كتب الأطفال حول التنوع والاختلاف.. قراءات بعيون عربية في بعض ما يصدره الغرب
بقلم: ليث أبو نواس
على مدار العصور وقيام المجتمعات الإنسانية واندثارها، تطورت المعرفة الإنسانية في مختلف المناطق والأقاليم بشكل متفاوت، وتناقلت الأجيال مخرجات الحضارة على شكل معرفة إنسانية وثقافة أصبحت تمثل كل أمة وتميزها عن غيرها، وهذا التميز لا ينفي وجود بعض مناطق التشابه بين مختلف الأمم في جوانب معينة، ولا يخفى على أحد أن هذا يمثل أحد القواعد الطبيعية وسنن الكون، والتي بالمنظور الإسلامي تجسد حكمة الخالق وسنته في جعل هذا الاختلاف سببا في تقارب الناس ودافعا لهم لتبادل هذه المعارف، بحيث أوجدت الأمم والقبائل بمختلف مخرجاتها من أجل التبادل فيما بينها وما ينتج من معاملات ومعاهدات أو حتى خلافات وحروب، لتجعل عجلة الدنيا في دوران مستمر حتى يشاء الله فيزول كل ذلك الأمر، فيحكم الله بين الناس فيما كانوا فيه مختلفون.
وبناء على ما سبق، فإن الباحث عن معاني التنوع وجوانبه بين الأمم، يجد أن المصطلح تطور بتطور الاختلاف ليشمل جوانب متعددة، حتى بدأت علوم اللغة تشير الى تعريف معين لكلمة تنوع بناء على السياق المستخدم في جانب من جوانب الحياة.
هل مفهوم التنوع واحد بين المجتمعات واللغات؟
الواضح بعد البحث في مختلف معاجم اللغة سواء العربية أو الإنجليزية فإن مصطلح التنوع يحمل أبعادا مختلفة يحكمها السياق التي تستخدم فيه الكلمة، ولكن تجتمع المعاجم بأن التنوع يُذكر لإثبات تعدد الشيء أو تعدد أنواعه أو للإقرار بوجود الاختلاف.
ومن هنا فإن تعريف كلمة التنوع بتجرد من السياق لا يخدم المعرفة، بل يجب أن يذكر التنوع ضمن السياق حتى يتضح الهدف منه، ولذلك وفي هذا المقال فإن التنوع المذكور محصور في الجانب الاجتماعي الثقافي، وعليه فإن التنوع قد يحتمل شقين من التعريف بناء على المنطلق الثقافي؛ ففي الثقافة الغربية وعند الرجوع للمراجع الإنجليزية، نجد التنوع يعرف في سياق المجتمع أو الأفراد للإقرار بوجود الاختلاف في الأديان، والعرقيات، والخلفيات الثقافية والاجتماعية والقبلية، ويضاف اليها أيضا الميول الجنسي.
أما من منطلق الثقافة العربية الإسلامية، فعند الرجوع الى القرآن الكريم، نجد أن التنوع قد ذكر في مواطن إقرار الاختلاف على سبيل المثال لا الحصر كما في اللون، الديانة، الأعراق والقبائل، اللغات والجنس عند الولادة سواء الذكر أو الأنثى. ولكن ولأن القرآن الكريم وحدة واحدة لا يؤخذ منه جزء دون النظر إليه كاملا، يجب أن يتم إيضاح أن الاختلافات السابقة ذكرت مقترنه بضوابط تحكم هذا الاختلاف، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذكرت التقوى معيارا للمفاضلة بين الناس عند الله بغض النظر عن أي اختلاف في اللون أو اللغة أو العرق أو الجنس. وكذلك ذكر في القرآن ضوابط الاختلاف في الديانات، فليس كل الديانات دون الإسلام تعامل بالمثل، فمنها ما وصف بالذمي ومنها ما وصف بالشرك والكفر دون إقرارها كدين، وما الى ذلك من ضوابط لا يتسع المجال للحديث عنها في هذا المقال.
أما الميول الجنسي فلم يقر على أنه جانب من جوانب التنوع في الثقافة العربية الإسلامية؛ ذلك أن المنظور الإسلامي يقر نوعا واحدا وهو بين الذكر والأنثى، وما دون ذلك من ميول يعتبر من الشذوذ المنكر، والذي ورد فيها قصص للموعظة والتحذير من مسار المعذبين من الأمم السابقة.
إذا كيف ننظر إلى ترجمة كتاب يتحدث عن التنوع مستورد من ثقافة غير إسلامية؟
بناء على السابق، حاولت تمهيد الطريق لاستقرار فكرة عدم توافق المنطلقات الثقافية التي تحدد أبعاد التنوع بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، وبالتالي عندما يتم استيراد نتاج معرفي غربي يجب أن يتم مراعاة هذه الضوابط والأبعاد التي تحملها الثقافة الغربية ضمنيا، ومعالجتها بطريقة مهنية بما يتوافق مع الأبعاد التي تقرها الثقافة العربية الإسلامية، وحتى أذكر ذلك صراحة، فان عدم التوافق يكمن في الإقرار بالميول الجنسي كتنوع.
ومنه فلا يجوز إسقاط كلمة التنوع من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية دون تدبر ودون الإشارة إلى مواطن عدم الاتفاق، وما تحمله ضمنيا قبول وجود أكثر من نوع من أنواع الميول الجنسي التي لا يقرها المجتمع العربي، فإما أن يتم حذفها من الترجمة لما لا توافق لها وإما أن يتم ذكرها ولكن بوصفها جزءا من الثقافة الغربية التي لا تنطبق في مجتمعاتنا الإسلامية العربية، وذكر توجه المجتمع العربي تجاه هذه القضية.
وهذا على ما يبدو هو ما أثار اللبس والعبث عندما تم نشر ترجمة الكتاب الأسباني "دايفرسداد" أو "التنوع" للغة العربية، حيث أن الكتاب الاسباني موجه للأطفال بعنوان التنوع وذكر جوانب من التنوع لتمهد لعقول الأطفال تقبل الآخر والاختلاف بما يتوافق مع تعريف الثقافة الغربية لقبول التنوع والاختلاف.
ومن هذه الجوانب التي طرحها الكتاب جانب الميول الجنسي، حيث ظهر في جزئين من الكتاب فكرة قبول أن العائلة تتكون من أب و أب ذكور، أو أم و أم اناث وهو للدلالة على الميول لنفس الجنس.
اقرأ المزيد: وسط موجة الترويج العالمي للشذوذ الجنسي.. استهتار حكومي وقلق مجتمعي وغياب للرقابة
ففي الكتاب الأسباني تم ذكر أن العائلة من الممكن أن تتكون من أم وأم إناث وهذا ما ذكر في الصورة التي توضحه وجود أم وأم وطفلة صغيرة كعائلة واحدة وهذا فيه إشارة ضمنية للعلاقات من نفس الجنس.
وكذلك التصوير أن تتكون العائلة من أب وأب ذكور وفيها صورة الطفل الصغير الذكر يقود الدراجة الهوائية برفقة كلا من الأبوين الذكور.
أما الترجمة العربية في الطبعات والنسخ الأولى من الكتاب حاولت إسقاط التوجه الغربي لمفهوم التنوع على اللغة العربية دون أن يراعي المترجم مواطن عدم الاتفاق بين الثقافات؛ حيث تم إعادة عنونة الأجزاء وتحويلها من نصها الأصلي "أم وأم إناث" إلى كلمة "العائلة"، و "أب وأب ذكور" إلى كلمة "الأبوان" مع إبقاء الصور كما هي، وهذا فيه نوع من عدم المهنية والاستهزاء بعقول الأطفال، ذلك أن الطفل يستطيع أن ينظر إلى الصور التي تحتل الجزء الأكبر من المحتوى المعروض وبألوان جاذبة تم تصميمها لتخاطب عقل الطفل بهدف تطبيع صورة تقبل وجود العائلات من نفس الجنس كنوع من التنوع، بحيث تسلط الضوء أكثر على أن العائلة ليست محصورة فقط على أب ذكر وأم أنثى وأطفال ذكورا وإناث.
وكذلك ورد ذكر قضية ألوان المثلية كما نقلته صحيفة الشرق في عام 2020 عن الكتاب ومن المقال أقتبس "في صفحة أخرى من الكتاب يظهر أطفال في أعمار تتراوح بين سنتين إلى 10 سنوات وهم يرسمون بألوان قوس قزح علم المثليين، حيث تحولت تلك الألوان الجاذبة إلى شعار هؤلاء المرضى، ومما يؤكد قولنا أن الألوان التي تم اختيارها في الصورة هي ذاتها الألوان التي يستخدمها المثليون في شعارهم، والتي تقلصت من ثمانية ألوان إلى ستة، وهو توجه غربي بامتياز تم استنباطه فنيا ليتوغل في جسد المجتمع الغربي ويفتك بشبابه وبناته، ويبدو من خلال هذا الإصدار التربوي المشوه أن ثمة مخططا لنقل الظاهرة المرضية الغريبة عن المجتمع ونشرها عن طريق اللغة والألوان ليتحول الكتاب من خير جليس إلى قنبلة موقوتة داخل الأسرة، والمجتمع المدرسي".
الكتاب اليوم
المؤسف، أنه وبعد عامين أو أكثر من انتشار المقالات حول الكتاب وفي نقاش برنامج صوتك حر الصباحي حول الكتاب بنسخته القديمة التي ما زالت متوافرة في بعض المكتبات الأردنية، حاول الناشر ممارسة أسلوب خداع العقول والمراوغة في بيان مواطن اللبس وعدم التوافق مع الثقافة العربية، بل توجه إلى اتهام المجتمع بالحساسية الزائدة تجاه قضايا المثلية الجنسية وأن الصور القديمة أسيء فهمها وتأويلها من البالغين، فقد تعني الصورة وجود الطفل مع أمه وأحد أقاربه الإناث كالأخت أو العمة أو الخالة أو الجدة، وكذلك في صورة الطفل يقود الدراجة الهوائية مع والده ومع أحد أصدقاء والده أو عمه أو أحد أقاربه الذكور. وهذا التبرير ما هو إلا ترهات لا محل لها سوى الاستخفاف بعقول المستمعين ومحاولة لإنكار الأخطاء الحاصلة، وذلك ما تم بيانه في هذا المقال بعد العودة إلى الصور الأصلية والغاية الأساس من التصميم.
يجدر الإشارة وما يزيد الاستغراب والاستنكار لمراوغة الناشر في حديثة الصباحي؛ أن الكتاب المترجم في النسخة المعدلة الحديثة، تم الانتباه ومراعاة النقاط المتعلقة بالصور فأصبحت الصفحات التي ذكرت سابقا في الترجمة العربية كما في الآتي:
لماذا نستورد المعرفة عن التنوع من هذا الكتاب؟ وأين النتاج العربي الإسلامي؟
وهذا التساؤل واجب، حيث أنه وبعد البحث عن مراجعات الكتاب في بعض المواقع مثل موقع Goodreads أجد أن الكتاب لم يحصل على أي جوائز بعينها، ولم ينل أيضا إجماع القراء على أنه يحتوي على رسائل ذات معنى فريد، فالكتاب حاصل على تقييم عادي 4.1 من أصل 5 وعدد قراءات قليل، وعلى موقع أمازون تجد هناك 3 تقييمات فقط ويحتل الكتاب مركز 17986 ضمن كتب الأطفال متعددة الثقافات ومركز 243 ألف في الكتب باللغة الأسبانية، بل إن الكتاب لم يذكر ضمن مراجعات أفضل كتب الأطفال التي تتحدث عن التنوع في أحد المواقع العالمية، بل وأين هي دور النشر العربية في إنتاج قصص وكتب من منطلق ثقافي إسلامي تخاطب عقول الأطفال حول مفهوم التنوع في المجتمع وتعزز الهوية الإسلامية بعيدا عما يستورد من الخارج؟