طالب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
اليورانيوم الأردني على طريق الحرير

في وسط عالم متسارع، تثبت الخارجية الأردنية مرونتها مجددا. فها هو الملك يطل علينا من أستانا، برفقة مستضيفه الرئيس الكزخي قاسم توكاييف، معلنين التوقيع على جملة من التفاهمات في مجالات الاقتصاد والطاقة والثقافة وغيرها. وكان هذا اللقاء بعد لقاءين سابقين: الأول في موسكو بين لافروف والصفدي في لقاء وصف بالحميم، والثاني زيارة الملك قبلها لأوزبكستان.
هذه الزيارات سمحت لاقتصاد الأردن المختنق، في إقليم مليء بالأزمات، بالتنفس في آسيا الوسطى من بوابة موسكو. لكن أكثر ما ميز هذه اللقاءات هو الخبر الذي أعلنته قناة المملكة منفردا، حول تأسيس شركة أردنية–كزخية في مجال تعدين اليورانيوم على أن يكون أول مصنع لإنتاج "الكعكة الصفراء" في الأراضي الأردنية بحلول عام 2033.
واقع الموارد النووية في البلدين
ليس غريبا الاستعانة بالخبرات الكزخية في هذا المجال؛ فكازاخستان تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من اليورانيوم الخام بنسبة 14% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وهي الأولى في الإنتاج. فحسب موقع الرابطة النووية العالمية المختص في الصناعات النووية فإن كازاخستان أنتجت 43% من الإنتاج العالمي عام 2022، وتبيع كميات كبيرة من هذا الإنتاج لاستخدامها في المجالات المدنية مثل إنتاج الطاقة والمجال الطبي، تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لدول مثل روسيا، والصين، وفرنسا، والولايات المتحدة، وكندا.
أما في الأردن، فقد أطلق برنامج نووي عام 2008 للاستفادة من الموارد النووية الوطنية، حيث أعلنت هيئة الطاقة الذرية الأردنية عن وجود ما يزيد على 40 ألف طن في منطقة الوسط، مع تقديرات كلية قد تصل إلى أكثر من 60 ألف طن، ما يضع الأردن في المرتبة السادسة عشرة عالميا.
وضمن هذا البرنامج، تم إنشاء مفاعل نووي تدريبي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في إربد، كما تأسست عام 2013 شركة تعدين اليورانيوم الأردنية، التي سبق أن أعلنت إنتاج "الكعكة الصفراء" لكن بكميات محدودة.
بين الشركة الوطنية والشركة المشتركة
بحسب هيئة الطاقة الذرية الأردنية، فإن الهدف الأساسي من إنشاء شركة التعدين الوطنية كان توفير الموارد اللازمة لتشغيل محطة الطاقة النووية المزمع إنشاؤها، وتصدير الفائض للأسواق العالمية.
لكن الاتفاقية الجديدة مع كازاخستان لم تطرح كتبادل خبرات لتطوير أعمال الشركة الأردنية، بل جاءت لتأسيس شركة مشتركة بين البلدين. واللافت أن الخبر لم يشر إلى أي هدف يتعلق بمحطة طاقة نووية أردنية، بل ركز على إنتاج اليورانيوم بكميات تجارية وتسويقة عالميا.
ورغم أن المشروعين يهدفان لاستغلال هذه الثروة الكامنة في الأراضي الأردنية، فإن هذا التحول قد يدل على السعي وراء الربح السريع دون الالتفات إلى أهمية الطاقة النووية في العقود القادمة. فالعالم يشهد تحولا كبيرا نحو الطاقة النظيفة، وقد يلفظ البترول أنفاسه الأخيرة خلال العقدين أو الثلاثة المقبلة، ما يشير إلى احتمالية ارتفاع قيمة اليورانيوم عالميا.
تساؤلات حول اليورانيوم في الرأي العام
في ظل معاناة الأردن من نقص الطاقة وارتفاع أسعارها محليا، قد يرى البعض أن بيع اليورانيوم دون المضي قدما في إنشاء محطة لتوليد الكهرباء، يعد تضييعا لمقدرات كان يمكن أن تخفف العبء الاقتصادي عن السوق الأردني. كما أن تسويقه عبر شركة مشتركة قد يعني ذهاب جزء مهم من قيمته إلى الشريك الكزخي، بدلا من أن تبقى العوائد كاملة في يد الدولة الأردنية.
في المقابل، يرى آخرون أن الكميات المستكشفة من الغاز في حقل الريشة كفيلة بتحسين وضع الطاقة أردنيا، وأن الفائدة الاستراتيجية من تسويق الموارد النووية ستعزز مكانة الأردن في السياسة الخارجية، وتمنحه قدرة أكبر على بناء علاقات استراتيجية مع دول المنطقة والعالم.
في كلا الحالتين، فإن الأردن شعبا وحكومة، وهو يخوض هذه التحولات، يحتاج إلى الاستمرار في عملية التحديث السياسي، وزيادة الوعي المجتمعي، سعيا لمشاركة أكبر للشعب في تقرير آليات الاستثمار في مقدراته. كما أن تطوير الإعلام الرسمي والموازي سيكون ضروريا لكسب ثقة المواطنين في عمل الحكومات المتعاقبة. فالتساؤلات حول جدوى هذه المشاريع ستزداد، إن لم يلمس المواطنون أثرها على حياتهم، أو لم يشعروا بعدالة توزيع مكاسب التنمية في مختلف محافظات المملكة وبلداتها.