سلطة غزة الدولية الانتقالية.. عقلية الحل الغربي تعيد سلطة الانتداب البريطاني بصبغة أممية

هذا المقال هو نتاج بحث متعمق يحتوي على ترجمة لمصادر مختلفة نشرت خلال الأسابيع السابقة عن ما يعرف بخطة توني بلير لإدارة قطاع غزة، والتي تلقت دعم من الإدارة الأمريكية وخاصة إدارة ترامب. قد يحتوي المقال على معلومات تختلف عن المقترح الرسمي النهائي بالرغم من التحقق من صحة مصادر المعلومات، والسبب غياب النص الرسمي والوصول إلى الوثائق الرسمية لمقترح مؤسسة توني بلير حول إدارة غزة.
خطة توني بلير لغزة، والمعروفة اليوم باسم "سلطة غزة الدولية الانتقالية" (GITA)، هي مبادرة تهدف لإدارة قطاع غزة في الفترة الانتقالية بعد الحرب، وتقدم إجابة بعقلية غربية حول سؤال اليوم التالي بعد الحرب في غزة؟ وتشمل الخطة تفاصيل متعددة تتعلق ببناء الحكومة، وملامح السلطة، والضمانات الدولية، والإطار الاقتصادي والسياسي.
فيما يلي التفاصيل الكاملة -بأكبر قدر من الدقة- استنادا للنصوص والسرديات التي نشرت حول الخطة حتى نهاية أيلول 2025.
الملامح الأساسية لخطة توني بلير في غزة
-
خطة بلير تشمل إنشاء هيئة دولية انتقالية لإدارة غزة مؤقتا مع الحرص على إضافة طابع أممي قانوني بتفويض من مجلس الأمن الدولي، لحين تسليم الإدارة بشكل تدريجي إلى السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا. تشير التقارير إلى أن الفترة المؤقتة المطروحة قد تستغرق من 3 إلى 5 سنوات. وتشير التقارير إلى اقتراح ثلاث مستويات للسلطة تحت مسميات ومهام مختلفة، تحمل طابعا هيكليا إداريا ومجلس إدارة دولي ذي سلطة عليا، بينما يتولى الأمور التنفيذية لسياسات مجلس الإدارة مجلس تنفيذي متعدد الجنسيات كمستوى متوسط وسيط مندوبا عن السلطة الدولية والذي بدوره يراقب أعمال الإدارة التنفيذية المحلية الفلسطينية، والتي تتبع إداريا للسلطتين السابقتين.
-
الهيئة الانتقالية ستكون ذات "سلطة سياسية وقانونية عليا في إدارة غزة" وتعمل لمدة انتقالية تتراوح عادة بين ثلاث إلى خمس سنوات دون تحديد جدول زمني معين لانتقال السلطة، يتم خلال هذه السنوات بناء مؤسسات وإعادة إعمار البنية التحتية وضمان الأمن، مع إشراف قوة عسكرية متعددة الجنسيات لضمان الاستقرار. تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمان لم يذكر بالتحديد، بحيث لم تتطرق المصادر إلى مفهوم الأمان الذي تطرحه المبادة، فلا يعرف إن كان الهدف هو مكافحة وجود حماس والمقاومة الفلسطينية، أم السيطرة على المجتمع الغزي بأكمله، أم حماية المدنيين من العمليات العسكرية المستقبلية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
-
الناطقون باسم بلير والإدارة الأمريكية شددوا على أن الخطة لا تتضمن التهجير القسري لأهالي غزة، بل تؤكد على أن "غزة لأهل غزة"، ولكن التأكيدات صدرت ضمن سياق الحقوق المدنية والمحافظة على الحقوق العقارية لكافة السكان، دون ذكر للحقوق السيادية كالهوية وتقرير المصير كحق مصان لسكان غزة، بل في مختلف التسريبات يتضح أن السلطة السياسية والقانونية تعطى للهيئة الانتقالية.
تكوين الهيكل الإداري

-
سلطة غزة الدولية الانتقالية (GITA) ستكون تحت إشراف مجلس مكون من 7 إلى 10 أعضاء دوليين، من بينهم ممثل واحد فلسطيني، ومسؤول أممي رفيع، وشخصيات متعددة الجنسيات تمارس الإدارة التنفيذية أو المالية، وحرصت المبادرة على ضمان نسبة تمثيل من الدول الإسلامية لتعزيز الشرعية الإقليمية والثقافية والقبول للمقترح. وتشير التقارير إلى أن السلطة الدولية ستكون تحت إدارة توني بلير كـ"مندوب سامي" يمثل هذا التجمع الدولي ويخدم مصالح الاتفاق وتأكيد انتقال السلطة للهيئة.
-
المجلس التنفيذي للسلطة سيعين مديرا تنفيذيا لإدارة الوزارات التقنية (الصحة، التعليم، المالية، البنية التحتية، الشؤون القضائية، الرعاية الاجتماعية)، ويشرف على فرق مهنية محايدة بعيدا عن الحزبية.
-
السلطة الانتقالية ستتخذ مقرها بداية في مدينة العريش بمصر القريبة من الحدود، قبل الانتقال إلى غزة بمجرد استقرار الأوضاع، بحيث ستمارس سلطاتها بمساعدة من الأذرع المحلية التي سيتم تجنيدها لتكون ميسرا إلى دخول سلطة الانتداب والممثلين ومجلس الإدارة الدولي، بحيث سيكون التركيز على إزالة أي مقاومة أمام هذه السلطة دون تحديد إن كانت هناك تدخلات عسكرية لإنفاذ السلطة الجديدة أم لا.
الأهداف والإجراءات الرئيسية
تثير الأهداف والإجراءات الرئيسية في مقترح بلير الكثير من الشكوك حول الغاية من هذا المقترح، فلا تذكر أي ضمانات أمنية لسكان غزة كعدم استمرار حرب الإبادة الجماعية أو اشتراط إنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي في داخل القطاع، وإنما تنطلق الخطة من منظور أحادي غربي، يشير إلى أن جذور القتال ومصدره هو وجود حماس داخل غزة، مما يتبنى بالمطلق المفهوم الإسرائيلي للأمن داخل القطاع. ومن ضمن الإجراءات الرئيسية كما ذكرتها مختلف التسريبات الآتي:
-
تفكيك حماس وضمان عدم وجود أي دور مسلح أو إداري لها في الحكومة الجديدة، مع تفعيل مفهوم "نزع السلاح من المقاومة الفلسطينية، وإعادة الدمج المجتمعي" (DDR)، وتدريب قوى أمن فلسطينية خارج غزة قبل تسليمها المهام تدريجيا، بحيث تساعد على نزع السلاح من المقاومة الفلسطينية، دون وضوح حول مستقبل الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع.
-
إتاحة مسار مستقبلي بعد التأكد من نزع السلاح الفلسطيني كاملا، لإعادة تسليم السلطة المدنية إلى السلطة الفلسطينية، لكن بشكل تدريجي ومشروط بإصلاحات حقيقية تشمل مكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة المؤسساتية، ويجري تقييم الانتقال بناء على الأداء وليس على جداول زمنية ثابتة. بالإضافة إلى عدم ذكر ضمانات أمنية تجاه انسحاب جيش الاحتلال من القطاع في أي وقت، او أي إجراءات إلزامية للاحتلال الإسرائيلي للالتزام ببنود الاتفاق وعدم التراجع عنه في المستقبل.
-
إنشاء هيئة مستقلة لجذب الاستثمارات للإعمار والتنمية في غزة بإدارة دولية مدنية، إلى جانب هيئة دولية منفصلة لإدارة وتوزيع المنح الحكومية الدولية ومساهمة القطاع الخاص. تشير اللغة المستخدمة في وصف هذه الهيئات المستقلة إلى تعامل المقترح مع غزة على أنها جزء من شركة مملوكة لمجلس إدارة متعدد الجنسيات، الأمر الذي يشير بشكل غير مباشر إلى فكرة ترامب حول إنشاء منتجعات سياحية وملاعب جولف تستقطب أصحاب الأموال من العالم لزيارة غزة كمنتجع سياحي للرفاه مماثلا لفكرة مشروع الريفيرا.
-
إطلاق "وحدة حماية حقوق الملكية المدنية" للحفاظ على ممتلكات الغزيين وضمان حق الاحتفاظ بالأملاك في حال التهجير "الطوعي"، ورفض الخطة لأي سياق تهجير قسري. وهنا تشير التقارير إلى فتح ودعم مسارات التهجير الطوعي لدول داعمة ستقدم برامج دعم اجتماعي واقتصادي لمن يرغب من أهل غزة بالخروج. والغائب في بنود هذه الإجراءات هي الآليات التي ستدعم حق العودة وغياب الضمانات العسكرية لعدم استمرار احتلال الأراضي في غزة.
السرديات والنقاشات
تشير مختلف التقارير الإعلامية إلى أن الخطة تعرضت لانتقادات داخلية من "إسرائيل" سواء من الحكومة أو الأطراف اليمينية المتشددة لاعتبارها حلا يشمل لاحقا تسليم غزة للسلطة الفلسطينية وفتح الطريق لدولة فلسطينية، بينما تحفظت أطراف فلسطينية (من حماس والسلطة) لأنها صيغت دون مشاركة مباشرة أو استفتاء.
-
الأطراف العربية دعمت الخطة بشكل مشروط بوجود "مسار لا رجعة فيه نحو الدولة الفلسطينية" والوعد بإصلاحات حقيقية للمؤسسات الفلسطينية.
-
حرص بلير على إبقاء القناة مفتوحة مع قطر ومصر لمحاولة الضغط على حماس بعد تعثر المفاوضات إثر تصعيد عسكري إسرائيلي ضد بعض قادة حماس بالخارج، وأكدت المصادر الدبلوماسية الإسرائيلية أن الوقت المتاح لتنفيذ الخطة قصير جدا "أيام لا أسابيع".
اقتباسات لنصوص رئيسية من الوثائق والتسريبات
"ستكون سلطة غزة الدولية الانتقالية الهيئة السياسية والقانونية العليا في القطاع خلال الفترة الانتقالية بدءا من قرار أممي من مجلس الأمن. يشمل مجلسها ممثل فلسطيني، ومسؤولا أمميا رفيعا، ومجموعة من الشخصيات من ذوي الخبرة التنفيذية أو المالية، ونسبة ملحوظة من الأعضاء المسلمين لتعزيز الشرعية الإقليمية والثقافية".
"سيتميز عمل السلطة التنفيذية الفلسطينية بخدمة السكان من خلال إدارة مهنية وتقنية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، بقيادة مدير تنفيذي يتم تعيينه بإشراف مجلس سلطة غزة الدولية الانتقالية".
"سيتم تسليم إدارة غزة بشكل تدريجي إلى السلطة الفلسطينية بمجرد نجاح الإصلاحات وتحقيق الاستقرار، ولن يتم تحديد جدول زمني نهائي بل سيتم ذلك بناء على الأداء والتطورات الميدانية".
"تأسيس وحدة لحماية حقوق الملكية لصيانة أملاك ومصالح سكان غزة، والإقرار بعدم حدوث أي تهجير إجباري أو تفريط في حق العودة".
المصادر والمراجع:
-
https://www.middleeasteye.net/news/tony-blair-proposed-chief-gaza-transitional-authority-reports-say
-
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/09/25/could-tony-blair-run-gaza
-
https://www.standard.co.uk/news/world/tony-blair-govern-gaza-un-us-trump-b1249923.html
-
https://unispal.un.org/pdfs/9B01BEA9C56C7B3D85257D7000662238.pdf
-
https://www.ft.com/content/938ff3cb-f073-41e1-bb5c-381c79adff13