أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن فجراليوم الثلاثاء، مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري ،في هجوم نفذته طائرة أمريكية مسيرة تابعة لوكالة
أفغانستان بقبضة طالبان كيف انبعثت من جديد وإلى أين ستذهب
تطورات متسارعة شهدتها ساحة أفغانستان وكانت حركة طالبان محورها فخلال الأيام الماضية شكلت مفاجئة للعالم فقبل أسبوعين من استكمال الولايات المتحدة الأمريكية انسحاب قواتها بعد حرب باهظة التكاليف استمرت على مدار 20 عاما، وعلى حين غرة وفي غضون أيام اقتحمت حركة طالبان جميع أنحاء البلاد، واستولت على جميع المدن الرئيسية واختفت القوات الأفغانية التي دربتها وجهزتها أمريكا وحلفائها، وهرب رئيس البلاد وفرّ الآلاف في مشهد تاريخي سيبقى محفورا في ذاكرة العالم.
أفغانستان ما الذي حدث وماذا صنعت طالبان ؟
حركة طالبان، الجماعة الأفغانية المسلحة حكمت أفغانستان أواخر تسعينيات القرن الماضي، تلاشت بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان عام 2001 لاستئصال تنظيم القاعدة -الذي دبر هجمات الحادي عشر من أيلول /سبتمبر.
أطاح الغزو الأمريكي بالحركة عن السلطة، لكنها لم تغادر الأراضي الأفغانية، ومؤخرا وبعد أن انتشرت في جميع أفغانستان، انهارت الحكومة التي أدارت البلد لعشرين عاما وبدعم غربي، فسارع الأفغان خوفًا على المستقبل إلى المطار، وهو أحد الطرق الأخيرة للخروج من البلاد.
ومع تحول أنظار الولايات المتحدة إلى العراق عام 2003 للقضاء على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عملت طالبان على إعادة تشكيل صفوفها من جديد وبدأت خلال السنوات الماضية تنهض من تحت الرماد، وتتمدد شيئا فشيئا على جزء كبير من البلاد.
ومع قدوم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تبدلت خطط واشنطن في التعامل مع الحركة، فأقر ترامب عام 2020 خطة للانسحاب من أفغانستان تزامنا مع توقيع اتفاق مع الحركة يضمن عدم استهداف القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، وما أن جاء خلفه جو بايدن حتى أعلن أن القوات الأخيرة ستغادر نهاية آب/ أغسطس الجاري، الأمر الذي أعطى طالبان دفعة كبيرة لشنّ هجوم كاسح للسيطرة على البلاد، فسقطت مدينة تلو الأخرى أمام زحف الحركة، وفرّت القوات الحكومية والأجهزة الأمنية الأفغانية مخلفة وراءها العتاد والسلاح، تاركة مؤسسات الدولة دون أي دفاع.
لماذا فرّ الأفغانيون؟
وخلال اليومين الماضيين اكتسحت فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر آلاف الأفغانيين الفارين خوفا من انزلاق البلاد نحو الفوضى، أو أن تقوم طالبان بتصفية حسابها مع أولئك الذين تعاونوا مع واشنطن أو الحكومة الأفغانية المدعومة من قبلها.
ماذا حدث في مطار كابل؟
هرع آلاف الأفغان إلى مطار كابل على أمل الهروب من البلاد، وتشبثوا بجانب طائرة عسكرية أثناء إقلاعها، ثم ما لبث أن سقطوا، واستخدمت القوات الأمريكية طائرات هليكوبتر في محاولة لتفريق الحشود وأطلقت طلقات تحذيرية في الهواء ما أفضى إلى مقتل عدد من الأفغانيين.
كما عبّر البعض عن خشيته من أن تفرض طالبان ما وصفوه "التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية" الذي اعتمدوا عليه عند إدارة أفغانستان في الفترة 1996 - 2001 ، فمنعت طالبان وقتها النساء من الالتحاق بالتعليم أو العمل خارج منازلهن، كما فرضت عليهن ارتداء البرقع الشامل -الذي امتاز بلونه الأزرق ويستر المرأة بشكل كامل من الرأس حتى القدمين- كما حظرت طالبان الموسيقى ودور السينما وأماكن اللهو وطبّقت الحدود في جرائم السرقة والزنا، فقطعت أيدي اللصوص ورجمت الزناة بالحجارة، الأمر الذي يعارضه الغرب بزعم أن ذلك يمتهن كرامة الإنسان ويحد من حريته.
ومع سيطرة طالبان على السلطة، وعدت باحترام حقوق المرأة، والعفو عن أولئك الذين قاتلوا ضدها، كما أكدت عدم السماح لأي طرف باستخدام أفغانستان كقاعدة للهجمات الإرهابية.
لماذا انهارت قوات الأمن الأفغانية؟
الجواب القصير هو الفساد حيث أنفقت أمريكا وحلفاؤها في الناتو المليارات خلال العقدين الماضيين لغايات التدريب وتسليح القوات الأفغانية، لكن حكومة أفغانستان كانت غارقة بالفساد، فسرقت موارد البلاد بطريقة وأخرى، حيث كانت الحكومة الأفغانية ترفع من عدد قواتها بشكل وهمي يتيح لها الحصول على كثير من الأموال، بينما بقيت القوات الفعلية على الأرض دون ذخيرة أو حتى طعام، ما أدى إلى تراجع معنويات تلك القوات، وما زاد الأمر سوءا جدية واشنطن في الخروج من أفغانستان.
مع سيطرة طالبان في الأيام الأخيرة، استسلمت وحدات كاملة بعد معارك قصيرة، وسقطت العاصمة ومقاطعات مجاورة دون قتال عبر صفقات مع قيادات أمنية وعسكرية، كما فرضت سيطرتها على كافة المعابر الحدودية مع الدول المجاورة لأفغانستان كباكستان وإيران.
هروب الرئيس الأفغاني أشرف غني بعد سيطرة طالبان على كابل
وفي الساعات الأخيرة لسقوط العاصمة كابل بيد طالبان، اكتفى الرئيس أشرف غني بتصريحات خجولة، تؤكد على الصمود في وجه طالبان والحفاظ على العاصمة، بينما كانت عناصر الحركة تدخل كابل من عدة جهات، وبعد أن أيقن الرئيس غني انتهاء كل شيء وسيطرة طالبان فرّ من البلاد قائلا: "اخترت المغادرة تجنبا لإراقة الدماء".
وتضاربت الأنباء حول الوجهة التي فرّ إليها الرئيس، حيث قالت وسائل إعلام محلية أفغانية إن الرئيس هرب إلى طاجيكستان ثم إلى سلطنة عمان، ثم عادت ونقلت عن مصادر لم تسمها أن الرئيس في عاصمة الإمارات أبو ظبي، مضيفة أنه هرب ومعه ملايين الدولارات عبر طائرة هيلوكوبتر، وتأكد ذلك فعليا عندما خرج الرئيس الهارب في تصريح متلفز بثته وكالات الأنباء معلنا عن مكان وجوده في أبو ظبي، نافيا قيامه بسرقة أي أموال و واعدا بالعودة إلى بلاده من جديد.
ماذا قال بايدن؟
وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب متلفز -وجهه للأمة الأمريكية- الوضع في أفغانستان بأنه "مؤلم" لكنه رفض إلقاء اللوم عليه فيما يحدث.
وبينما أقر بايدن بأن انهيار الحكومة الأفغانية حدث بسرعة أكبر بكثير مما توقع، قال إنه يقف "بشكل مباشر وراء" قراره بسحب القوات الأمريكية.
وواجه بايدن انتقادات حادة بسبب ما وصفته عدة أطراف عدم معرفته بحقيقة ما يجري على الأرض في أفغانستان، مستذكرين كلمته التي ألقاها في تموز الماضي وشدد خلالها عدم السماح بعودة طالبان، مؤكدا قدرة الجيش الأفغاني والأجهزة الأمنية على مواجهة الحركة والصمود بما تمتلكه من قدرات عسكرية.
بين أفغانستان وسقوط سايغون
كانت سيطرة القوات الفيتنامية على سايغون عام 1975 تعد نهاية الحرب الأمريكية الفيتنامية، فأصبح ذلك السقوط تعبيرا عن سقوط واشنطن أيضا، حيث نقلت الطائرات الأمريكية آنذاك الآلاف من الأمريكيين والفيتناميين إلى خارج سايغون بطائراتها العسكرية.
المشهد الذي تكرر بعد مرور 46 عاما في العاصمة الأفغانية كابل عندما نقلت شاشات التلفزة العالمية صورا حية للطائرات العسكرية الأمريكية وهي تحلق فوق السفارة الأمريكية في محاولة منها لإخلاء موظفيها، مقارنة رفضها وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكين.
اقرأ المزيد: مواقف دول العالم مما يحدث في أفغـانستان
مخاوف من حكم طالبان رغم تطمينات الحركة
تقول طالبان إنها تريد تشكيل حكومة توافق، مشددة على إجراء مفاوضات مع كبار السياسيين، بمن فيهم سياسيون سابقون، وتعهدت بتطبيق الشريعة الإسلامية، وأنها ستشجع النساء على الانضمام إلى حكومتها، وأنها ستوفر بيئة آمنة لاستعادة الحياة الطبيعية بعد عقود من الحرب.
لكن أفغانيين كثر يخشون أن يكون حكم طالبان عنيفًا وقمعيًا، كما عبر البعض عن قلقهم من انهيار الأمن بعد إطلاق سراح آلاف السجناء وتذويب قوات الأمن في مواجهة تقدم طالبان، علماً أن الحركة أرسلت رسائل للعالم كافة عبّرت خلالها عن نهج جديد قائم على احترام حقوق جميع الأفغانيين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية، كما أعلنت عن عفو عام عن جميع موظفي الدولة، داعية إياهم إلى الالتحاق بأماكن عملهم.
هل ستمد طالبان يدها مرة أخرى لتنظيم القاعدة؟
وما أن سيطرت طالبان على مقاليد الأمور في البلاد، أرسلت رسائل طمأنة للعالم تعهدت خلالها عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات على دول أخرى، وهو الشرط الأمريكي الذي تضمنه اتفاق السلام لعام 2020.
تطمينات طالبان لم تُذهب قلق المسؤولين الأمريكيين، ففي وقت سابق هذا العام، قال البنتاغون إن جماعة متطرفة مثل القاعدة قد تكون قادرة على التجدد في أفغانستان، محذرين من النمو السريع وغير المتوقع للجماعات المتطرفة.
من ناحية أخرى، سمحت التطورات التكنولوجية على مدى العقدين الماضيين لواشنطن باستهداف مسلحين مشتبه بهم في دول كاليمن والصومال، حيث لا يوجد للقوات الأمريكية أي تواجد دائم هناك، ومع أن طالبان دفعت فاتورة دورها في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، فهي اليوم وكما يبدو تأمل تجنب تكرار ما حدث عام 2001 من خلال تعزيز حكمها وبدء عهدها الثاني في إدارة أفغانستان.
أفغانستان هي أيضًا موطن لتنظيم داعش الذي نفذ موجة من الهجمات المروعة التي استهدفت الأقلية الشيعية في السنوات الأخيرة، وقد أدانت طالبان مثل هذه الهجمات، واشتبكت الجماعتان مع بعضهما البعض على الأرض، ويبقى أن نرى ما إذا كانت حكومة طالبان ستكون مستعدة أو قادرة على مواجهة داعش.
وقبل أن تجيب الأيام القادمة عن كل التساؤلات التي تدور في الأذهان، سيبقي العالم عينيه مفتوحتين على أفغانستان التي تقع في منطقة تفتح شهية أطراف كثيرة للسيطرة عليها، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، إلا أن الحقيقة التي لا يجب أن يغفلها أي طرف، هي أن أفغانستان يجب أن تكون لجميع الأفغانيين.