الأردنيون يوظفون السخرية على مواقع التواصل لانتقاد واقعهم
بقلم: حازم الخالدي
أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال للمواطنين للتعبير عن آرائهم عن طريق الدعابة والسخرية من الواقع السياسي والاجتماعي وبالذات ما يتعلق بأداء الطبقة السياسية والاجتماعية.
تجد المواطنة أمل عوني في مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة ومساحة كبيرة للتعبير عن الواقع والظروف المعيشية التي يعاني منها الوطن، فقد تجاوزت المواقع المخصصة للسخرية القنوات الإعلامية واليوتيوب والصحف، وما يتعلق بالفنون مثل الكاريكاتير والمسرح وفن الدمى، حتى أصبح للمواطن وسيلته الخاصة التي يعبر فيها عن نفسه.
ومع أن الشعب الأردني يميل إلى الجدية في تعاملاته، كما تقول، لكن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يجد أن روح الدعابة لا تغيب عنه، وظهرت في كثير من الأحداث والمواقف التي مر بها الأردن وشكلت حالة من الرفض للواقع، وتسترجع بذلك حادثة غرق عمان أثناء تدفق الأمطار بغزارة قبل سنوات، مما أظهر وجود عيوب في البنية التحتية وعدم استعداد المؤسسات لمواجهة المنخفضات القوية،"فرأينا في ذلك الوقت رسوما لسفن وأشكال متعددة على مواقع التواصل تعبر عن حالة الرفض للإجراءات الحكومية في التعامل مع المنخفض".
وتصف تلك الحالة بأنها نوع من أنواع المقاومة والرفض للواقع الأليم وللضغوط الاجتماعية وتعبير عن التمرد على ما يجرى.
وتضيف.. عندما شعر المواطنون بوجود فراغ في حياتهم أثناء إقامتهم في المنزل خلال عام 2020 بسبب وباء كورونا، كانوا ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وفرت الظروف قدرا كبيرا من الترفيه، وتوقفوا خلالها عند الكثير من الأحداث، التي تم فيها توظيف الكوميديا والنكتة للسخرية من الواقع، وتوقفوا عند مفردات شكلت تحولا في مسار حالات الكورونا في الأردن، مثل عرس إربد، وسائق الخناصري، "الفيروس نشف ومات"، "وتشبيه الفيروس بـ "الضبع" وكذلك كانت الانتخابات النيابية التي استهجن فيها الناس أن تُجرى في ظل جائحة كورونا، وارتفاع أعداد الإصابات إلى مستويات غير مسبوقة.
امتلأت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن صرح وزير الصحة آنذاك الدكتور سعد جابر، بتاريخ 29 حزيران عام 2020 بأن فيروس كورونا "نشف ومات " في الأردن، الأمر الذي دفع الكثيرون للتعليق على هذه الخبر، فظهرت على تويتر تغريدات منها: "لا قتيبة هاجر، ولا الفيروس نشف ومات، ولا الضبع طلع"، و "طالما الفيروس نشف ومات.. خلينا نعمل عرس جماعي"..
ظل فيروس كورونا مادة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر الدعابة وروح النكتة بين الناس، وتخفف عنهم ضغوطات العزلة والحظر ، وخاصة مع انتشار المرض بصورة متسارعة وتضارب الأخبار المتعلقة به، إذ يغرد أحد الأشخاص بهذا الاتجاه معلقًا: " احنا طلعنا نكت في الأردن على فيروس كورونا أكثر من عدد المصابين في العالم".
و مع أن الشعب الأردني يميل إلى الجدية، إلا أن روح الدعابة لا تغيب عنه في أي حدث غريب وبعيد عن الواقع ويمس حياته وظروفه المعيشية، فلم تتوقف التعليقات قبل أيام حول ما أثير في مجلس النواب عن الرواتب الخيالية التي يتقاضها العاملون في مجال الطاقة ومصفاة البترول وغيرها من الرواتب لتعيينات أبناء المسؤولين، ولحقها تعيين مدراء في مؤسسات حكومة كانوا يظهرون كمعارضين للسياسات الحكومية.
تؤكد أستاذة علم الاجتماع الإعلامي والاتصال في الجامعة الأردنية، الدكتورة ميساء رواشدة، أن الواقع المعيشي الذي يعاني منه المواطن الأردني جعله يتجه إلى "النكتة"، أو ما يسمى "الكوميديا السوداء" التي أصبحت أسلوبا ونمطا اجتماعيا لإيصال رسالة إلى المسؤولين أو المعنيين.
وتعتبر أن توصيل الرسائل بهذه الطريقة يثبت أن الشعب الأردني ذكي، لأن مثل هذه الأساليب تعفيه من المساءلة، وخاصة أن المسؤولين لا يتقبلون النقد، ويستطيع أن يقدم أفكاره بحرية، مؤكدة في هذا السياق على أهمية ممارسة الحريات في إطار من المسؤولية الاجتماعية.
و ترى أن مثل هذه الاتجاهات تنتشر بسرعة كثقافة مجتمع وبالذات مع الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها الناس، حيث يتم تسخير الأفكار والمعلومات من خلال النكتة، مبينة ما حصل أثناء المظاهرات اليومية ضد حكومة الملقي على الدوار الرابع، فكل كان يعبر عن غضبه بطريقته سواء من خلال النكتة أو الغناء أو الأناشيد أو المسرح، وهذه أساليب يجب عدم الاستهانة بها، فهي تأخذ صداها بسرعة إلى الرأي العام.
و تشير إلى انتشار الكوميديا السوداء بصورة كبيرة مع الأزمات والأحداث والقضايا الملفتة التي يعاني منها المواطن، وظهرت هذه الظاهرة في مجتمعات عربية ،والان أصبح الاردن من الدول التي يلجأ فيها المواطن إلى هذا الأسلوب بفعل الظروف المعيشية.
تفوقت بعض الشعوب وبالذات في المنطقة العربية عن غيرها في التعبير عن نفسها من خلال السخرية، التي تنشط في الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها الناس، وتفردت بها، في هذه المرحلة انتقلت العدوى إلى الكثير من الشعوب العربية التي تمر بظروف مشابهة، ويظهر في هذه المرحلة المجتمع الأردني الذي أصبح يميل إلى اتجاهات أخرى تقوده إلى التغيير، "وفعلا ما يطرح على مواقع التواصل الاجتماعي من نكت وسخرية يدل بوضوح على تغير في المجتمع الأردني، وتغير في نمط تفكيره واتجاهاته"، كما يقول مستشار وزير الثقافة ومساعد الأمين العام الدكتور أحمد راشد.
ويقول الدكتور راشد "لقد أصبح الشعب الأردني صاحب نكتة"، فهو يعبر عما يدور في ذهنه من أفكار وآراء للواقع المعيشي الذي يعاني منه بروح النكتة، لافتا إلى أنها أكثر دلالة وعمقا في إيصال الرسالة، التي لا يستطيع إيصالها إلى المعنيين بطريقة مباشرة.
و حتى لا تتجه السخرية إلى اتجاهات سلبية، ينصح الدكتور راشد، أن يعبِّر المواطن عن آرائه بوعي ومسؤولية بحيث يكون أكثر نضجا في تناوله للقضايا المطروحة على الساحة، وينبغي للمعنيين أن لا يستهينوا بالتعبيرات التي يعبر عنها عامة الشعب لأنها قد تدلل على رفض للواقع بطريقة ساخرة.
عندما يعبِّر المواطنون عن همومهم وأحزانهم وحالة القلق التي يعانون منها، بأسلوب الدعابة والنكتة الساخرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، فهم يريدون إيصال رسالة، يقولون فيها "شر البلية ما يضحك".