شيخ عشائر العيسى في الأردن، عضو مجلس الأعيان السابق
الدولة العميقة بين الضرورة والاستغلال
ما من شك بأن الدولة العميقة بمفهومها الإداري والسياسي والاقتصادي ضرورة حتمية؛ لأن وجودها يعتبر ضمانة سيادية للدولة تلجأ إليها في لحظة عندما تمس سيادتها، مما يعطيها الحق في تعطيل القوانين والأنظمة الناظمة.
لكن هذه الفتوى قد يساء استخدمها وخاصة في دول العالم الثالث، فبدل أن تكون الدولة العميقة سلطة خفية تراقب المشهد عن بعد وتترك المجال للحكومة وأذرعها، عليها أن تمارس ولايتها العامة دون تدخل إلا في الحالات الاضطرارية، والحالة الاضطرارية الوحيدة لتدخل الدولة العميقة هي مس سيادتها، إذا لم تستطع الحكومة التصرف بطريقة مناسبة.
وهناك أمثله في الدول المتطورة في تدخل الدولة العميقة فمثلاً عندما أحيل عطاء إدارة ميناء تكساس في الولايات المتحدة لشركة إماراتية بعد الدخول بعطاء ضمن مجموعة شركات، حيث كسبت -بموجب المنافسة العادلة- الشركة الإماراتية العطاء، هنا تدخلت الدولة العميقة في أمريكا وألغت العطاء باعتبار أن تولي شركة غير أمريكية لإدارة ميناء حيوي كميناء تكساس، يمس سيادة الدولة وأمنها الوطني.
إلا أن الحالة مختلفة في دول العالم الثالث، إذ يتم التعامل مع هذه النظرية بطريقة معكوسة تماما، وكلما أمعنت الدولة العميقة بالتدخل بـ"الشاردة والواردة"، فقدت الحكومات نكهتها، وأصبح رجال الدولة من كبار الموظفين ينتظرون الأوامر والتعليمات، وتتعطل لغة التفكير والإبداع لصالح فقدان الثقة بها أمام المواطن، فيصبح الوزير أو المسؤول الأول غير قادر على اتخاذ القرار، وهذا لا يصب مطلقاً في مصلحة بناء دولة القانون والمؤسسات التي يتغنى بها أي مواطن ويتمناها.
إذن الخطوة الحقيقية والأولى للإصلاح، هي فتح المجال أمام السياسيين للتحرر بالتفكير وإدارة الدولة، فتبقى الدولة العميقة في الظل، وعندما تريد التدخل فإن الأمر يحتاج لتدخلها لصالح سيادة الدولة وليس لصالح أهواء أركان تلك الدولة، الذين تصبح أهواؤهم ورغباتهم هي المقياس للمسؤول لضمان بقائهم بموقع المسؤولية.