نقيب المهندسين الزراعيين الأردنيين
القطاع الزراعي الأردني.. الفرصة القادمة
لا يخفى على العارفين بأن القطاع الزراعي يسهم بشكل فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويُعتبر أداة التنمية الفضلى في المناطق النائية والريفية بعيدًا عن تلاصق المباني وتزاحم المركبات، وخط الدفاع الأهم أمام الهجرة نحو مدن ضاقت بساكنيها، وأضناها ارتفاع الطلب على المياه وخدمات الكهرباء والصرف الصحي وشق الطرق، إن أحسن إدارة هذا القطاع بصورة جيدة.
كما يضطلع قطاعنا الزراعي بمهام توفير منتجات زراعية أساسية مختلفة، بأسعار مناسبة للمستهلكين على مدار العام، مما يعزِّز الأمن الغذائي الوطني، ويشغِّل الأيدي العاملة المحلية والوافدة، ويوظف الكفاءات الفنية وخريجي كليات الزراعة والعمالة الماهرة، ويسهم في زيادة الصادرات الأردنية وتوفير العملة الصعبة، وهذا كله ضمن ضوابط تحافظ على البيئة، كما لا يفعل أي نشاط اقتصادي، إذ يعتبر بحقٍ امتدادا للبيئة وابناً لها، إن أُحسن ضبطه، غير أنه قطاع مساهم في الناتج المحلي الإجمالي، رافد للنمو الاقتصادي، مشغّل للقطاعات الإنتاجية الصناعية والخدمية المتداخلة معه.
و إني أسجِّل اليوم للتاريخ أنه و على مرِّ عقود مضت لم أشهد اهتمامًا في قطاع الزراعة إنتاجًا وتصنيعًا كما هو هذا العام، ويقيني أن هذا الاهتمام بُني على تميِّز القطاع الزراعي و إنجازه النوعي خلال جائحة فيروس كورونا، واستطاعتها لتكيّف مع كل الظروف والمستجدات بصورة أدركها ورأى نتائجها واقعًا ملموسًا المواطن وصانع القرار وكل عين منصفه، كما أن الحاجة تقتضي أن لا يكون اهتمامًا عابرًا مؤقتًا قطاعنا لا بدّ أن يعود إلى صدارة الاهتمام.
ترتب على صعيد آخر تحديات ناجمة عن ضعف قدرة السلطة التنفيذية بأدواتها ووزاراتها أن تتناغم بالصورة الواجبة لصناعة إنجاز وطني في هذا القطاع الحيوي والمهم على صعيد استثمار الفرص السانحة إنتاجاً وتصديراً وتصنيعاً، حيث أنها لم تستطع أن تُغيِّر من طريقة عملها، و بقيت تستعمل نفس الأدوات وطرق التفكير، التي كانت قبل أزمة كورونا، فكل وزير يعمل داخل وزارته وبصوره منفردة و أقصد بذلك الوزارات المشتبكة بصورة مباشرة مع القطاع الزراعي كوزارة العمل، المياه، الطاقة، النقل، الصناعة والتجارة والمالية، وتراكمت التحديات وعلى رأسها المحدِّد الأكبر وهو ارتفاع تكاليف الإنتاج وضغط الأعباء التي يتحملها المنتجون، وبقي الوجع وفقدان الأمل، بأن عهدًا جديدًا يلوح بالأفق يمكن أن يغير الحال ويدرك أهمية هذا القطاع و فرصه الاستثمارية.
ناهيك عن تحديات صاحبت أنظمة وحلقات البيع والتسويق، وطرق تجهيز المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، وتراجع التعاقدات الزراعية في العقد الأخير، وارتفاع معدلات الفقد والتلف، وضعف البنى التحتية للتخزين والتدريج، وضعف تنافسية الصناعات الغذائية، والحاجة الملحة لتطوير ودعم البحث العلمي وربط المخرجات بالواقع العملي، وترجمة الأفكار والنتائج إلى مبادرات ومشاريع ذات جدوى اقتصادية، وكلها تحديات مرتبطة بصور مختلفة مع سياسات استعمال الأراضي والسياسات المائية وعدم استقرار التشريعات الضريبية، وما كان منوطا بأداء المؤسسات الرسمية والأهلية الناظمة للقطاع، علاوة على تحديات ارتفاع كلف الطاقة، والقيود المفروضة على العمالة الوافدة، وضعف انخراط العمالة المحلية بشكل أوسع في الأعمال الزراعية، رافقها شح الموارد المائية، ومعيقات التمويل بالضمانات المتاحة والسقوف المطلوبة، بالإضافة إلى استحقاقات تطبيق أدوات الرقابة المسؤولة عن جودة وسلامة الغذاء، وساهمت وسائل الاتصال المختلفة في نشر الشائعات وإرباك المستهلكين، مما يستدعي مراجعات تضبط سلامة الغذاء وتوفر مصادر معلومة رسمية موثوقة، تدحض الشائعات، وتحفظ سمعة المنتج الوطن داخل المملكة وخارجها.
إن القطاع الزراعي ورغم كل ما سبق من عظيم التحديات يمتلك فرصًا حقيقية نستطيع من خلالها أن ننجز أهدافًا وغايات عديدة تحفظ حياة أجيالنا القادمة واستقرار أمنها الغذائيـ إذ أننا اليوم نحن بحاجة أن يعمل الجميع سلطة وأفرادًا بعقلية جمعية تشاركية تجمع الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم لطرح معالجات حقيقية تتجاوز هذه التحديات، سواء على المدى القصير أو التي تحتاج إلى استراتيجيات بعيدة المدى، وتعزيز القدرة على استثمار الفرص وصناعة الإنجاز، واليوم سماء الإنجاز تتسع لمن يفكر بعقلية "نحن"، يرى بعين جامعة، ويعمل بيد الكل، ويكتب للوطن وأجياله مستقبلًا بحبرٍ من جهد وفكر ورأي الجميع.