دخلت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ727 منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر 2023، والـ197 منذ استئنافها في آذار الماضي، وسط
خطة ترامب: بين الطروحات السياسية والتحديات الواقعية

في لحظة حرجة تقترب فيها حرب الإبادة على قطاع غزة من دخول عامها الثالث، وفي ظل السعي المتواصل لفرض السيطرة الإسرائيلية على الواقع الميداني، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن بيان تفصيلي تضمن خطة شاملة من 20 بندا أطلق عليها "خطة ترامب" فيما يلي توضيح لها.
خطة ترامب تتضمن 20 بندا
-
ستكون غزة منطقة خالية من التطرف والإرهاب، لا تشكل تهديدا لجيرانها.
-
ستتم إعادة تطوير غزة لصالح سكان غزة الذين عانوا ما يكفي.
-
إذا وافق الطرفان على هذا المقترح، ستنتهي الحرب فورا، وستنسحب القوات الإسرائيلية إلى الخط المتفق عليه استعدادا لإطلاق سراح الرهائن. خلال هذه الفترة، سيتم تعليق جميع العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، وستبقى خطوط القتال مجمدة حتى تتحقق شروط الانسحاب الكامل على مراحل.
-
في غضون 72 ساعة من قبول "إسرائيل" العلني لهذه الاتفاقية، ستتم إعادة جميع الرهائن، أحياء وأمواتا.
-
بمجرد إطلاق سراح جميع الرهائن، ستفرج "إسرائيل" عن 250 محكوما عليهم بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023، بمن فيهم جميع النساء والأطفال، ومقابل كل رهينة إسرائيلي تفرج عنه، ستفرج "إسرائيل" عن رفات 15 غزيا متوفى.
-
بمجرد إعادة جميع الرهائن، سيتم العفو عن عناصر حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي ونزع سلاحهم. وسيتم توفير ممر آمن لعناصر "حماس" الراغبين في مغادرة غزة إلى الدول المستقبلة.
-
إرسال المساعدات الكاملة فورا إلى قطاع غزة، وستكون كميات المساعدات، كحد أدنى، متوافقة مع ما ورد في اتفاقية 19 كانون الثاني 2025 بشأن المساعدات الإنسانية، بما في ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية (المياه والكهرباء والصرف الصحي)، وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق.
-
سيستمر دخول التوزيع والمساعدات إلى قطاع غزة دون تدخل من الطرفين من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية الأخرى غير المرتبطة بأي شكل من الأشكال بأي من الطرفين، وسيخضع فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين بالآلية نفسها المطبقة بموجب اتفاقية 19 كانون الثاني 2025.
-
ستُحكم غزة بموجب حكم انتقالي مؤقت للجنة فلسطينية تكنوقراط غير سياسية، مسؤولة عن تقديم الخدمات العامة والبلديات اليومية لسكان غزة، وتتكون هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة، وهي "مجلس السلام"، ويرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سيتم الإعلان عنهم، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق توني بلير، وستضع هذه الهيئة الإطار وتتولى تمويل إعادة تطوير غزة حتى تكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي.
-
سيتم وضع خطة ترامب للتنمية الاقتصادية لإعادة بناء غزة وتنشيطها من خلال عقد اجتماع للجنة من الخبراء الذين ساعدوا في ولادة بعض المدن الحديثة في الشرق الأوسط.
-
ستنشئ منطقة اقتصادية خاصة بتعرفة جمركية وأسعار دخول تفضيلية يتم التفاوض عليها مع الدول المشاركة.
-
لن يجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب بالمغادرة أو العودة فله الحرية الكاملة.
-
توافق حماس والفصائل الأخرى على عدم الاضطلاع بأي دور في حكم غزة، بأي شكل من الأشكال، وستكون هناك عملية لنزع السلاح من غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، والتي ستشمل وضع الأسلحة بشكل دائم خارج نطاق الاستخدام من خلال عملية متفق عليها لتفكيكها، وبدعم من برنامج إعادة الشراء وإعادة الإدماج بتمويل دولي، ويتم التحقق منه جميعا من قبل المراقبين المستقلين، وتلتزم "غزة الجديدة "التزاما كاملا ببناء اقتصاد مزدهر وبالتعايش السلمي مع جيرانها.
-
سيقدم الشركاء الإقليميون ضمانا لامتثال حماس والفصائل لالتزاماتها، وعدم تشكيل "غزة الجديدة" أي تهديد لجيرانها أو شعبها.
-
ستعمل الولايات المتحدة مع الشركاء العرب والدوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) للانتشار الفوري في غزة، وستقوم هذه القوة بتدريب قوات الشرطة الفلسطينية ودعمها في غزة، وتتشاور مع الأردن ومصر اللتين تتمتعان بخبرة واسعة في هذا المجال، وستكون هذه القوة الحل الأمني الداخلي طويل الأمد.
-
"إسرائيل" لن تحتل غزة أو تضمها مع ترسيخ قوات الأمن الإسرائيلية سيطرتها واستقرارها، ستنسحب القوات الإسرائيلية وفقا لمعايير ومعالم وجداول زمنية مرتبطة بنزع السلاح، يتفق عليها بين الجيش الإسرائيلي والجهات الضامنة والولايات المتحدة، بهدف ضمان أمن غزة وعدم تهديدها لإسرائيل أو مصر أو مواطنيها.
-
في حال تأجيل "حماس" أو رفضها لهذا المقترح، فإن ما سبق، بما في ذلك توسيع نطاق عملية المساعدات، سينفذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي سلمها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قوات الأمن الدولية.
-
سيتم إطلاق عملية حوار بين الأديان، قائمة على قيم التسامح والتعايش السلمي، سعيا لتغيير عقليات وتصورات الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال التأكيد على منافع السلام.
-
مع تقدم إعادة إعمار غزة، ومع تطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيرا لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه طموح الشعب الفلسطيني.
-
ستطلق الولايات المتحدة حوارا بين "إسرائيل" والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي لتعايش سلمي ومزدهر.
موقف حركتي حماس والجهاد الإسلامي من خطة ترامب
وسط حالة من الترقب لطبيعة الرد المنتظر من حركة حماس تجاه ما أعلنه ترامب، أفادت مصادر دبلوماسية بأن الوسيطين القطري والمصري سلما الحركة نسخة من الخطة الأمريكية، وأن الأخيرة وعدت الوسطاء بدراستها بمسؤولية بما يحفظ حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، ويحميه من المجازر ويضمن وقف إطلاق النار، بينما وصف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة تلك الخطة بأنها اتفاق أمريكي إسرائيلي خالص، وأضاف بأنها وصفة لاستمرار العدوان على غزة.
ردود الفعل العربية والإسلامية والغربية
ويأتي إعلان خطة ترامب بعد اجتماع شهدته نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80، وضم الاجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة دول عربية وإسلامية من بينها الأردن السعودية وتركيا، ورحبت تلك الدول في بيان مشترك بالخطة وأعربت عن ثقتها بقدرة ترامب على "إيجاد طريق للسلام" كما رحبت بجهوده التي وصفتها "بالصادقة" لإنهاء حرب غزة، في حين لم يختلف موقف السلطة الفلسطينية عن مواقف تلك الدول حيث أثنت الرئاسة الفلسطينية على الجهود الأمريكية والعربية المبذولة لوقف الحرب.
كما عبرت دول غربية من بينها "فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والنرويج" عن دعمها للخطة، معتبرة أنها قد تفتح الباب أمام وقف دائم للحرب، والإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وكامل لسكان غزة.
في حين لم تكن ردة فعل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مستغربة حيث رحب بخطة ترامب وفق شروط محددة.
انعكاسات الخطة على قطاع غزة
وفي قراءته لبنود خطة ترامب، أشار المحلل السياسي الفلسطيني محمد الأخرس إلى أنها لا تعني وقفا كاملا للعمليات العسكرية الإسرائيلية داخل القطاع، وأنها تخلو من أي ضمانات حقيقية، وأن بنود الخطة -بحسب الأخرس- لا تلزم الاحتلال "بإنهاء السيطرة الأمنية" على قطاع غزة.
ويرى الأخرس أن خطة ترامب ستبقي على قوات الاحتلال منتشرة في معظم مناطق القطاع رغم افتراض تسليم المقاومة كافة الأسرى، مما يبقي حالة الاشتباك مستمرة.
وأضاف الأخرس أن خطة ترامب لا تحمل أي نتائج فورية أو ملموسة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، مؤكدا أن تنفيذها يحتاج لأشهر طويلة حتى تتضح على أرض الواقع بالنظر إلى المتغيرات التي أدرجها الاحتلال في مسودة الاتفاق الأخيرة والتي تضمنت فروقا جوهرية أبرزها:
-
فيما يتعلق بالأسرى، ذكر في المسودة الإفراج عن عدة مئات من الأسرى الأمنيين الفلسطينيين وألف غزي، بينما نصت النسخة النهائية على الإفراج عن 250 محكوما بالمؤبد و1700 من الغزيين.
-
في إدارة القطاع، انتقلت من فكرة "هيئة دولية" إلى "مجلس السلام" برئاسة ترامب وبمشاركة توني بلير.
-
على صعيد نزع السلاح، حلت عملية إشرافية لمراقبين مستقلين ومخططات تعطيل دائم محل بند تدمير الأنفاق والبنية العسكرية الهجومية.
وأوضح أن خطة ترامب غلبت عليها البنود العامة وغير المفصلة، باستثناء ما يتعلق بالأسرى الإسرائيليين وموعد الإفراج عنهم، في حين ربط المقترح الانسحاب الإسرائيلي من القطاع بمسألة "نزع السلاح" و"وجود القوات الدولية".
خيارات المقاومة الفلسطينية
بعد أن أكد الأخرس أن المقاومة الفلسطينية لن تتخلى عن هويتها وعن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، جدد التأكيد على أن المقاومة ستواجه المخططات التي تهدد بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، مرجحا أن يرتبط موقف المقاومة من المقترحات التي قدمها ترامب بالمفاوضات الموسعة مع جميع الأطراف الفلسطينية، والتواصل الفعال مع الوسطاء.
مجلس السلام.. علامات استفهام
وتثار العديد من التساؤلات حول البند التاسع من خطة ترامب والذي ينص على أن تُحكم غزة بموجب حكومة انتقالية مؤقتة فلسطينية تتسم بالتكنوقراط وغير سياسية، وتتكون هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة، وهي "مجلس السلام"، والتي يرأسها ترامب، مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سيتم الإعلان عنهم، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير" المثير للجدل.
بلير عرّاب الحروب
وفي الحديث عن توني بلير يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد الأخرس أن مشاركته تعد مؤشرا سلبيا على طبيعة التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، نظرا لدوره التاريخي الذي يتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه -حسب رأيه-.
وتساءل الأخرس عن مصلحة واشنطن وتل أبيب بإسناد هذه المهمة لشخصية ارتبط اسمها بشكل سلبي فيما يتعلق بحرب العراق عام 2003 فضلا عن وقفه ضد مصالح الشعب الفلسطيني؟
موضحا أن تنفيذ المقترحات الأمريكية سيشكل مسارا سياسيا يهدد الوضع القانوني للفلسطينيين داخل أراضي عام 67، ويعني عمليا وقانونيا نهاية اتفاقيات أوسلو وتحويل الهيئة الدولية المؤقتة التي ستشرف على القطاع إلى كيان دائم يضم سلطة رام الله.
يشار إلى أنه عند ذكر اسم بلير تستدعي الذاكرة الحرب على العراق عام 2003، والتي شنها التحالف الدولي برعاية الولايات المتحدة بمشاركة بريطانيا تحت ذريعة "نزع أسلحة الدمار الشامل" التي ثبت لاحقا أنها خدعة، ما أكسبه سمعة سيئة ولقب "مجرم حرب"، إذ إنه واجه انتقادات لاذعة من أعضاء حزبه "العمال البريطاني" وكذلك من أبناء شعبه.
ما هي حظوظ خطة ترامب؟
وفي حديثه عن خطة ترامب، أشار الأخرس إلى وجود العديد من المعيقات أمام نجاحها، منها:
-
عدم واقعيتها وغياب شريك فلسطيني مستعد للتعاون معها.
-
عدم وضوح الدور العربي والإسلامي وما إذا كانت خطة ترامب تحمل صفة قانونية معتمدة من مجلس الأمن.
-
مدى إمكانية التزام حكومة نتنياهو ببعض بنودها خصوصا المتعلقة بالانسحاب من القطاع ووقف العمليات العسكرية وإدخال المساعدات بكميات كافية وضمان عدم التهجير في ظل توجه نتنياهو للسيطرة الأمنية الدائمة على القطاع.
واختتم الأخرس حديثه عن موقف أهالي القطاع والمقاومة من استمرار العدوان على غزة، قائلا:
"إن أهالي القطاع يريدون صفقة تنهي الحرب بشكل حقيقي وليس اتفاقيات تؤدي لاستدامة العدوان والنزوح والتهجير، وهو جوهر الموقف الذي تعبر عنه المقاومة الفلسطينية".
سؤال برسم الإجابة: تسوية أم تصفية؟
على الرغم من بنود خطة ترامب التي تظهر كخطوة أولية لتسوية الأوضاع في غزة، فإن الفخ يكمن بالتفاصيل حسب ما يرى مراقبون، وتؤكد المعطيات على أرض الواقع أنه لا ضمانات تلزم "إسرائيل" بتنفيذ بنودها، وسط ترجيحات بفشل ما يتعلق بمجلس السلام أو قبول المقاومة التخلي عن سلاحها، ويبقى السؤال الأبرز:
"هل تمثل خطة ترامب مسارا لتسوية سياسية أم أنها تصفية للقضية الفلسطينية من بوابة غزة؟"
اقرأ المزيد.. أبو رمان: الخطة استكمال لمشروع نتنياهو