خبير هندسة المياه، ناشط سياسي
السياسة العكسية في الصراع مع الاحتلال
بقلم: لؤي الفروخ
منذ احتلال فلسطين ولغاية يومنا هذا، يعاني أهل فلسطين من نتائج التخبط السياسي سواء من الأنظمة العربية التي تبنت الدفاع عن أهل فلسطين في بداية الاحتلال ثم بدأت بالتخلي عن ذلك إلى أن وصلت إلى مرحلة الاعتراف والتطبيع والدعم للكيان المحتل، أو من منظمة التحرير الفلسطينية التي تدعي أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني و التي بدأت بشعار تحرير كامل فلسطين وانتهت بأوسلو ثم التنسيق الأمني مع المحتل.
من عانى من هذه السياسات هو الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لكل أشكال القمع والتضييق.
على مدار عقود طويلة حاولت الدول الغربية إقناع الأنظمة العربية أن الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها سيعمل على إشعارهم بالأمن، وسوف يساهم في كبح جماح المتطرفين وتشجيع تيار المعتدلين في إسرائيل مما سيساهم في إيجاد حلول وسط لهذا الصراع.
وبالفعل اقتنعت كثير من الأنظمة العربية بهذه التوجه ظنًا منهم أن ذلك سيساهم بإنقاذ ما تبقى من أرض فلسطين وسيدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية، فبدأت عجلة معاهدات السلام من مصر ثم منظمة التحرير ثم الأردن إلى أن وصلت إلى دول الخليج والمغرب العربي كما هو الحال هذه الأيام وخلال تلك العقود تم إنفاق أموال طائلة ممولة من أمريكا والدول الأوروبية على مشاريع مشتركة مع الاحتلال وعلى دورات تحت مسميات مختلفة وعلى جمعيات لدعم ما يسمى السلام وغير ذلك.
لكن في واقع الحال ما حدث وما نراه ماثلا هو أنه كلما اقتربت الأنظمة العربية خطوة نحو المحتل، كلما ابتعد خطوتين وازداد تطرفا وتشددا، مثال ذلك قبل معاهدة كامب ديفيد كانت سياسة الاستيطان محدودة جدا، لكن تسارعت بشكل كبير بعد اتفاقيات السلام مع الدول العربية وتسارعت أكثر بعد أوسلو وتسارعت أكثر فأكثر بعد تطبيع دول الخليج العربي.
ليس ذلك فحسب، بل قبل اتفاقيات السلام لم يكن يجرؤ أي مستوطن أو يهودي دخول المسجد الأقصى، لكن بعد اتفاقيات السلام تم تقسيم الحرم الإبراهيمي وتم شرعنة دخول المستوطنين، على الرغم من أن فتاوى حاخاماتهم تحرم ذلك، وبعد استمرار التطبيع، لم يعد الأمر مقتصرا على دخول المستوطنين بل منع المسلمين وإخلاؤهم من ساحات الأقصى على أيام عديدة وأوقات مختلفة، للسماح لليهود بدخول الأقصى والعبث، بل أسوأ من ذلك الدخول إلى المسجد القبلي وقبة الصخرة وإطلاق النار على المصلين.
لم يحدث ذلك في الستينات ولا السبعينات بعد احتلال القدس، لكن حدث مع مرور الزمن وإدراك المحتل أن الأنظمة العربية ومنظمة التحرير تلهث وراء سراب السلام والضحية في كل الأحوال شعب فلسطين.
تخبط سياسي أدى إلى نتائج عكسية على مدار عقود طويلة وإلى نهايات مؤلمة لهذا الصراع، نشاهد نتائج ذلك كله صباح مساء، والسبب الرئيسي عدم فهم المحتل والخلفية التاريخية والدينية التي غلفت الاحتلال، فهذه دولة لم توجد لتعيش في محيط طبيعي بل دولة توسع وعدوان ستستمر في الكذب وتزييف التاريخ وسرقة كل شيء إلى أن تصل الهدف النهائي وهو تحويل مساجد ومعالم ومقدسات المسلمين وغير المسلمين إلى معابد لهم، ليس في فلسطين وحدها بل في الأردن وما مسجد هارون في البتراء ببعيد، ومن بعد ذلك المدينة المنورة وخيبر وغيرها، فهل تعي هذه الأنظمة والقادة السياسيون تلك الأهداف أم ستبقى السياسات العكسية لتزيد من معاناة أهل فلسطين.