الاستثمارات المهدورة في قطاع المياه مسؤولية من؟

الصورة
مشروع ناقل البحرين
مشروع ناقل البحرين
المصدر

يعتبر الأردن من أكبر الدول حصولا على الدعم المالي في قطاع المياه والصرف الصحي من  الدول المانحة، كما أن هذا القطاع استحوذ على معظم المنح والقروض في الأعوام الأخيرة؛ فحسب بيانات وزارة التخطيط لعام 2021، فقد استحوذ هذا القطاع على 38.5% من المنح، بينما استحوذ على 72% من القروض، أي أن حجم الاستثمارات في هذا القطاع تجاوز المليار دولار سنويا. 

هذا الحجم الكبير من الاستثمارات يعاني من غياب التخطيط الشمولي والمستدام، مما أدى إلى ضياع أو هدر الجزء الكبير من هذه الاستثمارات، سواء في الدراسات أو في المشاريع التي تم تنفيذها أو في إحداث الأثر المرجو منها. هذا الهدر واضح في الكم من الدراسات التي تم تنفيذها من هذه الأموال ثم وضعت على الرفوف، ولم يتم تنفيذها لدرجه أن بعض هذه الدراسات والتصاميم تم تكرارها لنفس المنطقة أو الموضوع عدة مرات وفي كل مرة من جهة مانحة مختلفة.

مشروع ناقل البحرين

ولتوضيح الصورة أكثر فلنأخذ أحد المشاريع الاستراتيجية، وهو مشروع ناقل البحرين، الذي تم طرحه من قبل الوزارة لحل العجز المائي في الأردن ولمعالجة إشكالية انخفاض منسوب المياه في البحر الميت، والذي تسببت به دولة الاحتلال جراء تحويل مياه نهر الأردن والذي تغاضى عنه الأردن في اتفاقية المياه مع دولة الاحتلال.

هذا المشروع تم دراسته بشكل تفصيلي وتم وضع التصاميم النهائية له، لكن لم يتم تنفيذه لأسباب عدة أهمها غياب التخطيط الشمولي الذي يأخذ بالحسبان كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية، مما تسبب في ضياع ملايين الدولارات التي تم إنفاقها على هذا المشروع ووضعه على الرف، ومن ثم استبداله بمشروع آخر هو الناقل الوطني الذي سيكلف 2 مليار دولار.

مثال آخر مشروع محطة تنقية جنوب عمان التي تخدم ما يزيد عن 200 ألف شخص حيث تم إنشاء المحطة وتشغيلها في عام 2015 بتكلفة زادت عن 121 مليون دولار، ساهمت الحكومة الكورية في معظم التمويل، هذا المشروع وبعد بضع سنوات تشغيلية بدأ يعاني من مشاكل عديدة أدت إلى تردي نوعية المياه المعالجة بسبب أخطاء في التصميم وأخطاء في التشغيل، مما أدى إلى قيام الوزارة والدول المانحة بعمل دراسات جديدة لإعادة تأهيل المحطة من جديد بعد بضع سنوات من تشغيلها، حيث بيّنت الدراسات التقييمية للمحطة أنها بحاجة إلى عمل تعديلات جوهرية في المحطة ستكلف ما يزيد عن 60 مليون دولار إضافية.

فكثير من هذه المشاريع المكلفة في هذا القطاع تعاني أما من أخطاء تصميمية أو أخطاء تشغيلية تؤدي إلى عدم استدامة هذه المشاريع وحاجتها إلى إعادة التأهيل قبل انتهاء العمر التشغيلي لها وضياع الملايين من أموال المنح أو القروض بسبب غياب التخطيط الشمولي المستدام وغياب الرقابة على تنفيذ هذه المشاريع وتوفير الكوادر المؤهلة لتشغيل هذه المنشآت وإدامتها بشكل صحيح.

غياب التنسيق بين المؤسسات

من جهة أخرى لقد ساهم توزع هذه الاستثمارات بين عدة مؤسسات يغيب عنها التنسيق خاصة في ظل توزع المسؤوليات عن هذا القطاع بين وزارة المياه وسلطة المياه وسلطة وادي الأردن بالإضافة إلى شركات المياه الحكومية مع وجود تقاطعات لهذه الاستثمارات مع كل من وزارة الزراعة ووزارة البيئة، هذه التركيبة المؤسسية ساهمت في بشكل كبير في ضعف وحتى في بعض الأحيان في غياب التخطيط الشمولي المستدام لهذه المشاريع.

أمر آخر مرتبط بتدخل الدول الممولة لهذه المشاريع في تحديد نوعية المشاريع وفي ظل غياب أولويات واضحة ومدروسة؛ دراسة تفصيلية من قبل المؤسسات المنضوية تحت وزارة المياه مما ساهم في تنفيذ مشاريع مرتبطة بمؤشرات شعبية تبحث عنها هذه الدول أكثر من الحاجة لهذه المشاريع مما أدى إلى وضع هذه الاستثمارات في أماكن لا تسهم في خدمة القطاع بسبب تكرارها أو غياب التمويل لتنفيذ هذه الدراسات.

كل ذلك يستدعي الحاجة الماسّة إلى وضع هذه الاستثمارات تحت مظلة تنسيقية واحدة ضمن خطة أولويات مدروسة يكمل بعضها بعضا، وإلا فسيستمر هدر هذه الاستثمارات.

وسيبقى السؤال، من المسؤول؟ ومن يراقب؟ ومن يحاسب؟

الأكثر قراءة
00:00:00