الهاشمية

الصورة
المصدر
آخر تحديث

يحتفل الأردنيون في 25 أيار من كل عام بمناسبة تعتبر الأثمن في قلوبهم، في مثل هذا اليوم، قبل ستة وسبعين عاما، أعلن استقلال المملكة الأردنية الهاشمية. مستذكرين في خضم الاحتفالات بالنصر العظيم، شهداء الأردن وتضحياتهم العظيمة، و ما حققه آباؤنا وأجدادنا من انتصار وإنجاز في خدمة الأردن، والأمة العربية.

76 عاماً على الاستقلال

إن الاستقلال يتمثل في الدولة الأردنية وقيادتها الهاشمية التي تحظى بكل الاحترام والتقدير، ونموذج يجدد حضورها في المحافل الدبلوماسية الدولية والعالمية، رغم التناقضات الفكرية والتحالفات العسكرية، إلا أن دول وشعوب العالم ترغب باستمرار في التعامل الحسن والمستمر مع كافة مكونات الدولة الأردنية.

كما يعني الاستقلال قدرة الدولة الأردنية غير القابلة للتسويق على الصمود في وجه كافة التحديات والعقبات الاستثنائية والمفاجئة التي تؤثر على البيئة الأردنية، وقدرتها على التعامل مع قضايا اللجوء في فترات مختلفة والتعامل مع اللاجئين الذين لجأوا إلى الأردن بكل قدرة ومسؤولية وإنسانية، وتطبيق المعايير الدولية لحفظ كرامة الإنسان،  مهما كانت جذورها، رغم نقص الموارد الاقتصادية والوضع السياسي الصعب.

ولا ننسى أن الاستقلال يشمل أيضا إظهار وإبراز دور الأردن بكل إخلاص وأمانة، ودعمه للقضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين المركزية، ، بقيادة الهاشميين طوال تاريخهم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير،  وتحقيق الدعم المطلوب في كافة المحافل الدولية، مع التأكيد على أن هذا الدفاع ليس دفاعا معتادا بقدر ما هو تصور نابع من عقيدة تحقيق الحق ودعم الأشقاء الفلسطينيين في بناء دولتهم على أرض فلسطين .

وعلى الرغم من اعتراف بريطانيا باستقلال إمارة شرق الأردن في 25 أيار 1923، إلا إنه فشل في الاستجابة للمطالب الأردنية بدولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وعليه فقد أبرمت المعاهدة الأنجلو-أردنية الأولى في 20 شباط 1928، التي باءت بالفشل على نطاق واسع، مما دفعهم إلى السعي إلى عقد مؤتمر وطني في 25 تموز 1928، بمشاركة مختلف الفئات من الشعب الأردني، لبحث مواد المعاهدة وتبني خطة للعمل السياسي. وتم فيه إصدار الميثاق الوطني الأردني. والذي كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ النضال السياسي والوطني الأردني، حيث تم تحديد الثوابت السياسية الأساسية لتلك المرحلة.

 

حكمت هذه المبادئ المهمة، النضال السياسي للشعب الأردني لسنوات عديدة لاحقة حتى إبرام المعاهدة الأنجلو-أردنية الثانية في 17 حزيران 1946، في عهد الملك عبدالله الأول بن الحسين، والتي على أساسها اعترفت بريطانيا باستقلال شرق الأردن تحت اسم المملكة الهاشمية “الأردن” وفور التوقيع بالأحرف الأولى على المعاهدة الجديدة في 22 آذار 1946، اعتمدت المجالس البلدية في المملكة عددًا من القرارات التي تعبر عن رغبة الشعب الأردني في إعلان الاستقلال على أساس نظام الملكية الدستورية. واجتمع المجلس التشريعي الأردني في 25 مايو 1946 وصوت بالإجماع لإعلان الأراضي الأردنية دولة مستقلة بالكامل مع حكومة تمثيلية وراثية وملكية. وعليه في 25 أيار 1946، وافقت الأمم المتحدة على إنهاء الانتداب البريطاني وأصبح الأردن دولة مستقلة ذات سيادة تُعرف رسميًا باسم المملكة الأردنية الهاشمية.

استمرت التطورات السياسية والمؤسسية على قدم وساق. ففي كانون الأول 1952، أصدر الملك طلال الأول الدستور الجديد الذي أقره مجلس النواب. نص الدستور على أن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية، وأن نظام الحكم في الأردن ملكية نيابية وراثية، وأن الشعب مصدر السلطات جميعًا.

وفي حرب العام 1948، سطّر الجيش العربي المصطفوي الذي لم يكن يتجاوز تعداده 4500 جندي، أروع بطولات التضحية والفداء في الدفاع عن فلسطين والقدس، وقدم مئات الشهداء على أراضيها، وفي إحدى المعارك على أبواب القدس القديمة صدّت القوات الأردنية هجوماً عنيفاً شنّته قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء 16 تموز 1948 لتكون خسائر العدو في تلك المعركة نحو 225 قتيلاً و145 جريحاً.

وفي كانون الثاني 1948، وافق مجلس الأمة على قرارات مؤتمر "أريحا" الذي نادى بالوحدة الأردنية الفلسطينية، وتشكّل المجلس النيابي الأول بعد الوحدة في نيسان 1950، ثم تشكّلت أول وزارة موحّدة للضفتين برئاسة سعيد المفتي، وصادق الملك المؤسس على قرار الوحدة الصادر عن المجلس بتاريخ 24 نيسان من العام ذاته.



عام 1951 اعتلى الملك طلال عرش المملكة، وكان أول ضابط عربي يتخرج من كلية ساند هيرست البريطانية، إذ تحققت في حقبته إنجازات تعزز الاستقلال ودعائم المجتمع القائم على الحرية المسؤولة أمام القانون، حيث تم إصدار الدستور الأردني في 8 كانون الثاني 1952، كأول دستور وحدوي عربي، ونصّ على إعلان ارتباط الأردن عضوياً بالأمة العربية، وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى، مُلبّياً آمال وتطلعات الشعب الأردني انسجاما مع وحدة الضفتين في العام 1950، وتنامي الشعور الوطني والوعي القومي في الوطن العربي.

 واتخذت المملكة بعهده، قراراً يقضي بجعل التعليم إلزامياً ومجانياً، ، وتمّ في عهده إبرام اتفاقية الضمان الجماعي العربي، وتأليف مجلس الدفاع المشترك، وأنشئ في عهده ديوان المحاسبة.

ومنذ أن تسلم الملك الراحل الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، بدأ عهد البناء والتقدم والتحديث، رغم ما كانت تشهده المنطقة والإقليم من ظروف طارئة، استقبل على إثرها الأردن نحو مليون لاجئ فلسطيني بعد نكبة 1948 ليتضخم عدد السكان بشكل كبير.

 

وتصدّرت القضية الفلسطينية إثر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية حينها، أولويات الملك الحسين، حيث سعى إلى حشد موقف عربي ودولي موحّد للتعامل مع هذا العدوان وتبعاته على الأردن والمنطقة.

وفي لحظات حاسمة من تاريخ الأردن الحديث، اتخذ الحسين قراراً تاريخياً بتعريب قيادة الجيش عام 1956، وعزل الجنرال كلوب، بعد أن تكوّنت قناعة أكيدة لدى القيادة الهاشمية بأن بقاء قائد إنجليزي للجيش العربي الأردني سيحدّ من دور الضباط العرب ويؤثر على الاستراتيجية الدفاعية للبلاد.

وخلال الفترة بين 1961 وقبيل حرب حزيران 1967، وبعد أن تجاوز الأردن فترة بالغة من الأحداث، بدأ الاقتصاد الأردني يشق طريقه ضمن خطط تنموية مدروسة، حيث رأت النور صناعات كان لها الأثر في تأمين العمل، فضلاً عن وضع حجر الأساس للجامعة الأردنية، وإنشاء مصفاة البترول في الزرقاء عام 1961، وإنشاء قناة الغور الشرقية عام 1966 بموازاة نهر الأردن بطول 65 كيلومتراً، فيما ضاعف ميناء العقبة من شحناته الصادرة والواردة، فضلاً عن تطور قطاع النقل الجوي والسياحة.

وبعد حرب 1967، أدّت الجهود الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك الحسين، إلى استصدار القرار الأممي رقم 242 في تشرين الثاني من العام 1967، واشتمل على معادلة انسحاب شامل مقابل سلام شامل والاعتراف بحق الجميع في العيش بسلام في المنطقة.

 

وسجل الجيش العربي الأردني في العام 1968، أروع البطولات وأسمى معاني الفداء والذود عن حمى الوطن وصون كرامته، إذ تمكّن الجيش العربي ، من إلحاق أول هزيمة بجيش الاحتلال الإسرائيلي في معركة الكرامة الخالدة، والتي رفض الملك الحسين، وقف إطلاق النار فيها حتى انسحاب آخر جندي للاحتلال من الأراضي الأردنية.

وفي العام 1988، اتخذ الأردن قراراً بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بناء على توصيات القمة العربية في الرباط، لتكون منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته استمر الأردن بواجباته القومية استناداً إلى ثوابته ورؤى قيادته الهاشمية، خاصة في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تسكن الوجدان الهاشمي.

وجرت أول انتخابات نيابية في العام 1989، بعد قرار فك الارتباط، واستؤنفت المسيرة الديمقراطية في المملكة.

وفي العام 1994، وقّع الأردن معاهدة سلام مع كيان الاحتلال ، تضمنت الاعتراف بدور الأردن في محادثات المرحلة النهائية بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والنازحين.

 

وفي شباط عام 1999، تسلّم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية، ومنذ اعتلائه العرش، كان الملك عبدالله الثاني حريصاً على أن يكون الأردن أنموذجا في المنطقة، فكانت التنمية بأبعادها المختلفة، والنمو الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية، في مقدمة أولويات أجندة عمل الملك، والتي يتم تحقيقها في مناخ يكفل الإصلاحات السياسية والديمقراطية والترابط الاجتماعي، من أجل تمكين الأردنيين من المساهمة في تطوير بلدهم.

نجح الملك عبد الله الثاني رغم التحديات الاقتصادية في بناء "شبكة أمان" في علاقاته الدولية، على الرغم من التجاذبات السياسة والأحلاف والاستقطاب الإقليمي ، وبقي الأردن على علاقات طيبة ومتوازنة مع جميع الدول العربية، ودون أي تدخل في شؤون الداخلية لأي دولة .

لربما أكثر العلاقات تعقيدا هي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فعملية السلام لم تشهد في عهد الملك عبد الله صعودا، بل تعرضت لانتكاسات متتالية، ومع تزايد تغول اليمين الإسرائيلي على السلطة، واستخفاف الحكومات الإسرائيلية بالخطوط الحمراء الأردنية في فلسطين، مثل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتجاهل قضية اللاجئين، والتوسع في الاستيطان، وأكثر من ذلك ترويج بعض القادة الإسرائيليين إلى أن الأردن هو المكان الطبيعي للدولة الفلسطينية، كل ذلك ساهم في إذكاء حالة التوتر، وزاد من حدتها التستر الأميركي وغض النظر عن السياسات الإسرائيلية المتطرفة.

تدهور العلاقات الأردنية ـ الإسرائيلية لا يُشكل عبئا شعبيا على النظام الأردني، بل يلقى تشجيعا وترحيبا من المواطنين، وربما استخدمت "إسرائيل" هذا الجمود والبرود مع عمان لممارسة ضغوط عليها عبر واشنطن.

المحطة الأكثر مفصلية في العقدين من حُكم الملك كانت التحولات في عام 2011 إبان "الربيع العربي"، وتداعي وسقوط الأنظمة حول عمان.

 

كانت المعادلات السياسية صعبة، والغموض سيد المشهد، والأسئلة عن ضلوع وتدخل غربي لإحداث تغييرات جذرية في بنية النظام العربي تتردد، والكلام عن انحياز لتيارات الإسلام السياسي للصعود للسلطة حاضرة وتُسمع بقوة.

وشهد عام 2021، تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حدد الملك خلالها مهمة اللجنة بوضع مشروع قانون جديد للانتخاب ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكماً بالقانونين وآليات العمل النيابي، وهو ما تُرجم واقعاً، حيث تم إقرار جميع التشريعات، التي من شأنها مواكبة التحديث وتعزيز وتعظيم المشاركة السياسية وتعزيز تمكين الشباب والمرأة.

ووجّه الملك في رسالته إلى الأردنيين بمناسبة عيد ميلاده الستين، إلى وضع رؤية جديدة للاقتصاد الوطني للسنوات المقبلة، تكون عابرة للحكومات، لاستكمال ما تم بناؤه منذ توليه سلطاته الدستورية، والتي ركزت بمجملها على تنويع الاقتصاد وتحريره ودمجه بالعالمية.

ويولي الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة- الجيش العربي، القوات المسلحة والأجهزة الأمنية جُل اهتمامه، ويحرص على أن تكون هذه المؤسسات في الطليعة إعداداً وتدريباً وتأهيلاً، لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته، والعمل على تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين.

ويكرّس الملك جهوده الدؤوبة مع الدول الفاعلة للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق حل الدولتين، وهي جهود ترافقت مع دعم ملكي متواصل للأشقاء الفلسطينيين على الصعيد السياسي والإنساني.

 

كما يبذل جلالته جهوداً كبيرة باعتباره وصياً وحامياً وراعياً للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات، للحفاظ على هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ودعم وتثبيت سكانها، مسلمين ومسيحيين، والتصدي لكل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير هوية المدينة وعروبتها.

ويُوظّف الأردن طاقاته وإمكاناته للتصدي لمخاطر التطرف والإرهاب، وخاصة من خلال المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الديانات، والمذاهب، والحضارات المختلفة وتبيان الوجه الناصع الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة العظيمة.

 

واليوم يحتفل الأردن بعيد استقلاله 76 وسط تحديات تكاد لا تنقطع، منذ تأسيس الدولة، وتحديدا المخاطر التي تتهدد أمنه نظرا إلى الخطر القادم من الشمال بسبب التمدد الإيراني والمليشيات التي تدعمها طهران في الأراضي السورية وتحديدا جنوب البلاد، عدا عن التحديات الاقتصادية التي تعيشها المملكة في ظل أزمات ألقت بظلالها على العالم أجمع.

00:00:00