لاقت صورة البارجة الحربية الإسرائيلية - والتي رفع عليها العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم المصري- ومرت من قناة السويس المصرية الجمعة الماضية،
قناة السويس: شريان الحياة...وممر طريق الشهداء
وضعت أزمة الباخرة العملاقة الجانحة قناة السويس في صدارة الأخبار المحلية والعالمية، ونظر العالم بقلق إلى أهم المنافذ البحرية التجارية بين قارتي أوروبا وآسيا ،مئات السفن ما زالت عالقة حتى الان بين البحرين "الأبيض والأحمر" في انتظار تعويم الباخرة العملاقة وعودة الحركة كما كانت.
أبرز المحطات في تاريخ حفر هذه القناة و من أين جاءت فكرة انشائها ؟
شريان الحياة للمصريين وأسرع طريق بحري ملاحي
قناة السويس هي ممر مائي اصطناعي يبلغ طوله 193 كيلو متر ، تصل بين البحر الأبيض المتوسط و الأحمر ، وتعتبر أسرع ممر بحري بين قارتي أوروبا وآسيا بحيث يوفر نحو 15 يوماً من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
يطلق عليها المصريون "شريان الحياة" ، وتنقسم طولياً إلى قسمين شمال البحيرات المرة وجنوبها، وعرضياً إلى ممرين في أغلب أجزائها لتسمح بعبور السفن في اتجاهين في نفس الوقت.
قناة السويس : الإنسان يتحدى الجغرافيا القاسية
بدأت فكرة إنشاء القناة عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر ، وحاول نابليون بونابرت حفر القناة إلا أن فكرته لم تنجح وقتها .
وفي عام 1854 استطاع السياسي الفرنسي فرديناند دي لسبس إقناع محمد سعيد باشا بجدوة حفر القناة.
وكان دي لسبس حاضرا وسط العمال والمهندسين وأمسك بالفأس وضرب أول ضربة بيده وقال للعمال: "سيضرب كل منكم بمعوله هذه الأرض الضربة الأولى كما فعلنا نحن الآن، عليكم أن تذكروا أنكم لن تحفروا الأرض فقط ولكن ستجلبون بعملكم الرخاء لعائلاتكم و بلادكم الجميلة.
وبعدها تم منح الشركة الفرنسية امتياز حفر وتشغيل القناة 99 سنة و افتتحت في العام 1869 بحفل كبير.
وفي 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية، إلا أن تلك المحاولة لم تنجح مساعيها.
10 أعوام من الحفر والموت والدموع ... والملف لم يغلق بعد
استمر حفر قناة السويس ما بين الأعوام 1859 - 1869 وأسهم في حفرها مليون عامل مصري ، مات منهم اكثر من 120 ألف عامل اثناء سنوات الحفر بسبب الجوع والعطش والاوبئة والمعاملة السيئة.
العمال "يتساقطون كالذباب
و وصف كتاب "السخرة فى حفر قناة السويس" للمؤرخ الدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى المأساة الإنسانية للعمال المصريين أثناء حفر القناة ، حيث شارك في حفرها أطفال دون الثانية عشرة .
والتزمت الشركة بتقديم الخبز إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره، كما فرضت عقوبات على العمال الهاربين من الحفر ليس بخصم أجرهم فقط بل تعدى الأمر إلى تعذيبهم حتى الموت.
ويوثق الكتاب كيف تم حشد العمال للحفر دون توفير مورد للماء أو التنقل ، ليتركوا وسط الصحراء دون مقومات الحياة ، وبدأ العمال "يتساقطون كالذباب من شدة العطش والانهيارات الرملية".
ثم توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار أوبئة الجدري والكوليرا والسل،وخالفت الشركة ما وعدت به من استخدام وسائل متطورة فى الحفر وآليات وكراكات" وأكرهت العامل المصرى على العمل فى ظروف قاسية معتمدا فقط على ساعديه وعلى الفأس و"القفة"!
عقب ذلك كثر تمرد العمال وهروبهم مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم.
وكان عدد الوفيات ضخما فكان الموت يدرك العمال قبل أن تصل إليهم المياه، وكان معظم العمال يلوذون بالفرار من ساحات الحفر حين يستشعرون الخطر الداهم بسبب نفاد كميات المياه، وتأخر وصول قوافل المياه،فكانوا يلقون حتفهم فى الطريق من شدة العطش، وتظل جثثهم فى العراء على رمال الصحراء تنهشها الحيوانات الضالة.
الشركة الفرنسية تركت العمال المصريين في الصحراء دون مياه أو ملابس أو وسائل للنقل
وبرغم أن الشركة الفرنسية قامت بتخصيص إدارة طبية ومركزا لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن أوامر صدرت بأن تركز هذه الإدارة جهودها فقط فى رعاية العمال والموظفين الأجانب. كما أن العيادة المخصصة لعلاج العمال المرضى رفضت تقديم الخدمة إلا للاجانب
ثم جاءت الكوليرا في صيف عام 1865 وعصفت بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالا يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء!
اما اكبر مأساة تعرض لها العمال خلال عمليات الحفر ظهور مادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما ادى الى اصابة الآلاف بالأمراض الغامضة والتى أدت الى وفاتهم على الفور.
محاولة استعادة التاريخ ليست بالأمر اليسير
رمال القناة كانت مقابر جماعية للعمال و بورسعيد تضم أكبر مقبرة لعمال السخرة فى التاريخ .
ويحاول الكتاب "السخرة فى حفر قناة السويس" الاجابة على السؤال الكبير : أين دفن عشرات الآلاف من العمال الذين حفروا القناة؟
فحاول الكاتب أن يجد طرفا للخيط، وكانت المفاجأة أن رمال القناة كانت مقابر جماعية للعمال، وكان العامل الذى يموت يقوم أصدقاؤه بشق حفرة على مقربة من ضفاف القناة ويتم دفنه. وكانت أطراف بورسعيد تضم أكبر مقبرة لعمال السخرة فى التاريخ.
تأميم القناة و إغلاقها ثم فتحها من جديد
عام 1956 أمم الرئيس المصري جمال عبد الناصر القناة ، ما تسبب في إعلان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي، الذي انتهى بانسحابهم
وتسببت حرب 1967 بإغلاق قناة السويس أكثر من ثماني سنوات، حتى أعاد الرئيس السادات افتتاحها في (حزيران) 1975، بعد فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، ووقف إطلاق النار ضمن أحداث حرب أكتوبر (تشرين الأول).
قناة السويس اليوم …. أهمية الحاضر وفكرة الماضي البعيد
يسجل التاريخ أن مصر كانت أول بلد حفر قناة عبر أراضيها بهدف تنشيط التجارة العالمية، لأن قناة السويس تعد أقصر الطرق بين الشرق والغرب، وتعود فكرة ربط البحر المتوسط مع الأحمر عن طريق قناة منذ زمن بعيد. كما تشير إلى ذلك الدراسات التاريخية بدءاً من العصر الفرعوني، ومروراً بالعصر الإسلامي، حتى جرى حفرها للوصول إلى حالتها الراهنة.
ومن حيث أهمية قناة السويس الاقتصادية والتجارية، فهي تسهم في انخفاض الناحية المادية لعملية النقل التجاري بين الدول، كما أنها توفر الوقت والجهد اللذين كانا في السابق قبل حفر القناة، لذلك فهي تمثل نحو 80 في المئة من حركة الشحن التجاري في العالم.