قانوني، كاتب
طبيعة الوصاية الهاشمية على القدس وخيارات الأردن في مواجهة الاحتلال
أعلن رئيس الوزراء لدولة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت قبل أسبوعين أنه لن يسمح بأي تدخل أجنبي وأن القرار في القدس والمسجد الأقصى تحديدا إسرائيلي فقط ، وقال في كلمته الأسبوعية أمام مجلس الوزراء إن كل القرارات المتعلقة بالحرم القدسي والقدس ستتخذها الحكومة الإسرائيلية التي تتمتع بالسيادة على المدينة دون أي اعتبارات خارجية، إذ أن مثل هذا التصريح يمثل مساسا مباشرا بالوصاية الهاشمية على الحرم القدسي ، لكن ما هي طبيعة الوصاية الهاشمية على مدينة القدس، وما هي طبيعة العلاقة التاريخية بين الدولة الأردنية ومدينة القدس الشريف، وما هي خيارات الأردن في مواجهة محاولات المساس بالوصاية الهاشمية
- طبيعة الوصاية الهاشمية - جهود الإعمار والجهود الدبلوماسية
جهود إعمار الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات الدينية تعود إلى عام 1924 منذ عهد الشريف الحسين بن علي والد مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية إذ تبرع الشريف الحسين وابنه الملك عبد الله بقيمة 50 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدسات الدينية في مدينة القدس وهذا ما عرف بالأعمار الأول.
في عام 1954 في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال تم تشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى فتم المباشرة في تجديد إعمار قبة الصخرة والمسجد القبلي وكان أبرز هذه الأعمال تركيب قبة خارجية من الألمنيوم المذهب لقبة الصخرة المشرفة وإعادة تجديد جميع مرافق الحرم القدسي الشريف وهذا ما عرف بالإعمار الثاني.
في عام 1978 بدأت مرحلة الإعمار الهاشمي الثالث وبعد سنوات من إحراق المسجد الأقصى المبارك في عام 1969 تم المباشرة في إزالة الإنقاض وإعادة إعمار المسجد، انتهت هذا المرحلة في إعادة تجديد وصيانة جميع مرافق الحرم القدسي الشريف، وإصلاح ما ألحقه الحريق من ضرر بالمسجد الأقصى المبارك وتم إعادة وترميم جامع عمر ومحراب زكريا.
في عام 1999 بدأت مرحلة الإعمار الرابع والذي تكلل بإعادة تصنيع منبر صلاح الدين على ذات الهيئة التي كان عليها قبل إحراق المسجد الأقصى وتم تركيبه في عام 2007 وترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة والقيام بصيانة وترميم جميع مرافق الحرم القدسي الشريف وتم إنشاء صندوق إعمار المسجد الأقصى.
تشرف الأردن ووزارة الأوقاف الأردنية على جميع المقدسات الدينية في الحرم القدسي الشريف والبالغ مساحته 144 دونم بما يساوي ألف متر مربع وتعتبرها مكان عبادة خالص للمسلمين.
يوظف الأردن أكثر من 800 موظف يعينون من قبل وزارة الأوقاف الأردنية يشرفون على المسجد الأقصى ورعايته ورعاية أكثر من 102 مسجد في مدينة القدس الشريف.
كما تشرف إدارة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية على جميع الوقفيات الخيرية في مدينة القدس والتي تعني بالمسجد الأقصى وتدعم المؤسسات الخيرية في مدينة القدس، وتقوم ببناء المستشفيات والعيادات الطبية لأهل القدس من الفلسطينيين وإنشاء المدارس الشرعية والتي بلغ عددها 43 مدرسة ويبلغ عدد طلابها 13 ألف طالب، والكليات الإسلامية في مدينة القدس الشريف والضفة الغربية، كما تشرف وزارة الأوقاف الأردنية على لجنة الزكاة في مدينة القدس الشريف وإعادة توزيع الزكاة على مستحقيها من أهل المدينة.
بالإضافة الى جهود الإعمار يترافق ذلك مع الجهود الدبلوماسية الأردنية في الحفاظ على المقدسات بوضعها القائم حاليا، إذ في عام 1981استطاعت الدبلوماسية الأردنية أن تنجح في إدراج مدينة القدس القديمة في لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو، وفي عام 1982 استطاعت الدبلوماسية الأردنية أن تنجح في إدراج البلدة القديمة في القدس على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر وذلك لقطع الطريق على دولة الإحتلال من تبديل المعالم التاريخية والتراثية لمدينة القدس الشريف
كما استطاعت الدبلوماسية الأردنية في عام 2015 من استصدار بيان من مجلس الأمن الدولي يثّبت فيه اسم الحرم القدسي ويدعو إلى إحترام قدسيته واحترام وضعه التاريخي القائم،وإلى أهمية الدور الأردني في القدس وفقا لاتفاقية وادي عربة.
وكذلك استصدار قرار من منظمة اليونسكو باعتبار تلة باب المغاربة جزء من الحرم القدسي الشريف.
- العلاقة التاريخية بين الأردن ومدينة القدس الشريف.
بعد مؤتمر أم قيس في مدينة إربد الذي تداعى فيه رجالات الأردن في 2 أيلول / سبتمبر من عام 1920 إلى توحيد الحكومات المحلية الثلاث في الشمال والوسط والجنوب في دولة واحدة ومبايعة أمير هاشمي على قيادة الأردن التقى الملك عبد الله المؤسس في وزير المستعمرات البريطاني تشرشل في مدينة القدس الشريف وانتزع منه الاعتراف بإمارة شرق الأردن كدولة مستقلة برئاسة الملك المؤسس عبد الله الأول فتم إعلان تأسيس إمارة شرق الأردن من قلب مدينة القدس الشريف
بعد هزيمة حرب عام 1948 وإعلان دولة الاحتلال، عقد مؤتمر أريحا من الشخصيات الوطنية الفلسطينية عام 1949 للمطالبة بضم الضفة الغربية ومدينة القدس إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث شكل الغطاء السياسي لضم الضفتين في عام 1950 وأصبحت الضفة الغربية والقدس ضمن المملكة الأردنية الهاشمية.
بقيت القدس الشريف والضفة الغربية تحت الحكم الأردني حتى هزيمة حزيران عام 1967 وخروج الجيش الأردني من الضفة الغربية بعد سقوطها بيد قوات الاحتلال الإسرائيلي وقد حاول الأردن التوسط مع الجانب الإنجليزي لانسحاب دولة الاحتلال من الضفة الغربية ومدينة القدس الشريف لكن الجهود لم تكلل بالنجاح.
في عام 1988 جاء قرار فك الارتباط الإداري بين الأردن والضفة الغربية التي كانت تحت السيادة الأردنية وقت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 ، هذا القرار الذي جاء بناء على طلب جامعة الدول العربية في عام 1974 في قمة الرباط باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، إلا أن قرار فك الارتباط جاء ليستثني مدينة القدس من هذا القرار حتى لا يكون هناك أي فراغ قانوني يستغله الاحتلال الإسرائيلي في تغيير الطبيعة القانونية للمقدسات الدينية والتي بقيت تحت السلطات الأردنية باعتبارها آخر سلطة شرعية حكمت القدس قبل الاحتلال بموجب القانون الدولي
في عام 1994 عقد الأردن اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وجاء في نص المادة 9 من اتفاقية وادي عربة في فقراتها الثلاث حول الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية جاءت هذه الفقرات للتأكيد على احترام دولة الاحتلال للدور الحالي للأردن في الأماكن المقدسة في مدينة القدس.
في أذار من عام 2013 وقع العاهل الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية اتفاقية من مقدمة وثلاثة مواد تؤكد على الدور التاريخي للوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في مدينة القدس
- خيارات الأردن في مواجهة محاولات العبث في الوصاية الهاشمية
بلا شك أن دولة الاحتلال تسعى إلى محاولة إضعاف الدور الأردني والتأثير على الوصاية الهاشمية في مدينة القدس الشريف، وقد تم تسريب تقارير لمحاولات إسرائيلية سابقة في نقل الوصاية الهاشمية إلى جهات أخرى لكن الجهود منيت بالفشل بعد صعود جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وإنهاء كل ما كان يتعلق بصفقة القرن، لكن ما هي الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها الأردن لمنع أي تجاوز أو أي محاولة عبث في الدور الأردني في مدينة القدس الشريف.
الأردن لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات العبث بدوره التاريخي في مدينة القدس الشريف وسيحافظ على حماية الوضع القائم للمقدسات الدينية حتى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إذ يمكن أن تكون خيارات الأردن متعددة في هذا المجال: -
- في الخيارات الدبلوماسية يمكن للأردن أن يطرح الوصاية على المقدسات على جامعة الدول العربية وأخذ الشرعية العربية بإصدار قرار عربي جامع من جامعة الدول العربية بتأكيد حق الأردن في الوصاية على المقدسات الدينية حتى لا يتم الحديث مرة أخرى عن محاولات نقل الوصاية الأردنية لأي طرف آخر في ظل التحولات السياسية الكبيرة وإعادة تشكيل التحالفات التي تحدث في المنطقة.
- كما يمكن للأردن العمل على محاولة إصدار قرار من منظمة التعاون الإسلامي والتي تضم 57 دولة إسلامية منظمة وتم إنشاؤها بالأساس بعد إحراق المسجد الأقصى للدفاع عن كرامة الأمة الإسلامية المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، إذ أن إصدار مثل تلك القرارات من تلك المنظمات يعزز الموقف الأردني في مواجهة محاولات دولة الاحتلال في المساس في هذا الدور الأردني ويعطي عمقا إسلاميا لهذه الوصاية.
- مزيد من انفتاح الأردن على الكتل السياسية العربية في الداخل الفلسطيني وما أصبح يمثلونه من قوة سياسية داخل دولة الاحتلال وقدرتهم في الانتخابات الأخيرة على أن يكونوا جزءا من الحكومة الائتلافية القائمة والتي يتبنى بها زعيم حركة (راعم) منصور عباس موقف قريب وداعم للوصاية الهاشمية في مدينة القدس الشريف.
- انفتاح الأردن على جميع حركات المقاومة الفلسطينية، انفتاح يأخذ الشكل السياسي والاحتضان الرمزي، فاحتضان جميع فصائل المقاومة المؤثرة في الشأن الفلسطيني على الأرض يعطي للأردن اليد الطولى في القضية الفلسطينية والتي تمس الشأن الأردني والمصالح الأردنية مساس مباشر.
- بعيدا عن الحديث عن الخيارات الشعبوية في طرد سفير دولة الاحتلال فأكثر من يستفيد من حالة التبادل الدبلوماسي ما بين دولة الاحتلال والأردن هم سكان الضفة الغربية والحالة الفلسطينية ، إلا أنه من الممكن للأردن أن يعلن أن بنود اتفاقية وادي عربة كل متكامل لا تجزأ ويجب على الجميع تنفيذها واحترام بنودها وأي إخلال بأي من مواد الاتفاقية يعني الإخلال بجميع بنود الاتفاقية كاملة مما يجعل تنفيذ كل بنود اتفاقية السلام في كفة وتنفيذ البند التاسع من ذات الاتفاقية بجميع فقراته والمتعلق بالدور الأردني في مدينة القدس الشريف ورعاية المقدسات في كفة أخرى .
بلا شك بإن الوضع السياسي والدبلوماسي الأردني وعلاقاته وتحالفاته الخارجية مريحة بما يحفظ مصالحه ووصايته على المقدسات الدينية ، لكن محاولات دولة الاحتلال والتغيرات السياسية في المنطقة يحتاج من الأردن تشكيل خياراته السياسية واستخدام الأساليب غير النمطية في إدارة هذا الملف وتدوير الزوايا الحادة حول ذلك الملف الحساس