ماذا نتعلم من قراءة شواهد الواقع.. بين شق النهر والطوفان!

الصورة
فلسطينيون فوق دبابة للاحتلال يوم طوفان الأقصى
فلسطينيون فوق دبابة للاحتلال يوم طوفان الأقصى
آخر تحديث

العالم اليوم يعيش أضعف لحظات الحقيقة! وأكثر لحظات هشاشة القوة هذا ما أدعيه في هذه الخاطرة؛ فقد أصبح التظاهر بـ القوة هو المعتاد في الخطاب السياسي، بل انعكس على الأفعال، فهذا الإجرام المستمر وممارسة السادية في المجازر ضد الإنسانية القائمة اليوم، ما هي إلا استراتيجية، وعمل ممنهج مدفوع بخوف انكشاف الهشاشة، ومحاولة إخفاء الضعف تحت رداء وهم القوة في الإجرام! فهي استمرار لسياسة لعب أوراق البوكر وفوضى التظاهر بـ القوة التي تحدثت عنها في مقال آخر! 

"نشهد اليوم تصاعدا في الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، كما وثقت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش (2023) التي تشير إلى استخدام العنف المفرط كأداة سياسية للحفاظ على الهيمنة". 

بين الحقيقة والوهم: كيف تتحكم القوة في السرد؟ 

وبعد التفكير المعمق في السنوات العشر السابقة، نجد أنه من الأبرأ أن نعترف بحقيقة مرور الأمة بعدة موجات متكررة من الاختبار والتمحيص، وهو ما يذكرنا بمفهوم "سنة الأولين" المذكورة في القرآن الكريم، حيث تم استبدلت الأمم التي انحرفت عن قيمها الأخلاقية والدينية وحق عليهم العذاب بما كسبت أيديهم! 

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الإنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} (55) سورة الكهف.

الهجوم على الهوية والقيم الدينية

"يشير الباحث صامويل هنتنغتون في كتابه The Clash of Civilizations (1996)، إلى أن الصراعات المعاصرة لن تكون عسكرية فقط، بل تحمل أيضا جذورا ثقافية وقيمية، حيث تحاول بعض الأجندات فرض نموذج فكري معين يتعارض مع القيم التقليدية لمجتمعات أخرى". 

ونحن اليوم نشهد محاولات مستمرة لإعادة تشكيل الهوية الثقافية والدينية والوطنية، ليس فقط من خلال الخطاب الإعلامي ولكن أيضا عبر القوانين الوضعية التي تسعى إلى تطبيع الأفكار المنحرفة! فقد أتت الأجندات الخارجية تهاجم مفهوم الطهر في المجتمع إلى حد الوصول إلى الاتهام كجرم بأننا أمة تتطهر! كحال قوم لوط! بل والاحتكام لأهواء الناس ورغباتهم كمصدر للتشريع! فتفوق رأي العوام بالأغلبية النسبية أو المطلقة على رأي العلماء وأهل الشورى والاختصاص. 

 ما كان في الإسلام حكم للعوام في شؤون العباد، ولا شورى فيما ورد فيه نص شرعي صريح، بينما يحكم النظام الديموقراطي في كل ذلك! دون أن يراعي سعة الفرد المعرفية، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها! بينما جاءت الشورى في شؤون الأمة مضبوطا بما فيه لبس أو اختلاط، مناطا لمن أوتي العلم والحكمة من أهل الرشد والرأي ليختاروا الأمر الأصوب للأمة فكان أمرهم شورى بينهم! ويمكن الاستزادة لمن يرغب في قراءة بحث مقارنة بين الشورى والديمقراطية لإبراهيم الأمين أحمد- مجلة العلوم الإسلامية- كانون الأول 2018. 

الاتفاقيات الإبراهيمية: سياسة أم دين جديد؟

"تم الترويج للاتفاقيات الإبراهيمية على أنها خطوة نحو السلام، لكن العديد من الباحثين، مثل جون ميرشايمر في دراسته عن سياسات الشرق الأوسط (2022)، يرون أنها محاولة لإعادة تعريف العلاقات الدينية والسياسية بطريقة تخدم مصالح معينة." 

كل السابق جاء بالتزامن مع التعدي الممنهج على الدين وعقيدة توحيد الله، فخلق لنا تحت رسائل الازدهار والسلام، أن نعبد ما لم ينزل به سلطانا، فكانت الاتفاقيات الإبراهيمية تساق لنا على أنها دين جديد منزل من الله، كعجل السامري خاطف الأبصار ببريق ذهبه وخوار الريح فيه! ومن مروجي هذه الاتفاقيات من يلوون ألسنتهم بالكتاب قولا باطلا أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا، تحريفا لما أنزل من الله! وما كان إبراهيم إلا حنيفا مسلما! 

{إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنتُمْ هَٰؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} (70) – آل عمران. 

وبعد ذلك كله، استمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى وانتهاك حرمة الأرض المباركة! فحق الطوفان أن يأتي، ليزيل غشاوة هذا كله، فتعود الأبصار كالحديد! يرسله الله على أيدي رجال ليطهروا الأرض، ووضع لهذه الأمة مسار حق في السفينة التي بناها رجال الله ممن قضى نحبه! فنجونا بما نجونا، ويبقى السؤال الآن لماذا نجونا؟ وهل نحن ممن ينتظر؟

الصهيونية المعاصرة: بين القوة والرمزية الدينية 

الامتحان قادم، فها هي الصهيونية قد طغت وتجبرت، فأطلقوا على طائرات من طراز "إف 35" اسم "قدير" وطائرات "ال سي 150" أسماء الملائكة كميكائيل وجبرائيل، وفيهم الكهنة والسحرة ممن يخدعون العقول والأبصار بفتن طائفية، وخطاب كراهية وتمزيق وحدة الصف والهوية على منصات التواصل الاجتماعي ومحافل السياسة الوضعية، يكتبون الكتاب بأيديهم بما يشير عليهم الطاغوت! 

 اليوم، نشهد تعاظم القوة للكيان الصهيوني، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا من خلال الرموز الدينية التي توظف في خطاب القوة، كما أشار إلى ذلك المؤرخ إيلان بابيه في كتابه The Ethnic Cleansing of Palestine (2006)." 

المحنة والتمحيص: دروس من الطوفان والسفينة

آل صهيون اليوم يسوموننا العذاب، ويستحيون نساءنا، ويقتلون أبناءنا، وهذا جميعه من البلاء العظيم! فأين لنا بموسى؟ وما نحن بفاعلين؟ لم يعبر النهر الذي شق بعصى موسى إلا من آمن برسالة حامل العصى، أما من كان في قلبه شك أو مرض، فما أمن نفسه أن يعبر! إلا أن يهلك من قوم فرعون. ومنهم من عبد عجل السامري بعد الحق. وعلى ما يبدو أن هذه سنة من سنن الله، ليميز بها الخبيث من الطيب، والمنافق من المؤمن! كما أوردنا سابقا! 

وحال بني إسرائيل أيضا، عندما اشتد عليهم ظلم جالوت بسبب تشتتهم وعدم اجتماعهم على ملك واحد، فما كانت بداية نصرتهم إلا باختيار ملك واحد يجمع شتاتهم، فكان طالوت ومعه القلة من الجنود، فشد عليهم العطش حتى انتهوا إلى ماء نهر عن شربه، فما شرب منه إلا من كان في قلبه مرض، فردوا على أعقابهم وضرب عليهم الذل، بينما أخرج الله من بين من لم يشرب داود نبيا ليقتل الطاغوت الجبار جالوت! وهذه هي سنن الله التي يعلمنا إياها لنتعظ ونعقل! 

"أشار المؤرخ أرنولد توينبي في كتابه A Study of History إلى أن الحضارات التي تفشل في التكيف مع تحدياتها الأخلاقية والسياسية تنتهي إلى الانهيار." 

النور في آخر النفق: هل نحن أمام اختبار نهائي؟

هي ظلمة نعيشها اليوم، كأهوال يوم القيامة عندما يذهب الله بالنور، وينير للمؤمنين الطريق، فيلحق بأثرهم المنافقون، حتى ينتهوا إلى جدار ظاهره العذاب وباطنة الرحمة، يدخل منه المؤمنون باستقرار الإيمان في قلوبهم، ويمتنع عن العبور فيه المنافقون بمرض قلوبهم، واختيارهم تجنب ظاهر العذاب حتى ولو كان في قلبه رحمه ونجاة! 

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (13) – سورة الحديد. 

فهل يا ترى أننا اليوم أمام هذا الجدار؟! ومتى سيستقر الإيمان في القلوب بأن النصر لن يأتي إلا من عند الله؟ وأن الفئة القليلة قادرة على أن تغلب الفئة الكبيرة بعون الله ونصره! 

"النصر لا يأتي إلا لمن يؤمن به، كما يؤكد المؤرخ العسكري لِدِل هارت في كتابه Strategy (1954)، حيث يشرح كيف أن الإرادة القوية يمكن أن تقلب موازين القوى، حتى عندما يكون الطرف الآخر متفوقا عسكريا." 

ختاما: بين السلام والاستسلام

قرأت مؤخرا أن السلام الحقيقي هو خيار من يملك القدرة على القتال ولكنه يختار عدمه، بينما الاستسلام هو قدر من لا يملك القوة.

"وكما أشار الفيلسوف توماس هوبز في كتابه Leviathan (1651)، فإن السلام المستدام لا يتحقق إلا عندما يكون الطرفان في حالة تكافؤ." 

فهل نحن اليوم في مرحلة اختبار، حيث يتميز الصادق من المنافق، والقوي من الضعيف؟ ويبقى السؤال: كيف نعد أنفسنا لهذا الامتحان؟ ونعزز السلام لا أن نجر إلى حبال من الاستسلام! 

اقرأ المزيد.. سياسة لاعب البوكر.. فوضى التظاهر بالقوة سياسة ترامب في ولايته الثانية

دلالات
00:00:00