كاتب سياسي وباحث في الدراسات الإسلامية
هل ستؤجل الانتخابات النيابية في الأردن؟
لا أدري ما الذي أصاب بعض النخب السياسية في الأردن، ولا أعرف طبيعة الحساسية التي باتوا يعانون منها بشكل واضح في الأسابيع الأخيرة، ولا أكاد أفهم طبيعة المعلومات التي تعطى لهم وتدفعهم دفعا لافتا للنظر نحو كتابة مقالات أو تحليلات أشعرتنا جميعا أننا على حافة الهاوية السياسية وأننا قد فقدنا اتزاننا الدبلوماسي وبتنا في مهب الريح إن لم نتدارك الأمر، وجعلتنا نخشى كذلك من المستقبل المظلم الذي ينتظرنا كنتيجة حتمية لثمن "تهورنا" السياسي المتعلق بتداعيات الحرب على غزة! ولا أكاد أستوعب تلك الثنائية التي تم اصطناعها بين دعم المقاومة والخوف على مصالح الأردن أو الخوف والقلق الشديد الذي يروج له من نجاح وتفوق تيار سياسي معين في الانتخابات القادمة!
ما علاقة الانتخابات النيابية في الأردن بانتصار حماس؟
أن يقوم مركز دراسات أردني متخصص بنشر تحليل سياسي قبل أسبوعين عنوانه الرئيسي يتعلق بتخوف الأردن من خروج حماس منتصرة في هذه الحرب والتنظير بأن الدولة تخشى من زيادة شعبيتها خصوصا بين الأردنيين من أصول فلسطينية! والإشارة إلى التخوف كذلك من قيام قادة المقاومة بتحريض العشائر الأردنية على الدخول في الصراع ضد إسرائيل؛ وذلك بإشارة التقرير إلى أن رئيس المكتب السياسي للحركة حاول اللعب على ورقة العشائر الأردنية "بشكل خبيث" كما أشار التحليل، وتحريضها على الخروج على تعليمات الحكومة والأمن وزعزعة الاستقرار! وهو الأمر -كما أشار التقرير- الذي سيؤدي إلى زيادة شعبية الحركة الإسلامية، وبالتالي نجاحها في الانتخابات البرلمانية القادمة وتمكينها من حصد أصوات كبيرة تكتسح فيها الحركة الإسلامية مجلس النواب في أول انتخابات تجري حسب القانون الجديد الذي سنشهد فيه لأول مرة نواب أحزاب وليس نواب خدمات، وباتت المشكلة الوحيدة لدى صاحب "التحليل السياسي" والتي أرقته كثيرا تتعلق بنجاح تيار معين أو اكتساحه للأصوات في الانتخابات القادمة!
اللافت للنظر كذلك أن التقرير أعلاه كان يخشى بحرص من التهديد المبطن لأمريكا الذي تقوم به المقاومة، والذي يحمل في طياته تهديدا مبطنا لحليفها الأردن!
واستنتج التقرير بكل ذكاء أن مثل هذه التهديدات الكلامية وحملات التحريض اليومية في وسائل الإعلام وفي المسيرات والاعتصامات الجماهيرية ستجعل من أمريكا ومصالحها في الأردن خاصة القواعد العسكرية في جنوب الأردن أهدافا محتملة لعمليات حماس أو المؤيدين والمتعاطفين معها سواء من الفلسطينيين أو الأردنيين في الأردن، أو من حزب الله والحرس الثوري في جنوب سوريا، أو من الحوثيين في اليمن.
وأضاف التقرير إلى جانب تخوفه من نجاح الإسلاميين في الانتخابات القادمة على وقع أحداث غزة، تخوفا آخر يتعلق بتراجع المساعدات الأمريكية للأردن؛ نتيجة تماهي الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي، وثمة ملاحظة مهمة تتعلق بأن تلك الورقة "البحثية" لم تحاول أن تقدم حلولا حقيقية من أجل استقلال الأردن الاقتصادي لمحاولة التخلص التدريجي من أي تبعات اقتصادية تقيد الدولة، بل جعلت في منطلقاتها أننا سنبقى كما نحن في المدى القريب والبعيد!
رمزية الأكفان في التظاهرات.. هل تحتاج إلى تأويل!
ثم يطل علينا كاتب آخر يذكرنا جميعا بأننا لسنا في قندهار ولا في قُم، ولسنا في مدينة من مدن الاستقواء على الدولة والعروبة، وقد كنت أعتقد أنه سيتحدث عن قضية خطيرة تمس الأمن القومي أو الوطني أو أنه سيتحدث عن اكتشافه لخلية تجسس أو خلية تخريبية تعبث بحياة الناس أو اكتشافه لخيانة عظمى لا يعرفها أحد ولم يطلع عليها أحد قام هو باكتشافها باستخدام طرق الصحافة الاستقصائية! لكنه استنتج بذكاء في مقاله أن هنالك أولويات لدى فئة كبيرة من أبناء الوطن تتجاوز الأولويات الوطنية عن قصد وسوء نية! كل ذلك لأن مسيرة من المسيرات المؤيدة للمقاومة في عمان قامت خلالها مجموعة من النساء بارتداء الأكفان البيضاء أثارت غضب صاحبنا ودفعته لتخصيص مقال عن هذه الظاهرة الخطيرة التي فيها ابتزاز للدولة ومؤسساتها!
ولو تريث صاحبنا قليلا وبحث في الشبكة العنكبوتية لاكتشف بأن الذي حصل هو رسالة رمزية يقوم بها العديد من النشطاء حول العالم في مسيراتهم ومظاهراتهم يشيرون من خلالها إلى عدد الشهداء غير المعقول الذي دفعه أهل غزة ثمنا لصبرهم وتضحياتهم، ويبدو لي أن كاتب المقال بكل أسف لا يعلم أن المئات من المتظاهرين حول العالم قد قاموا بنفس الخطوة في أكبر عواصم أوروبا وأمام البيت الأبيض تعبيرا منهم عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وفي رسالة إعلامية منهم تشير إلى حجم الدماء والقتل الذي يجب أن يوقف، وتتسابق حينها وسائل الإعلام العالمية في نقل الخبر ويعتبرونه طريقة إعلامية مميزة في التعبير عن غضبهم، لا طريقة إلى عسكرة المسيرات ومحاكاة ميليشيات التيه والتشبه بعصابات "الكيف" كما يقول صاحبنا!
ويستنتج الكاتب الأغر في مقاله ضرورة مطالبة الدولة وبسرعة شديدة بلجم هذه الظاهرة التي تعمل بحسب تعبيره على تقويض حكم القانون ودور المؤسسات!
وقد حمدت الله تعالى وشكرته أن الكاتب لا يمتلك سلطة قانونية لتوجيه اتهام لهؤلاء أو محاكمتهم على فعلتهم "المنفلتة من عقال الالتزام الوطني" كما أشار! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعريف آخر لأصحاب القلوب السوداء
من المدهش كيف يفهم محلل أردني آخر -يعتقد بالمناسبة بضرورة تأجيل الانتخابات النيابية القادمة- بأن هنالك مجموعة من المعارضة "إياهم" تدعم دخول السلاح إلى الأردن بحجة دعم المقاومة، ويعتبر أن هذا مزاجا عاما عند الجميع وليس عند مجموعة أفراد بالمناسبة تم القبض عليهم ومحاسبتهم من قبل الدولة، وهو يعتقد كذلك بوجود حقد دفين عند مجموعة معينة تقوم بالتعبير عنه في كل أزمة، ثم كيف يستنتج أن هنالك مشكلة عند قادة المسيرات التي تخرج لدعم المقاومة في رفع العلم الأردني أو عدم رفعه، وهو للأسف يتكئ في فهمه على قصص قد مضت عليها عقود وسنوات طوال قد تغيرت بها عقول الكثير من الناس ونضجت أفكار الكثير منهم، بل كان الكاتب نفسه من الذين نضجت عقولهم واختلفت رؤيتهم السياسية عما كانت عليه قبل عقود دون الخوض في التفاصيل، وهو يعتقد كذلك بأن أصحاب "القلوب السوداء" لا يؤمنون بالدولة ويحرصون على اتهام الدولة دائما وفي قلوبهم أحقاد وثارات مرتبطة بوجود الأردن وليس بما يفعل! مما يستوجب ضمنا الحذر منهم ومن نجاحاتهم المتوقعة ومن قدرتهم على تحريك الشارع بطريقة سلبية أولئك "أصحاب القلوب السوداء"!
ومن المدهش حقا دعوة بعض الكتاب في مقالات مختلفة بأن هنالك استدارة سياسية ستحصل "وفق معلومات" يحصلون عليها ويتم تمريرها لهم! وأن هنالك مرحلة جديدة يجب أن تبدأ، لأن الأردن قد تورط أو تهور سياسيا ودبلوماسيا في مواقفه تجاه قضية غزة، ولا بد من ترتيب البيت الداخلي والاهتمام به، ويجب أن لا يعلو أي صوت فوق صوت الدولة! وأن هنالك حاجة لتأخير الانتخابات النيابية القادمة كنتيجة لكل ما يحصل، وكانت المشكلة الرئيسية عندهم جميعا أن مصلحتنا الحقيقية في علاقاتنا الدولية وتحالفاتنا التي يجب الحفاظ عليها وعدم نسيانها،
وكأن ما قام به الأردن الرسمي لا يدعم قوته ولا يدعم عمقه الاستراتيجي ولا يقويه، بالمناسبة وللتذكير فإن فلسطين هي عمقنا قبل أي دولة عربية أو عالمية أخرى، والأردن هو عمق فلسطين قبل أي دولة عربية أخرى، فما هو المطلوب إذن؟ أن نبقى كما نحن سياسيا واقتصاديا سعداء بكل الأداء السياسي الركيك الذي قيدنا إلى حد الضعف أحيانا، أليس المطلوب أن يتقدم الأردن ويتحرك في حدود المعقول السياسي كما فعل وفي حدود الارتباط الأخوي والإنساني والشرعي مع القضية الفلسطينية؟
ليس خارجا عن النص الإشارة إلى أن الأردن الرسمي قد قدم مسارا سياسيا ودبلوماسيا متميزا في دعم صمود الشعب الفلسطيني في هذه الحرب وقبلها، واستطاع وزير الخارجية أن يتحرك بكل جرأة وقوة في حدود المعقول سياسيا لنا كدولة مرتبطة بلا شك بمعاهدات ومواثيق دولية أبرزها معاهدة السلام التي انقلبت عليها "إسرائيل" ووضعتها تحت "بسطارها العسكري" قبل أن نضعها نحن على الأرفف ليعلوها الغبار، وبرغم أن ما يقدم رسميا لن يشفي غليل الناس أو يخفف غضبهم؛ لكن الأردن الرسمي استطاع أن يجد مسارا دبلوماسيا يتماهى فيه مع نبض الشارع، في ظل إقليم ملتهب وحدود ملتهبة يبذل فيها الجيش الأردني البطل كل جهده لحمايتها من تجار المخدرات وتجار الحروب، وفي ظل خطر التهجير الذي تريده وتسعى له بقوة هذه الحكومية الصهيونية التي دمرت غزة في حربها الأخيرة.
الدعوة إلى تأجيل الانتخابات النيابية هل تتوافق مع منظومة الإصلاح؟
أستطيع أن أجزم وأقول بأن هنالك تيارا واضح المعالم بدأ بالتشكل داخل أروقة التأثير ويتحدث في الصالونات السياسية المختلفة وعلى مستويات رفيعة، يدفع باتجاه تأجيل الانتخابات النيابية القادمة في الأردن، وهو الذي يدفع كذلك بالمعلومات والتحليلات لبعض الكتاب والإعلاميين من أجل تسويق روايتهم ونشرها ومن أجل التخويف من المستقبل المجهول والتخويف من التبعات الخطيرة لنجاح الحركة الإسلامية، وأعتقد أن هذا الدفع السلبي فيه إساءة لكل العملية الديموقراطية، وفيه رِدة عن منظومة الإصلاح التي أرادها الملك، والتي أكد عليها في أوراقه النقاشية، وفيه خوف مصطنع لا مبرر له إطلاقا، وسيعيدنا إلى الوراء إلى نقطة الصفر أو ما دونها، وهم يتناسون أن الخطر الأكبر يتركز في تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن بمشاريع التهجير التي يجب أن تقف الدولة بكل ما أوتيت من قوة سياسية وأمنية وعسكرية في وجهها وأن تتجه كل الجهود والطاقات في هذا الاتجاه، لا أن يهدر أصحاب الصالونات السياسية وقوى الدفع الخلفي الوقت والحسابات والتحليلات في مشكلة مصطنعة وهمية لا قيمة لها أمام تلك المخاطر المتمثلة بحسب رأيهم في نجاح الحركة الإسلامية أو رسوبها!
أخيرا، هنالك أزمة خطيرة قادمة إذا بقيت العقلية "الإدارية" تفكر بهذه الطريقة التي بتنا نقرأ أفكارها في التحليلات والمقالات، ناهيك عن أن عواقب سوء الإدارة والتوجيه الخاطئ وبالتالي الفشل غير مقبولة إطلاقا في المرحلة القادمة التي أصبحت فيها ردة الفعل ودرجة الحساسية المجتمعية عالية جدا، ثم إن العمل وإعادة إنتاج "الثنائيات" أرهقتنا وجعلت معظم جهود الدولة لسنوات طويلة في اتجاه معين لا فائدة منه إطلاقا سوى تفعيل عملية الاحتراق الداخلي التي سيخسر فيها الجميع، وعلى العاقل أن يدرك أن خطورة وآثار عدم عقد الانتخابات النيابية في موعدها لا توازي بأي حال من الأحوال التخوف من نجاح تيار معين بمقاعد برلمانية إضافية خصوصا أننا ما زلنا نحاول الوصول إلى مرحلة النضوج الديمقراطي بعد عملية التحديث السياسي الأخيرة التي استنزفت طاقات وأوقاتا ومجهودات لا حصر لها.
اقرأ المزيد.. معتزلة الإخوان المسلمين