محلل وخبير أمني واستراتيجي
بين النصر والهزيمة في حرب الإبادة على غزة: قراءة في مفاهيم الانتصار ومعاييره

في الحرب غير المتكافئة الدائرة في غزة، يتجاوز مفهوم النصر التعريف العسكري التقليدي الذي يقاس بالسيطرة الميدانية أو إنهاء وجود الخصم؛ فالمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، تدرك أن موازين القوة لا تسمح بانتصار عسكري بمعناه الكلاسيكي، لذلك تعرف النصر هنا بأنه القدرة على الردع، وكسر إرادة العدو، والحفاظ على كرامة الشعب ووعيه رغم حجم الدمار والخسائر. ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى ما يجري في غزة بوصفه ساحة لإثبات أن البقاء والمواصلة، في وجه آلة حرب مدعومة غربيا، هو في ذاته شكل من أشكال النصر، خصوصا عندما تفشل "إسرائيل" في فرض إرادتها السياسية رغم تفوقها العسكري.
مفهوم النصر في غزة: البقاء والمواصلة في مواجهة آلة حرب متفوقة دعمها الغرب، يعد في حد ذاته نصرا معنويا واستراتيجيا للفلسطينيين، على الرغم من التفوق العسكري لـ "إسرائيل".
السابع من أكتوبر
السابع من أكتوبر لم يكن مجرد هجوم عسكري مفاجئ، بل جاء –وفق ما أعلنت حماس– نتيجة تراكم سنوات من الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، والانتهاكات المتكررة في المسجد الأقصى، وملف الأسرى داخل السجون الإسرائيلية. كما اعتبر محاولة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد ما وصفته بالتهميش السياسي، وكسر قواعد الاشتباك التي فرضتها "إسرائيل"، وإجبارها على التعامل مع المقاومة كقوة لا يمكن تجاوزها.
الأهداف الرئيسية للسابع من أكتوبر
-
كسر الحصار المفروض على غزة.
-
فرض معادلة تبادل أسرى جديدة.
-
استعادة حضور القضية الفلسطينية في الإقليم والعالم بعد أعوام من التجاهل.
رد "إسرائيل"
"إسرائيل" ردت بإعلان ما سمته "حربا لاستئصال الإرهاب" بهدف القضاء الكامل على قدرات حماس العسكرية والسياسية، واستعادة الرهائن الذين أسروا خلال الهجوم، وإنهاء سيطرة الحركة على قطاع غزة.
القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية قدمت الحرب كمعركة وجود لا كعملية محدودة، معلنة أن هدفها النهائي هو تغيير الواقع الأمني والسياسي في غزة بشكل دائم.
غير أن هذه الأهداف الطموحة اصطدمت بتعقيدات الميدان، وبكلفة إنسانية وسياسية باهظة، جعلت "إسرائيل" تواجه تساؤلات داخلية ودولية حول جدوى استمرار العملية وحول غياب رؤية لما بعد الحرب.
أبعاد النصر في الحرب
النصر في هذه الحرب ليس واحدا بل متعدد الوجوه:
-
النصر العسكري المباشر: تسعى إليه "إسرائيل" من خلال تدمير البنية التحتية للمقاومة.
-
النصر الرمزي والمعنوي: تراهن حماس على الصمود وإفشال أهداف العدو.
-
النصر الإنساني: يتمثل في بقاء غزة على قيد الحياة رغم الدمار، ونجاح المجتمع الفلسطيني في الحفاظ على تماسكه في وجه الإبادة.
في التحليل العسكري الحديث، لم تعد المكاسب الرمزية هامشية، بل أصبحت جزءا أساسيا من معادلة النصر. "فإسرائيل" رغم قدرتها على إلحاق أضرار جسيمة بحماس، لم تتمكن من تحقيق نصر رمزي أو سياسي واضح، إذ تآكلت صورتها الدولية بفعل حجم الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين.
التضحيات الفلسطينية تحولت إلى عنصر تعبئة وجذب عالمي، وأعادت صياغة الوعي الدولي تجاه القضية. التضحية هنا أصبحت سلاحا معنويا واستراتيجيا يوازي في قيمته الأثر العسكري.
دور الإعلام والرأي العام
وسائل الإعلام والرأي العام الدولي لعبا دورا محوريا في صياغة صورة النصر والهزيمة. فبينما اعتمدت "إسرائيل" على رواية "محاربة الإرهاب"، كشفت الصور القادمة من غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، ما أحدث تحولا كبيرا في الرأي العام العالمي.
التغطية الإعلامية المستمرة، وبأدوات إعلامية بسيطة من أبناء غزة لنقل الواقع الكارثي، وضغط الشارع في العواصم الغربية، وبداية العزلة الدبلوماسية التي بدأت "إسرائيل" تعيشها، دفعت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلان عن خطته التي غطت كامل المطالب الإسرائيلية التي لم تحققها عسكريا، ودفع حماس للقبول بها تحت ضغط الشارع في غزة.
النصر الاستراتيجي الفلسطيني في غزة
النصر في غزة لم يعد يقاس بالميدان فقط، بل بالمكاسب النفسية والمعنوية التي حققها الفلسطينيون. عبر تزايد الشعبية الجارفة للمقاومة وحماس بعد نتائج المفاوضات، واستمرار روح الصمود رغم الحصار والموت، يمثلان أحد أهم مظاهر النصر الاستراتيجي.
المقاومة استطاعت تحويل المعاناة إلى طاقة معنوية عززت الوعي الفلسطيني، فيما تواجه "إسرائيل" انقسامات داخلية وضغوطا سياسية متزايدة بسبب طول أمد الحرب وتداعياتها الاقتصادية والأخلاقية.
الحصيلة بعد عامين
وعند النظر إلى حصيلة الحرب بعد مرور عامين، يمكن القول إن كلا الطرفين خرج بنصف نصر ونصف هزيمة:
-
"إسرائيل" تمكنت من إلحاق ضرر مادي كبير بحماس لكنها فشلت في القضاء عليها أو إنهاء سيطرتها على غزة، فيما خسرت كثيرا من رصيدها السياسي والأخلاقي دوليا.
-
حماس فقدت جزءا من قدراتها العسكرية لكنها نجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز المشهد الإقليمي والدولي، وفرضت نفسها لاعبا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة.
وهكذا يصبح النصر في حرب الإبادة على غزة مفهوما معقدا ومتعدد الأوجه، لا يختزل في القوة العسكرية، بل يتجلى في البقاء، وفي استمرار المعنى والهوية رغم الدمار
اقرأ المزيد.. قمة شرم الشيخ للسلام تبحث مستقبل القطاع