عقيد متقاعد من القوات المسلحة - الجيش العربي مقدم برنامج "فرصة وطن" على إذاعة حُسنى
خطورة التلاعب بمشاعر الأردنيين
يبدو أن بعضا من أجهزة الدولة ومؤسساتها ورجالها يخلط بين مفهومي "الوعي الشعبي" و"المشاعر الشعبية"، ويظهر ذلك جليّا من خلال المحاولات المتكررة للتلاعب بالوعي الشعبي الأردني، أو ما يعرف بالرأي العام، من أجل إخماد غضب ما، أو امتصاص سخط شعبي أو إقناع الشعب بفكرة أو مشروع يخدمهم، أو قبول إجراءات يتخذونها.
ولكن مع مرور الوقت، ومع بعض النجاحات السطحية التي حققها هذا الأسلوب، غاب عن عقل الدولة وعن فهم القائمين على مؤسساتها أنهم أصبحوا يتلاعبون بمشاعر الشعب ووجدانه، وليس بوعيه، وهنا لا بدّ أن أكون صريحا ومباشرا وأقول:
إن كثرة الفشل والسقوط، ووفرة الكذب والتزوير، وسوء التبرير، كلها أدّت إلى وصول مستوى الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها إلى حدّ لا يمكن ولا يقبل السكوت عنه.
وعليه، فقد وصل إلى مستوى ينذر بالخطر والانفصال التام ما بين الشعب وقيادته ومؤسساته، ولا يغرنكم كثرة المادحين، ولا حلاوة ألسنة المنافقين.
إنّ التلاعب بمشاعر الشعب الأردني من خلال الكذب والغش والخداع والالتفاف على مطالبه المشروعة أشدّ خطرا على الوطن من الفساد المالي والفشل الإداري؛ فتعويض ما تم سلبه ونهبه وإجراء إصلاحات إداريّة أمر ميسور يمكن تحقيقه، ولكن تعويض المشاعر الشعبية المخلصة أمر صعب لدرجة الاستحالة.
فعلى مدار ما يزيد عن عشرين عاما من التلاعب بمشاعر الأردنيين من خلال لجان إصلاح وأوراق نقاشية وورشات عصف ذهنيّة ومجالس نواب ضعيفة وتشكيل حكومات هزيلة، ظهرت في الآونة الأخيرة تحركات ودعوات عشائرية أو فئوية أو فردية لا تنذر إلا بالخراب والدمار للجميع.
وإن لم تكن نيّة النظام وتصرفات الأجهزة المختلفة صادقة ومخلصة في هذه الأوقات، وتسعى جادّة لتحقيق طموحات الشعب ورغباته وطلباته، فإنه ستأتي لحظة –وما هي ببعيدة– تكون فيها تلك التحركات وتلك الدعوات وأولئك الأفراد القائمين عليها محل قبول وتشجيع وتأييد، ولا لوم عليهم حينها، فقد فقدوا مشاعرهم الصادقة تجاه النظام وأجهزته المختلفة، وهذا يعني ضياع الوطن لا سمح الله.
وعلينا أن ندرك ونعلم بأنه لا يمكن لأي نظام كان، مهما كانت شعبيّته وشرعيّته، أن يحكم الناس دون احترام وتقدير لمشاعر شعبه ورعيته؛ فإن هذه المشاعر المتلاعب بها؛ ستقود حتما في لحظة ما إلى سخط شعبي يقود إلى ثورة شعبية عارمة وعندها لا ينفع الندم.
ومن هنا فإنني أدعو ولاة الأمر ورجال الحكم جميعا إلى اتباع الحكمة والفطنة بعيدا عن العناد والغرور، فمشاعر الشعب ليست محل تجريب أو تلاعب، فلا يمكن لشعب وصل وعيه إلى حدّ لا يمكن تزييفه وتحريفه، أن يُقاد من خلال اعتقالات أومن خلال خطبة جمعة أو لجنة إصلاح أو ورقة نقاشية، إن لم يرَ على أرض الواقع قرارات وخطوات عملية صادقة ترضي طموحه وتلبي احتياجاته السياسية والاقتصادية والإدارية والدينية.
وإنني أدعو ولاة الأمر والقائمين عليها أن يجتمعوا في غرفة حوار وعلى طاولة قرار أردنية-أردنية، لا تضم بين جدرانها إلا أبناء الوطن الصادقين، ولا تهدف إلاّ إلى إرضاء الشعب وتحقيق طموحاته المشروعة، بعيدا عن مراعاة مشاعر الدول والسفارات والأفراد التي تتناقض مع مشاعرنا وعزتنا وسيادتنا الوطنية.
اللهم اهدِ قومي إلى سواء السبيل.