سياسة لاعب البوكر.. فوضى التظاهر بالقوة سياسة ترامب في ولايته الثانية
![ترامب ونتنياهو أمام الصحافة في غرفة البيت الأبيض ترامب ونتنياهو أمام الصحافة في غرفة البيت الأبيض](/sites/default/files/styles/landing_over_991/public/2025-02/tramb-wntnyahw-amam-alshaft-fy-ghrft-albyt-alabyd_0.jpg?h=a6a46a2e&itok=YaPHuctG)
خرج دونالد ترامب ليلة أمس متحدثا أمام الصحافة مستضيفا بجانبه مجرم حرب صدرت بحقه مذكرة اعتقال من أعلى المحاكم الدولية وهي المحكمة الجنائية الدولية "المحكمة الدولية الأولى والوحيدة الدائمة ذات الاختصاص القضائي".
في صورة تزداد قبحا بمعالم التوافق السياسي المبني على المصالح التجارية والأوهام الشخصية وتسجيل النقاط؛ فالأول يرى نفسه صانع سلام يستحق جائزة نوبل للسلام، والآخر مأزوم بوهم القائد العظيم الذي يصور نفسه بن غوريون العصر الحديث. فاجتمعت الأوهام أمام مدفأة البيت الأبيض.
بينما ما زالت شرارة حرب التهجير وسياسة التطهير العرقي تحترق في منطقة الشرق الأوسط، وآثار الدمار واضحة المعالم كاشفة عن أكبر مجزرة تطهير عرقي عرفتها البشرية في عصر التقانة والذكاء الاصطناعي، ليس فقط تجاه البشرية، بل تجاه كل مظاهر الحياة في قطاع غزة! مدفوعة بعقيدة الصهيونية الاستعمارية التي تؤمن بتفوق عرقي مطلق، وتلغي أي أعراق وثقافات أخرى. كما تظهره صور الأقمار الصناعية فوق منطقة بيت حانون والكثير من المناطق في القطاع المنكوب!
ترامب يحاكي لعبة الورق "البوكر"
ترامب يصف نفسه كصانع صفقات ومناور محترف أو المفاوض المحترف "negotiator"، بينما يدرك من يتعمق في فهم تصرفاته وسياساته أن كل هذه الفوضى التي يصنعها حوله هي محاكاة للعب الورق "البوكر"، بحيث يتظاهر أحد اللاعبين بالهدوء والقوة لإيهام الآخرين بأنه يملك الأوراق الرابحة، بينما كل ما يملكه هو الوهم، هو كذب أشر تحت ما يعرف بالـ "Bluffing" وهي كلمة كريهة، تتجاوز الخداع المعروف بال "deceive".
ويعد هذا النوع من الخداع -بل الكذب الأشر- استراتيجية متبعة في الولايات المتحدة في أروقة القانون والمحاكم والصفقات التجارية. مجموعة مصطلحات هجينة لا نستطيع أن نترجمها لرداءتها الذوقية ولبعدها عن موروثنا العربي الإسلامي! ولعلي أكتفي بذكر آيات القرآن من سورة البقرة والتي وصفت حال هؤلاء:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)".
سياسة لاعب البوكر واضحة في محادثات ترامب مع المكسيك وكندا
يظهر هذا الخداع الأشر وسياسة لاعب البوكر، بالمحادثات التي قامت بها إدارة ترامب مع المكسيك وكندا، حيث وصفت مختلف الأقلام المختصة بأن المفاوضين من الجانب المكسيكي والكندي أدركا خداع إدارة ترامب وأسموه بالـ "Bluffing" واكتشفوا فوضى القوة الذي يحاول أن يخدع بها ترامب محاوريه باستخدام ورقة وهم الضرائب والتعرفة الجمركية، بينما في الحقيقة أن قيام حرب الضرائب بين هذه الدول سيؤثر سلبا على المجتمع والسوق الأمريكي الهش أمام زيادة أسعار البضائع. ووصفوا ما خرجت به المفاوضات: بأن ترامب قد أعطي أقل ما يمكن ولكن هذا كان كافيا ليشعر ترامب بالنصر الواهم وما يرضي أوهامه النرجسية! على الأقل في موجات التفاوض الأولى حتى اللحظة!
الملك الحسين رحمه الله أجاد التعامل مع أوهام الصهيونية الأمريكية
لقد أجاد الحسين رحمه الله، التفاوض والتعامل مع أوهام الصهيونية الأمريكية، متوشحا بالفطنة والذكاء المبني على رواسخ مشروع رفض الاستعمار امتدادا لأهداف الثورة العربية الكبرى! متمسكا بالتفاوض المقرون بفرض الواقع، وبتساوي موازين القوى بكرامة وعدالة، محاطا برجال أحسنوا النصح؛ فتكاملت المواقف في الداخل والخارج. لم تخرج وقتها نداءات السكينة والسكون والتسكين المرهون بإكراهات الضعف والإذلال، ولم تؤثر أقلام السياسة وقتها على فواهات البنادق، بل أحسنت النصيحة بعيدا عن المصالح الشخصية والاعتبارات الفانية! فتذهب الشخوص وتبقى الأوطان!
ولعلي أختم هذا المقال بأن أقتبس كلمات ذهبية من خطاب العرش 1985 للحسين -رحمه الله- مخاطبا مجلس الأمة العاشر حين قال:
"إن دعم صمود أهلنا في الأرض المحتلة، بالإضافة إلى جوانبه الإنسانية التي تفرضها واجبات الأخوة والمروءة والشرف يرتبط ارتباطا عضويا بالأمن القومي العربي كله، وأهلنا وإن كانوا تحت الاحتلال البغيض، فإنهم يشكلون في ثباتهم على أرضهم الحقيقة الأساسية التي نستند عليها في استعادة حقوقنا المغتصبة، ومن هنا فإن العمل على تثبيت الشعب الفلسطيني بأرضه هو الركيزة الأولى في سياسة حكومتي تجاه الأرض المحتلة... فقد كانت القضية الفلسطينية وستبقى لنا في الأردن شغلنا الشاغل؛ لأنها تتغلغل في نفس كل فرد من أبناء شعبنا، وتدخل كل بيت من بيوتنا، ونعتبرها قدرا كتب علينا، أن نواجه بكل شرف وبسالة، ووفاء لأنها قضية عدوان يجب أن نرده وحق يجب أن نسترده."
"ومن هنا كانت كل نشاطاتنا وتحركاتنا بما فيها تحركنا المشترك مع منظمة التحرير الفلسطينية تستهدف زعزعة أركان الأمر الواقع، الذي أخذ يترسخ في ظل اللاحرب واللاسلم... وسنظل نحمل واجبنا القومي والوطني نحو هذه القضية المقدسة ونقوم بمسؤولياتنا ومساعينا نحو إحلال السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط على أسس الشرعية الدولية، وعلى ما قررته الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط، وفي إطار مؤتمر دولي تحضره أطراف النزاع المعنية كافة. ونحن نرى أنه بغير هذا لا سبيل إلى السلام، وبغير هذا تبقى منطقة الشرق الأوسط في اضطراب دائم وتوتر مستمر يهددان الاستقرار في المنطقة والسلام العالمي من جراء ذلك ولن يكتب التاريخ بأي حال من الأحوال، أننا خضعنا لتعنت إسرائيل وسياسة الأمر الواقع التي تتبعها أو أننا تنازلنا عن حقوقنا المشروعة... إن عملنا الدائم المتواصل، المستند إلى التضامن العربي، والمعزز بعلاقتنا الخارجية الوثيقة الممتازة مع جميع الدول كفيل بأن يوصلنا إلى شاطئ الظفر والأمان."
اقرأ المزيد.. حماس تصف تصريحات دونالد بالسخيفة