تواصلت اعتداءات قوات الاحتلال أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء في مناطق متفرقة من الضفة الغربية المحتلة، وأسفرت عن استشهاد شاب وإصابة آخرين، إلى
الضفة الغربية والقدس 2025: تصعيد شامل وإعادة تشكيل الجغرافيا بالقوة
مع اقتراب عام 2025 من نهايته، بدت الضفة الغربية والقدس المحتلتان ساحة مفتوحة لتصعيد إسرائيلي متدرج ومركب، تجاوز الطابع الأمني إلى مشروع سياسي–جغرافي متكامل، جمع بين الاقتحامات العسكرية الواسعة، والتوسع الاستيطاني غير المسبوق، وهدم المنازل، والتهجير القسري، وتكثيف الاعتقالات، في مسعى واضح لفرض واقع ديموغرافي جديد، وتقويض أي إمكانية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقد تزامن هذا التصعيد مع حرب الإبادة على قطاع غزة، ما جعل عام 2025 واحدا من أكثر الأعوام دموية وخطورة في تاريخ الضفة الغربية.
تصعيد ميداني شامل وارتفاع أعداد الشهداء في الضفة الغربية
شهدت الضفة الغربية خلال عام 2025 تصعيدا ميدانيا حادا، تمثل في عمليات عسكرية متواصلة واقتحامات يومية للمدن والقرى والمخيمات، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 1103 من الفلسطينيين، وإصابة نحو 11 ألفا آخرين، في واحدة من أعلى الحصائل السنوية منذ سنوات.
وترافق ذلك مع استخدام مفرط للقوة، وعمليات إطلاق نار مباشرة، واستهداف منظم للمناطق السكنية.
الاستيطان و تسريع مشروع الضم
سجل عام 2025 تصاعدا لافتا في النشاط الاستيطاني، بزيادة تقدر بنحو 40% مقارنة بالأعوام السابقة، مع إنشاء ما يقارب 114 بؤرة استيطانية جديدة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. كما صادقت حكومة الاحتلال على شرعنة 19 موقعا استيطانيا وتحويلها إلى مستوطنات رسمية، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى ربط المستوطنات القائمة ببعضها، ومصادرة مئات الدونمات الفلسطينية لشق طرق استيطانية وتعزيز السيطرة الجغرافية، لا سيما في محيط الخليل ونابلس والأغوار.
تهجير قسري وتفريغ الأرض من سكانها
لم يقتصر التهجير القسري على التجمعات البدوية، بل طال مخيمات وبلدات فلسطينية واسعة، خصوصا في شمال الضفة الغربية. فقد أدت العمليات العسكرية إلى تهجير نحو 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، ضمن سياسة تهدف إلى إعادة هندسة المشهد الأمني والجغرافي.
وفي السياق ذاته، هجرت عشرات التجمعات البدوية قسرا نتيجة اعتداءات المستوطنين المتواصلة، والتي شملت الحرق المتعمد للمنازل والممتلكات، في مسعى واضح لإخلاء المناطق المصنفة "ج" من سكانها الفلسطينيين.
هدم المنازل والمنشآت: سياسة العقاب الجماعي
شهد عام 2025 تسارعا غير مسبوق في عمليات هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، حيث هدمت أكثر من ألف منشأة منذ بداية العام، فيما تجاوز عدد المنشآت المدمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 نحو 3500 منشأة.
ونفذت عمليات الهدم بذريعة البناء دون ترخيص، أو تصنيف الأراضي كـ"أراضي دولة"، إضافة إلى هدم منازل عائلات الشهداء والأسرى، ما أدى إلى تهجير آلاف الفلسطينيين، خصوصا في محيط القدس والخليل.
اعتداءات المستوطنين: عنف منظم تحت حماية الجيش
ترافق التوسع الاستيطاني مع تصاعد غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين، حيث وثقت تقارير رسمية وأممية أكثر من 2800 اعتداء خلال عام 2025، شملت القتل، والاعتداء الجسدي، وإحراق المنازل والمركبات، وتخريب الأراضي الزراعية، والاستيلاء على الممتلكات.
وسُجل شهر تشرين الأول كأعلى الأشهر من حيث عدد الاعتداءات، مع توثيق 264 اعتداء، وهو رقم قياسي يعكس تصاعدا خطيرا في وتيرة العنف، وسط تساهل حكومي إسرائيلي وغطاء أمني مباشر.
الأسرى الفلسطينيون في 2025
كثفت دولة الاحتلال خلال عام 2025 حملات الاعتقال والقمع بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، في إطار سياسة ممنهجة هدفت إلى كسر المجتمع الفلسطيني واستنزافه، حيث وثقت مؤسسات حقوقية فلسطينية نحو 7 آلاف حالة اعتقال خلال العام، من بينهم 600 طفل و200 امرأة.
ووفق تقرير مشترك صادر عن نادي الأسير ومؤسسة الضمير وهيئة شؤون الأسرى، ارتفع إجمالي عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية إلى أكثر من 9300 أسير، بينهم 3350 معتقلا إداريا يشكلون قرابة نصف الأسرى، في مؤشر خطير على التوسع في سياسة الاحتجاز دون تهم أو محاكمات.
كما صنفت سلطات الاحتلال 1220 أسيرا باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين"، في تكريس قانوني زائف للاعتقال التعسفي.
كما وثق التقرير استشهاد 32 أسيرا داخل السجون خلال 2025، بينهم 10 من قطاع غزة، ليرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر 2023 إلى 100 شهيد، غالبيتهم قضوا نتيجة التعذيب والإهمال الطبي المتعمد.
القدس المحتلة: تهويد متسارع وتضييق ممنهج
في القدس المحتلة، تواصلت سياسات التهويد والتضييق على المقدسيين، عبر هدم المنازل، وسحب الهويات، وتوسيع المستوطنات، وتشديد القيود على الحركة والوصول إلى المسجد الأقصى، في إطار مشروع يستهدف تغيير الطابع الديموغرافي للمدينة وفرض وقائع نهائية على الأرض.
المقاومة في الضفة: رد فعل على القمع المتصاعد
رغم القبضة الأمنية المشددة، شهدت الضفة الغربية والقدس المحتلتان خلال 2025 تصاعدا في أعمال المقاومة الفلسطينية، تنوعت بين عمليات دهس وطعن، وإطلاق نار، ورشق حجارة، وتفجير آليات عسكرية، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وحرب الإبادة على غزة.
وفي الشهر الأخير من هذا العام، سجلت 82 عملية مقاومة وشعبية، ما يعكس حالة غليان شعبي مستمرة.
الأفق السياسي وخيارات 2026
مع نهاية 2025، تقف الضفة الغربية أمام مشهد بالغ الخطورة، في ظل خطط إسرائيلية واضحة لاستكمال مشروع الضم، وحشر الفلسطينيين في جزر سكانية معزولة، وتقويض أي أفق سياسي حقيقي.
ويرى مراقبون أن عام 2026 قد يشهد تسريعا للتشريعات والإجراءات الإدارية الهادفة إلى حسم الصراع، غير أن نجاح هذه المخططات يبقى مرهونا بعوامل عدة، في مقدمتها وحدة الموقف الفلسطيني، ومستوى الضغط الدولي، وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والمقاومة في وجه مشروع الإقصاء الشامل.
اقرأ المزيد.. غزة 2025: عام الإبادة المفتوحة وتمدد النكبة من الحصار إلى المجاعة