عندما تكون الجنسية هي المعيار

الصورة

بقلم: لؤي الفروخ | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مصطلح الجنسية هو حديث نسبيا، حيث بدأ مع تشكل الدول الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية وحقبة الاستعمار التي ساهمت في تقسيم وتشكيل معظم الدول الحديثة، حيث بدأ يتبلور مفهوم الدولة القطرية بحدود طبيعية توافقت عليها الدول المؤثرة وأخذت شرعية من خلال اعتراف الأمم المتحدة بها حتى لو كانت هذه الحدود مصطنعة كما هو الحال في ألمانيا سابقا أو كوريا أو فيتنام أو بنغلادش وباكستان أو اليمن وغيرها أو نتيجة احتلال مدعوم من هذه الدول مثل فلسطين.

في المحصلة نحن نعيش في واقع جديد فرضته فترة تاريخية من الصراع على النفوذ. ولترسيخ مفهوم الدولة القطرية عند الناس وربطهم بالحدود المصطنعة تم استحداث ما يعرف بالجنسية لمواطني هذه الدول وأصبح كل من يحمل جنسية بلد ما يحصل على حقوق خاصة بذلك البلد، حيث تتفاوت هذه الحقوق والامتيازات حسب وضع البلد الاقتصادي والسياسي. من جهة أخرى فإن قيمة جنسية أي دولة مرتبطة بمكانة هذه الدولة السياسية وقوتها الاقتصادية والعسكرية ومستوى الحريات فيها وتأثيرها في العالم مما أدى إلى سعي الكثير من الناس للحصول عل جنسية دولة من الدول التي تتمتع بهذه الميزات خاصة الدول الغربية.

لكن في ظل النزاعات بين الدول والتنافس السياسي والاقتصادي دخلت الجنسية على منظومة تقييم الناس لدرجة أصبحت هي المعيار في تقييم الأشخاص أو شعوب بأكملها سواء في الإقامة أو السفر أو التملك أو فرص المنافسة على الوظائف وحتى في سلم الرواتب في بعض الدول كما أنها أصبحت عاملا مؤثرا في الأحكام المتعلقة بالقضايا السياسية والاقتصادية والجنائية، كل ذلك أثر سلبا على الناس وأوجد ظلما وقيد حرية الحركة بين البلاد وقسمت العشيرة الواحدة أو البلدة الواحدة لأقسام وولاءات مختلفة، كما أنها ساهمت في الإخلال بمنظومة العدالة من خلال ربط الأحكام الصادرة بحق الأشخاص حسب جنسياتهم لدرجة أن بعض الدول أصدرت أحكاما تتعلق بالسفر أو دخول أراضيها حسب جنسية الدول وتم تصنيف كل الناس أو منعهم من السفر لدولة ما ممن يحملون جنسية معينة كما حصل عندما منعت أمريكا عشرات الجنسيات من دخول أراضيها.

ليس ذلك فحسب بل إن الإجراءات المطبقة في التعامل مع الناس في كل مناحي الحياة تتفاوت، فهناك إجراءات سهلة لبعض الجنسيات وهناك إجراءات معقدة لجنسيات أخرى وحتى ممن يحملون نفس الجنسية في نفس البلد هناك تمييز بين أهل البلد الأصليين مع من تم حصولهم على الجنسية من المهاجرين ناهيك عن إحداث التغيير الديموغرافي لصالح فئة معينة من الناس تم إعطاؤها أراضي وحقوق دون سواها كما حدث في أمريكا وإيرلندا الشمالية وجنوب أفريقيا وكما هو حال الاستيطان في فلسطين.

كل ذلك أوجد ظلما وتعديا على الناس لكن بصورة قانونية تقف وراءها دول وأنظمة سياسية لتحقيق مصالح ومكاسب مادية لفئة من الناس على حساب الآخرين وهذا هو حال النظام الرأسمالي المادي.

إن ما يضبط الناس ليس الإجراءات وليس الجنسيات وإنما منظومة الفكر والقوانين المنبثقة عنه، فعندما يكون الفكر الإنساني لخدمة البشرية ومنظومة القوانين المنبثقة عنه لخدمة الناس كل الناس لا يحدث التعدي على الناس بغض النظر عن أصولهم أو أشكالهم أو دينهم وتسود العدالة في إتاحة الفرص بين الناس للتنافس الشريف وليس احتكار الامتيازات والخيرات التي أودعها الله في هذا الكون للناس لخدمة دول مصطنعة أو شعوب معينة أو عائلات أو حتى أفراد وليس هناك حاجة لجنسيات مصطنعة تساهم في تفتيت الناس وإثارة النعرات بينهم وإثارة الغيرة والحسد عندهم. فهذه الأرض ليست ملكا لأحد ولا يحق لأحد أن يطوبها باسمه حتى لو ولد فيها وعاش عليها مئات السنين ما دام لا أحد يعتدى على أرضه ولا يعطيها لغيره وما دام لا أحد يعتدي على مصدر رزقه وما دامت الفرص متاحة للجميع وما دام القانون مطبقا على الجميع.

هذا النموذج ليس من صنع الخيال بل له واقع أراده الخالق من خلال الأوامر الإلهية مثل تكريم الإنسان ومثل لا تعتدوا ومثل من أحيا أرضا ميتة فهي له ومثل الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار إلى غيرها التي غطت كل مناحي الحياة ووضع معيار إلهي للتنافس منضبط بالعدالة بين الجميع يصب في مصلحة الناس عامة الناس سواء كانوا سكان أصليين أو مهاجرين فالكل سواء والكل له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات والكل تطبق عليه نفس القوانين ليس ذلك فحسب بل تمت المحافظة على حقوق أصحاب الديانات الأخرى وممتلكاتهم ولم يتم تهجيرهم أو أخذ أراضيهم أو تهديد مصادر رزقهم إلا إذا اعتدوا وخانوا العهود كما حدث مع اليهود في المدينة.

هذا الفكر الذي يوحد ولا يفرق لأنه إنساني وليس مصلحي أو فئوي أو قبلي أو طائفي وهو المعيار الحقيقي لتقييم الناس وليس الجنسيات المصطنعة.

الأكثر قراءة
00:00:00