عقيد متقاعد من القوات المسلحة - الجيش العربي مقدم برنامج "فرصة وطن" على إذاعة حُسنى
أوطان للبيع في المزاد العلني
قالوا: الثقة مثل ناطحات السحاب؛ بناؤها يحتاج إلى سنوات عديدة، وهدمها لا يحتاج إلاّ إلى ثوانٍ قليلة.
من المعروف أنه في الأنظمة السياسية القوية والمستقرّة تعتبر المعارضة سلطة موازية للسلطة الحاكمة، بل وتكمن قوة السلطة الحاكمة في قوة المعارضة والعكس صحيح، وإذا كانت المعارضة ضعيفة؛ فهذا يعني ضعف السلطة الحاكمة في سياستها الخارجية والداخلية على حدّ سواء.
وأمّا تلك الأنظمة الحاكمة في أوطاننا العربية والتي "كان أمرها فُرطا ولا تتبع إلاّ الهوى" فتعمل دائما على إضعاف المعارضة وإسكات وإخماد كل الأصوات التي تعارض الفساد والإفساد والخنوع، لتتمكن تلك الأنظمة من السلب والنهب والبيع بدون إزعاج.
وفي رأيي أنّ سياسة الإسكات والإخماد لتلك الأصوات المعارضة تكون ضمن ثلاث مراحل هي:
1. سياسة الإلهاء، وتكون في بداية الحكم من خلال خلق أزمات وأعداء كثر.
2. سياسة الاستقواء، وتكون في أواسط فترة الحكم من خلال سنّ قوانين ودساتير قمعية.
3. سياسة البيع والشراء، وتكون في أواخر حكم ذلك النظام من خلال البيع لمقدرات ورجال الوطن في المزاد العلني.
وللأسف عند الوصول إلى المرحلة الثالثة تكون تلك الأنظمة قد جنت على شعبها ووطنها؛ عنادا واستكبارا، فالشعوب بشكل عام لا يمكن أن تعيش للأبد في ظل أنظمة لا تجد فيها حريتها ولا كرامتها ولا قوت أبنائها.
وخلال هذه المرحلة أيضا تلجأ تلك الأنظمة إلى سياسة شراء الذمم والضمائر والتي هي أصلا مريضة وسقيمة وقابلة للبيع والشراء؛ وذلك من أجل زيادة شعبيتها وعدد مؤيديها، باعتبار أن ذلك أحد سبل النجاة.
يظهر في تلك الحالة ويتكاثر أناس وأشخاص يدّعون حبّ الوطن والخوف عليه؛ فيرفعون أصواتهم عاليا ويرفعون شعارات برّاقة جريئة إلى حدّ السخرية منها، وتجدها تنتشر على مواقع على مواقع التواصل مثل، "حمى الله الوطن والوطنيين" أو شعار " احملوني إلى العاصمة لأحاسب الفاسدين" وغير ذلك من تلك الشعارات البرّاقة.
وكثير من هؤلاء الأشخاص يعتمد على أسلوب اختلاق القصص والحكايات الكاذبة والغريبة والعجيبة وقليل منها صحيح؛ و لكن كلها تقدّح وتسيء للوطن؛ فهم يعرفون أن طبيعة الجماهير تحب الاستماع إلى القصص والحكايات والسواليف أكثر من حديث العقل والمنطق.
وفي الحقيقة أنّ هؤلاء القوم إنما يبتزّون ذلك النظام الخائف والمرتبك ويستغلون عواطف ومشاعر الجماهير الغاضبة و الساخطة على ذلك النظام، فهدفهم الحقيقي هو المكسب والمنصب فقط، فالوطن عندهم سلعة يباع و يشترى.
ولكن المصيبة الأعظم والأضخم تكمن في أنّ ذلك النظام يلجأ إلى سياسة شراء تلك الأصوات وأولئك الأدعياء بثمن على حساب الوطن وهو المناصب السياسية التي تدير الوطن، وبأموال ذلك الشعب الذي لا يجد قوت عياله، ظناً من النظام الحاكم أنّه "يحتوي بعض المعارضة ويقصي بعضها الأخر"، ومحاولة منه لإفقاد تلك الشعوب الثقة بكل صوت معارض وبكل صوت يدافع عن الوطن، وإيحاءً منه أنه على الشعوب أن تقبل بذلك النظام فهو الصادق الأمين و "كل المعارضة" هي الخائن العميل.
ولكن الحقيقة التي يجب أن أقولها هي: أن ذلك النظام يرتكب جريمة وخطيئة لا تغتفر بحق الوطن وشعبه، وهو بذلك ينشئ ويربي جيلا من أبناء الوطن لديه القابلية للبيع والشراء وبالتالي للخيانة، إنه ينشئ جيلا لا ينظر إلى الوطن إلا "منصبا و كرسيّا" أو دراهمَ معدودة، فيصبح الوطن عندهم مجرد سلعة.
والحقيقة الثانية أنه سلّم الوطن لأشخاص ليس لهم مبدأ فهم يُباعون ويُشترون كما تباع البهائم والإبل "فالرجال الذين يُجلبون بالرشوة ينهارون سريعا أمام الرشوة الأكثر"، وهكذا يصبح الوطن سلعة في المزاد العلني وفي السوق المفتوح للغريب و القريب..!