جامعة العلوم الإسلامية بين المكشوف والمسقوف

الصورة
كتاب قرار الفصل النهائي من جامعة العلوم الإسلامية بحق أحد الطلاب على خلفية صلاة الغائب عن أرواح الشهداء في غزة
كتاب قرار الفصل النهائي من جامعة العلوم الإسلامية بحق أحد الطلاب على خلفية صلاة الغائب عن أرواح الشهداء في غزة

في الوقت الذي كان فيه الملك فوق سماء غزة يقوم بتوزيع المساعدات الإنسانية بيديه ويلقيها من طائرة أردنية عسكرية كمساعدات رمزية لدعم صمود الصابرين أمام آلة الحرب الصهيونية ولإرسال رسالة سياسية لهم بأننا معكم وندعمكم، كان رئيس جامعة العلوم الإسلامية يُوقِّع بيديه على قرار الفصل النهائي من الجامعة لطلبة قاموا كذلك بإظهار التضامن النفسي الإنساني مع صمود أهل غزة وذلك بصلاة الغائب عليهم في حرم الجامعة أو بنشر معلومات عبر وسائل التواصل لإظهار التأييد والدعم. 

بين إرادة رأس الدولة وإرادة بعض الموظفين 

في مفارقة سيكتبها التاريخ من حيث التباين الكبير بين إرادة رأس الدولة وتوجهاته وعزمه على فك الحصار بكل الطرق الممكنة وبين إرادة بعض الموظفين في الدولة الذين لم يدركوا حتى هذه اللحظة الرؤية الملكية ولم يقدّروا الظرف النفسي الذي يعيشه الناس! 

يا رئيس جامعة العلوم الإسلامية هذا الوضع غير المسبوق وهذه الأحداث الدامية التي فطرت قلوبنا جميعا هي التي جعلت الملك يزور العالم بأسره خلال مدة بسيطة من أجل محاولة وقف الحرب ووقف النزيف، وهي التي جعلت الملكة تصرح في جميع المنابر والمؤسسات الإعلامية العالمية في محاولة منها للفت نظر العالم إلى الوضع اللاإنساني في غزة، وجعلت وزير الخارجية يحاول بكل ما استطاع من طرق دبلوماسية وغير دبلوماسية الضغط باتجاه وقف الحرب وتخفيف المعاناة، وهي التي جعلت الناس كذلك في القرى والأرياف والبوادي والمخيمات والجامعات يخرجون في الطرق والشوارع والحارات يهتفون للمقاومة ويحيونها وهي التي بكل بساطة جعلت هؤلاء الشباب في جامعة العلوم الإسلامية يُعبرون بعفوية عن دعمهم بهذه الطريقة، فهكذا يجب أن تنظر إدارة الجامعة للقضية وأن تضع ما قاموا به في سياقه الصحيح والطبيعي. 

على رؤساء الجامعات التعلم من الملك الحسين

دعونا يا رؤساء الجامعات نتعلم من قصص الفطنة والذكاء التي كان يمارسها الملك الحسين رحمه الله وهو "رأس الدولة" ولم يسمح بحكمته بأن تتدهور القضايا خصوصا إذا كانت المسألة لا تمثل اعتداء على النظام العام أو هيبة الدولة، ودعونا يا أصحاب الأمر ويا أصحاب السلطة والتوجيه نتعلم كذلك من هذه القصة ونتعلم كيفية تبريد الملفات؛ حيث جاء ضيفان شابان من الضفة الغربية لزيارة الأردن، وحصل أن تشاجرا مع أحدهم في أحد شوارع عمان، وطالت المشاجرة وشتم أحدهم الملك الحسين رحمه الله وسبّه، واشتكى ذلك الشخص عليهم للأجهزة وتم إيداعهم السجن بتهمة إطالة اللسان وقدح مقامات عُليا، وهي التهمة التي قد يُحكمون عليها سنوات طويلة، استطاع أثناءها أحد أصدقاء الملك لقاءه، شارحا له القصة وأنهما شابان ضيفان مراهقان فرد الملك قائلا ممازحا: "يلعن أبوهم الاثنين"، واستطرد بأنه قد رد على المسبة بمثلها وأمر بإخراجهما من السجن من دون محاكمة في حكمة وحسن تصرف وفطنة وذكاء. 

عدم وجود خطة مركزية.. وصفة ذهبية للفشل 

في جلسة مع رئيس وزراء سابق تم الحوار فيها حول قضايا داخلية، كانت ملاحظتي تتعلق بافتقادنا وافتقارنا في الأردن إلى ما يعرف في علم القيادة بالخطة المركزية "Master Plan" بحيث يتم إنشاء هذه الخطة من أعلى قيادات الدولة ويتم تعميمها على جميع القيادات الأمنية والسياسية والثقافية والفكرية والإعلامية وغيرها؛ بحيث تسير عليها الدولة بأسرها ويحدث حينها تناغم بين جميع أجهزة الدولة وتنجح المؤسسات والخطط وتتحقق الرؤية المنشودة، أما إذا بقيت قيادة الدولة تريد شيئا وبعض المؤسسات في الدولة تريد شيئا آخر فهي وصفة ذهبية ناجحة جدا للفشل والتراجع وسيادة التخبط والعشوائية وستعاني الدولة في جميع مفاصلها من الشلل والفصام في جميع مستويات العمل بشكل دائم. 

ما بين تطبيق القوانين في جامعة العلوم الإسلامية وقانون العقل والحكمة

يا عطوفة رئيس جامعة العلوم الإسلامية برغم أن قوانين الجامعة قد لا تسمح بتلك الصلاة التي حدثت في العلن، لكن الواقع والحكمة والعقل يسمح بتقبل ما حصل من الطلبة، ويسمح بتفهم موقفهم واستيعاب فورتهم وامتصاص غضبتهم، خصوصا أنهم لم يكسروا زجاجا ولم يحطموا أثاثا ولم يسيلوا دما لأحد! 

وقد سبق أن قام طلبة في بعض الجامعات بأعمال شغب مؤذية حطموا فيها مرفقات جامعاتهم وأسالوا دماء زملائهم في الجامعة بل وحملوا الأسلحة في حرم الجامعة وتم العفو عنهم وطي ملف القضية بسبب تدخل الوسطاء وبعض الوزراء والنواب حينها، فكيف أيها الرئيس تقيم هذا الحد السياسي على ثلاثة طلاب عبروا عن رفضهم لما يحصل بالصلاة جماعة في حرم الكلية أرادوا بها التعبير عن غضبهم والدعاء للشهداء والجرحى في هذه الأحداث الدامية أو إظهار التأييد عبر وسائل التواصل؟

أخيرا، إن كان من نصيحة للرئيس ومن يقف خلفه، لا بد لخطاب العقل أن يسود وأن تتراجع إدارة جامعة العلوم الإسلامية عن قرارها الجائر غير الحكيم في هذا الوقت الحساس والضغط النفسي الشديد الذي يعاني منه الجميع، ولا تدفعوا الشباب دفعا نحو التطرف الذي لا تحمد عواقبه والتي ندركها جميعا، ولا تجعلوا الدولة تظهر بمظهرين أو بوجهين سياسيين؛ وجهٌ في "المكشوف" يدافع عن قضية غزة بكل ما أوتي من قوة وبكل الوسائل الممكنة وتحت قيادة وتوجيهات الملك، ووجه آخر في المكاتب المغلقة وتحت "المسقوف" يدير الملفات بطريقة تخالف ما نراه ونسمعه وقد يُفقدنا الثقة في بعض مؤسسات الدولة.

اقرأ المزيد.. بين خطاب المعارضة وإكراهات الدولة

دلالات
الأكثر قراءة
00:00:00