قانوني، كاتب
الإصلاح السياسي الذي نريد
على الرغم من الجو السلبي الذي يخيم على المشهد السياسي الأردني وحالة الإحباط التي تضرب القواعد الشعبية والنخب السياسيةـ إلا أن تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ستكون فرصة حقيقية للقيام بتحول سياسي يكون بداية الطريق في الإصلاح على كل الأصعدة الإقتصادية والإدارية والاجتماعية، وإزالة حالة الاحتقان تمهيدا لحالة الشفاء السياسي، لكن ما هي معالم الإصلاح السياسي الذي نريد؟
نورد هنا خطوط عامة دون الإغراق في التفاصيل التي تحتاج سلسلة طويلة من المقالات.
-
الإصلاح في الدستور
قد يكون الإصلاح الدستوري هو أبو الإصلاح التشريعي، إذ أنه بالدستور يحدد الشكل العام لنظام الحكم وهنا نحتاج إلى مجموعة من الإصلاحات الدستورية أهمها: -
- تحصين مجلس النواب من الحل، إذ أن سلطة حل المجلس حاليا في الفقرة الأخيرة من المادة 34 سلطة مطلقة بيد الملك ،وإن كان العرف في العهد الملكي الجديد في غالبه يميل إلى أن يكمل المجلس مدته الدستورية، فإن النص على هذا العرف ودسترته بذكر أسباب الحل على سبيل الحصر، سيسهم في استقرار الحياة السياسية وتعزيز الثقة الشعبية في العملية الانتخابية ، كأن يحل المجلس في حالات محددة على سبيل المثال، بأن يتخذ المجلس قرارا بحل نفسه ، أو إذا كان برلمانا معلقا عجز عن تشكيل الحكومة البرلمانية ، أو منح سلطة تقديرية للملك، في حالة رؤية الملك أن البلاد تمر في حالة استعصاء سياسي .
- تحويل شكل الحكم في الأردن إلى الحكومة البرلمانية بتعديل نص المادة 36 من الدستور الأردني بالنص على أن يكلف الملك التجمع أو تحالف الأغلبية تحت القبة من تشكيل الحكومة البرلمانية، إذ أن الحكومة البرلمانية لا يمكن أن توصف أنها حكومة برلمانية إلا إذا كلف رئيس التحالف الأكبر داخل المجلس من تشكيل الحكومة أو من يرشحه هذا التحالف، ضرورة أن تأتي الحكومة البرلمانية مولودة من رحم البرلمان ليتحقق لها ، تحصين الحكومات من ضغط اللوبيات داخل الدولة سواء كانت لوبيات مصالح أو رجال أعمال أو مصالح جهوية أو مناطقية، إذ أن الأغلبية الشعبية تعطي شرعية قوية للحكومة في مواجهة كل لوبيات الضغط التي يمكن أن تبتز الحكومات غير البرلمانية بحثا عن مصالحها ونفوذها غير الشرعي ، كما أن وجود حزام وأغلبية برلمانية للحكومة يوفر لها الغطاء التشريعي الذي يساعدها على إجراء كل الإصلاحات التي تقوم بها.
- تعديل النص الدستوري الذي يمنع محاكمة الوزراء أمام المحاكم النظامية إلا بعد الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة لمجلس النواب، وحصر هذه الحماية فقط للوزير أثناء عمله منعا للمناكفات السياسية الرخيصة، أما بعد انتهاء عمله يكون بالإمكان محاكمة الوزير عن كل الأعمال والجرائم التي ارتكبها دون الحاجة إلى موافقة من مجلس النواب، وفي ذلك تفعيل لدور السلطة القضائية على جرائم الوزير وجعل الوزراء أكثر حذرا في ارتكاب المخالفات والجرائم أثناء ممارسة السلطة وجعل غنم السلطة بغرم المساءلة.
- تعديل النصوص المتعلقة بالغرفة الثانية في مجلس الأمة (مجلس الأعيان)، وتحويله إلى مجلس شيوخ منتخب ضمن اشتراطات معينة، وإن تعذر ذلك في المرحلة الحالية وأن يتم خفض أعضاء مجلس الأعيان بصيغته الحالية إلى أقل من ربع أعضاء مجلس النواب حتى لا يكون سلطة معطلة لقرارات مجلس النواب المنتخب.
-
الإصلاح في قانون الانتخاب البرلماني
قانون الانتخاب هو الرحم الذي تتولد منه الحياة السياسية الراشدة ، فإن كان القانون الانتخابي قانونا عادلا يمثل المجتمع ،كنا أمام حياة سياسية راشدة. وإن كان القانون قائما على المحاصصة الدينية والعرقية والأصل والمنبت وعلى أساس الهوية الجندرية أو الجنسانية ،كنا أمام تشوهات في الحياة السياسية تقود إلى فشل مؤسسة التشريع ،وبالنهاية فشل الدولة، إذ يمكن أن يكون لدينا قانون إنتخاب عادل إذا أخذنا بالمعايير الدولية في وضع القانون الانتخابي: -
- معيار التنمية: ثلث أعضاء المجلس المنتخب، بحيث يتم تقسيم مقاعد هذا الثلث بتساوي لكل المحافظات بالمملكة، ليكون لمدن الأطراف الأقل حظا ذات النصيب لمدن المركز، بغض النظر عن الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية، على أن يكون الانتخاب في هذا الثلث وفقا لنظام المقاعد الفردية، لضمان تصعيد نواب أصحاب اهتمام في سن التشريعات التي تسهم في جر الخدمات والتنمية وتوزيعها على مدن الأطراف الذين يملكون تفاصيل الخدمات الأساسية المترهلة في المدن الأقل حظا، على أن يتم تجريم الانتخابات الفرعية في العشائر والتجمعات الجهوية قبل الذهاب إلى صناديق الانتخاب كما تم ذلك في دولة الكويت .
- معيار الجغرافيا: ثلث أعضاء مجلس المنتخب، بحيث يتم تقسيم مقاعد هذا المجلس على جميع محافظات المملكة بالتساوي دون النظر للكثافة السكانية في كل محافظة ،وتطبيق هذا المعيار يحافظ على الهوية الوطنية خاصة في ظل الوضع السياسي القائم في الأردن ، إلا أنه يلزم أن يكون هذا الثلث منتخب على أساس القوائم الحزبية المفتوحة وعلى أساس حزبي لضمان تصعيد نخب الرقابة والتشريع من كل المحافظات .
- معيار الديمغرافيا :- ثلث أعضاء المجلس المنتخب بحيث يتم جعل هذا الثلث على مستوى المملكة دائرة واحدة ، وفي ذلك مراعاة لمعيار الديمغرافيا والكثافة السكانية وأثرها في تشكيل مجلس النواب ، وفي هذه الدائرة يتم تصعيد النخب السياسية التي لا تملك بعدا عشائريا أو جهويا ، ويضمن أن تقدم الأحزاب أفضل نخبها السياسية التي تكون عاجزة عن الوصل إلى قبة البرلمان لأسباب جغرافية وتنموية ، على أن يكون الانتخاب في تلك القوائم على نظام النسبية المغلقة بحيث يتم التصويت فقط للكتلة وبرنامجها السياسي لا للأشخاص ، ويصعد من الكتلة حسب الترتيب الرقمي في الكتلة .
-
اصلاح العمل الحزبي
العمل الحزبي : حجر الأساس في الإصلاح السياسي، وحتى يصلح العمل الحزبي يجب تحويله من حالة نضال من أجل خلق الحياة السياسية إلى حالة مشاركة من أجل الوصول إلى السلطة، وكذلك تحويل العمل الحزبي من حالة غرم واضطهاد حكومي إلى حالة غنم والوصول إلى قيادة المناصب الحكومية .
في الأردن لدينا ما يقارب من خمسين حزبا وينتمي اليها قرابة 55 ألف شخص إلا أنها أحزاب غير مؤثرة في الشأن العام بسبب ما قامت به الحكومات المتعاقبة من تهميش للعمل الحزبي ومعاقبته واضطهاده وتحويل العشائر إلى كيانات سياسية مؤقتة تمارس العمل السياسي في المواسم الانتخابية ، حتى نصلح الحياة الحزبية ونفعل دورها في الشأن العام علينا القيام بالتالي: -
- جعل ثلثي المقاعد البرلمانية كما تم توضيحه في اصلاح قانون الانتخاب وفقا للقوائم الحزبية
- منع الأحزاب التي تتشكل على أسس دينية أو طائفية أو عرقية أو على أسس جندرية أو جنسانية
- رفع الحد الأدنى لترخيص الأحزاب بانتساب ما لا يقل عن 20 ألف عضو، مع أن تحويل العمل الحزبي من غرم إلى غنم واعتباره بوابة العمل السياسي سوف يدفع الشباب وكل مهتم بالعمل العام تحت دافع إيجاد الذات إلى الولوج إلى العمل الحزبي دون الحاجة إلى التشجيع والتحفيز.
- اعتبار المقعد في البرلمان هو مقعد للحزب وليس للعضو الفائز وأن العضو الذي يصل للحزب يفقد مقعده في البرلمان بمجرد فقدان عضويته في الحزب .
- عدم السماح للعضو الحزبي الترشح على قوائم الأحزاب أو بناء تحالفات حزبية إلا بعد أخذ الموافقة الخطية على ذلك من الأمين العام للحزب الذي ينتمي اليه.
- تجريم أي عمل يحرم الحزبي من حقوقه المدنية وخصوصا الوظائف العامة بسبب انتمائه الحزبي.
-
في تمكين المرأة والشباب
قد يكون أسلوب المحاصصة ووضع الكوتات البرلمانية من أجل تمكين المرأة والشباب من أقل الأساليب فعالية في استخراج الكفاءات الشبابية والنسوية.
الخطوة الأولى لتمكين المرأة إذا اعتبرنا أن الحزب هو البوابة الرئيسية للعمل السياسي والبرلماني هو اشتراط ترخيص الحزب بانتماء ما لا يقل عن ربعه من العنصر النسائي وما لا يقل عن ربعه الآخر من العنصر الشبابي الذي لا تزيد أعمارهم عن 40 عاما، واشتراط لقبول القوائم الحزبية للترشح أن يكون ما لا يقل عن نصفها من الشباب والمرأة.
بمثل ذلك ندعم وصول المرأة والشباب الكفؤ دون محاصصة ولا كوتات، ونضمن رفد الأحزاب بالكفاءات النسوية بالتدافع والحراك داخل الأحزاب وبذات الوقت نغذي الأحزاب بيوت الخبرات السياسية بالشباب وقادة المستقبل.
وللحديث بقية