حيّ الشيخ جرّاح جُرحُ القدس النازف

الصورة

الاحتلال يلجأ لزرع بؤر استيطانية في هذه الأحياء عبر مصادرة أراضيها و إقامة تجمعات استيطانية عليها أو عبر هدم منازلها و تهجير سكانها أو حتى عبر السماح للمستوطنين باحتلال المنازل الفلسطينيّة فيها و هو ما يحدث في حيي وادي الجوز و الشيخ جراح.

تعاني مدينة القدس اليوم من خطر الاستيطان الإسرائيليّ بهدف جعلها عاصمةً للكيان المحتل، تقطنها غالبيةٌ ساحقة من اليهود مع أقليّة فلسطينيّة معزولة في كانتونات مشتتة بحيث تسهل السيطرة عليها.

 

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فإنّ الاحتلال يعمل باتجاهين متوازيين:

أولًا: توسيع المستوطنات القائمة و بناء مستوطنات و بؤر استيطانيّة جديدة في كلّ أنحاء المدينة المقدسة، و تحديدًا في الجزء الشرقيّ منها، إذ أصبح اليوم في مدينة القدس المحتلّة أكثر من 29 مستوطنة و بؤرة استيطانيّة تحتلّ مساحة 112 ألف دونم تقريبًا، و يسكنها ما يقرب من 280 ألف مستوطن.

ثانياً: تقليل عدد السكان الفلسطينيين، و يقوم الاحتلال بذلك من خلال عدّة وسائل أبرزها جدار الفصل العنصري و الذي يُسمّيه الاحتلال بغلاف القدس، و يتّخذ هذا الجدار مساراً يُمكّن الاحتلال من الحصول على أكبر مساحة أرض ممكنة، و أقل عدد ممكن من السكّان الفلسطينيّين، و ذلك من خلال الالتفاف على القرى و البلدات الفلسطينيّة و عزلها و منعها من الاتصال بمدينة القدس.

 

الاستيلاء على الأحياء الفلسطينيّة الكبيرة التي توجد في مناطق حيويّة و هامّة في المدينة المقدسة لم يتمكّن الاحتلال من التخلّص منها عبر الجدار الفاصل كونها تقع في قلب المدينة. لذا فإنّ الاحتلال يلجأ لزرع بؤرٍ استيطانيّة في هذه الأحياء عبر مصادرة أراضيها و إقامة تجمّعات استيطانيّة عليها أو عبر هدم منازلها و تهجير سكّانها ،أو حتّى عبر السماح للمستوطنين باحتلال المنازل الفلسطينيّة فيها و هو ما يحدث في حيي  وادي الجوز و الشيخ جرّاح.

قصة حيّ الشيخ جرّاح

يقع الحيّ على بعد كم واحد شماليّ البلدة القديمة على الطريق المؤدي ما بين مدينة  القدس المحتلّة ورام الله، يحدّه من الشمال جبل المشارف، و من الشرق حرم الجامعة العبريّة في القدس، و من الغرب مستوطنة رامات إشكول.

سمي بـ "حي الشيخ جراح" نسبة إلى الشيخ حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراح، طبيب  القائد صلاح الدين الأيوبي.

موقع الحيّ هو السبب الرئيس وراء الهجمة الاستيطانيّة الحاليّة عليه، فهو من وجهة نظر الاحتلال يفصل الجامعة العبريّة عن المحيط اليهوديّ، و يُشكّل عائقًا للتواصل الجغرافيّ اليهوديّ بين غربيّ القدس و شرقها، فهو يطلّ على الطريق الرئيس الذي يربط كتلة E1 الاستيطانيّة الموجودة شرقيّ القدس بالجزء الغربيّ من القدس، كما أنّه يُمثّل مع حيّ وادي الجوز الحدّ الشماليّ للبلدة القديمة قلب مدينة القدس.

يعتبر الحي الأرقى في القدس الشرقية المحتلة، و يمكن بسهولة رؤية أعلام دول كبيرة مثل بريطانيا، و إسبانيا و فرنسا و إيطاليا و السويد و بلجيكا، لكن أعلام الاحتلال الزرقاء بدأت تظهر شيئا فشيئا من بين هذه الأعلام، فباتت بؤرة استيطانية أقيمت على أنقاض فندق "شيبرد" الذي أقيم على جزء من منزل المفتي الحاج أمين الحسيني، و تجاور القنصلية البريطانية.

المنطقة المهددة بالمصادرة قطعة من مجموعة قطع داخل حي الشيخ جراح مساحتها 18 دونم من المجموع الإجمالي  3000 دونم 

مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق خليل التفكجي قال لــ"حسنى"  إن  منطقة الشيخ جراح من المناطق المتطورة التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، و سكنته عائلات مقدسية مرموقة كعائلة الحسيني و نسيبة و النشاشيبي و جار الله، موضحا أن المنطقة المهددة بالمصادرة و تهجير أهلها هي قطعة من مجموعة قطع داخل حي الشيخ جراح مساحتها 18 دونم من المجموع الإجمالي الذي تبلغ مساحته الكلية 3000 دونم، و أطلقوا عليها اسم "اليهودية" و سجّلت باسم حارس أملاك العدو إبان الفترة الأردنية بين عامي 1948 و 1967 و هي التي لا تتجاوز مساحتها 18 دونم من المساحة الاجمالية لحي الشيخ جراح مضيفا أنه في العام 1956 أنشأت الحكومة الاردنية منازل في تلك المنطقة بالاتفاق مع وكالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا أجرتها بعقود لــ 28 عائلة فلسطينية هجرت بسبب حرب عام 1948.

التفكجي و رواية أخرى تضحد حارس أملاك العدو

و أضاف خليل التفكجي لــ "حسنى" أنه في العام 2010 طُلب منه الذهاب إلى تركيا للتحقق من الأرشيف التركي حول ما إذا كانت تلك المنطقة من حي الشيخ جراح تعود ملكيتها لليهود حسب ما يزعمون اليوم، ليتضح من خلال الاطلاع على وثائق حفظت في الأرشيف لدى وزارة الدفاع التركية في العاصمة أنقرة، ليتضح أن تلك الأراضي التي بنيت عليها البيوت التي أُجِّرَت للفلسطينيين من قبل الحكومة الأردنية آنذاك هي أراضٍ "محكّرة" لليهود أي أنها ملك للفلسطينيين لكنها أعطيت لمدة 99 عامًا إلى اليهود حينها و أن هذه المدة انتهت و لم تعد، لكن السلطات الإسرائيلية استغلت أن تلك المنطقة مسجلة باسم حارس أملاك العدو و بدأت في عام 1972 بمحاولة الاستيلاء عليها و تمليكها للإسرائيليين، مضيفا أنه في عام 1994 تم إحياء قضية حي الشيخ جراح مرة أخرى و ما زالت حتى اليوم تصارع في المحاكم الإسرائيلية.

الباحث عبد الرؤوف أرناؤوط يؤيد التفكجي في مسألة "التحكير"

ذكر الباحث الفلسطيني عبد الرؤوف أرناؤوط في مجلة الدراسات الفلسطينية "عندما اشتد اضطهاد اليهود في عدد من الدول الأوروبية في سنة 1880، و صل إلى مدينة القدس يوسف بن رحاميم ميوحاس طالباً المساعدة.

في ذلك الوقت لم يخطر في بال عبد ربه بن خليل بن إبراهيم  صاحب الأرض، أن مسارعته إلى دائرة الطابو التركية آنذاك من أجل تحكير قطعة من أرضه في حي الشيخ جراح لمصلحة هذا اليهودي ستتحول لاحقاً إلى نقمة على أحفاده الذين وجدوا أنفسهم الآن مطرودين من أرضهم لمصلحة أحفاد ميوحاس.

أين الوثائق؟؟ 

التفكجي تساءل أين كل الوثائق التي تمتلكها الحكومة الأردنية و التي تثبت أنها تنازلت عن تلك الأملاك التي كانت تديرها الأخيرة للعائلات الفلسطينية؟؟ مؤكداً أن هذه هي إحدى الإشكاليات، مبينا أنه زار دائرة الأراضي في منطقة جبل اللويبدة في عمّان إلا أنه لم يتمكن من الحصول على أي وثيقة تثبت للفلسطينيين حقوقهم بناء على الاتفاق بين الأردن والأونروا.

التفكجي ختم حديثه لــ"حسنى" بالقول: نحن نعرف تمامًا أن القضية ليست صراع وثائق و أملاك يهودية أو غير يهودية إنما هو صراع لإقامة مجموعة من البؤر الاستيطانية  داخل الأحياء الفلسطينية حتى لا تقسّم مدينة القدس بإستخدام كل الوسائل و هو امتداد لمشروع.

كان لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أريئل شارون مشروع بإقامة 26 بوابة حول مدينة القدس، ستكون عبارة عن بؤر استيطانية، مجدداً التأكيد أن ليس الشيخ جراح وحده في عين الخطر و أن هناك مناطق اخرى أيضا مهددة، كحال منطقة كبانية أم هارون و منطقة فندق شيبرد و كرم المفتي التي تقع ضمن منطقة حي الشيخ جراح و ذلك، ضمن رؤية اسرائيلية واضحة تقوم على تطويق الأحياء الفلسطينية و من ثم اختراقها و تشتيتها لبيوتات داخل أحياء تسيطر عليها الغالبية اليهودية فتصبح بذلك القدس عاصمة لهم، و هي القلب و الرأس للشعب اليهودي دون شريك فلسطيني.

ماذا تقول الحكومة الأردنية في قضية حي الشيخ جراح والتهديد الذي يواجهه ما يقرب من 600 فلسطيني بالتهجير؟؟ 

 المدير التنفيذي للصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى في الديوان الملكي الهاشمي الدكتور وصفي الكيلاني، أكد لــ "حسنى"   أن الجهد الأردني مستمر في دعم المقدسيين، و أن حي الشيخ جراح لا يختلف عن قضية حي سلوان، و أن عمّان تحشد كل جهد دولي لمنع تهجير المقدسيين و هدم منازلهم، و أن هذا الصراع هو جزء من صمود أهل القدس في العيساوية و صور باهر و رأس العامود.

 إحصاء أملاك اليهود الذين كانوا متواجدين في القدس قبل عام 1948 و توثيقها

الدكتور الكيلاني، أكد أن الأردن أسس عام 1953 ما يعرف بقانون "حارس أملاك العدو" بهدف إحصاء أملاك اليهود الذين كانوا متواجدين في القدس   و الضفة الغربية قبل عام 1948 و توثيقها،  وذلك جزء من جهد دولي حين ذهب الأردن إلى الأمم المتحدة  للمطالبة بحفظ حقوق 700 ألف لاجيء من الفلسطينيين اللذين هجروا من قراهم و مدنهم وحقوقهم المحافظة على ما يزيد عن  700 مسجد مقابل 4 أو 5 كنس يهودية كانت في الضفة الغربية آنذاك، مضيغا لا يزال الأردن لا يفرض أي مصادرة على حقوق الأفراد مثلما فعله الاحتلال الإسرائيلي بحقوق الغائبين الفلسطينيين علاوة على طردهم من ديارهم ، ملفات حقوق اللاجئين الغير قابلة للتصرف لا تزال محفوظة في المم المتحدة.

وجدد التأكيد على أن ما كانت تسمى بــ "وزارة الأشغال والتعمير الأردنية" عقدت عام 1956 اتفاقاً مع و كالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، مُنِحَ بموجبه عقود إيجار  مساكن لــ 28 عائلة فلسطينية في حي الشيخ جرّاح، موضحاً أن نص عقود الإيجار كان يتضمن التنازل عن جزء من امتيازته كلاجئ كالخدمات و المنح الغذائية التي تقدم لهم، شريطة أن لا يؤثر ذلك بأي شكل من الأشكال على حقوقه في العودة  والحقوق الإقتصادية، والسياسية في وطنه فلسطين التي هجّر منها,

 مضيفاً أن هناك مشاكل لا زالت عالقة تتعلق بملكية الأرض التي بنيت عليها تلك المساكن، فهل هي لجمعيات يهودية كما تدعي جهات استيطانية أم أنها للحكومة الأردنية التي كانت موجودة من العام 1949 وحتى العام 1969.

ماذا تفعل إذا كان القاضي غريمك؟

كما أوضح الكيلاني أن وزارة الأشغال و التعمير لم تعد موجودة منذ السبعينيات و قد تعاقبت بعدها عدة وزارات، و هو ما يفسر عدم وجود نسخ أصلية عن عقود الإيجار التي منحت للعائلات الفلسطينية آنذاك مشددا ان صور هذه العقود وقوائم المستأجرين، متوفرة مع السكان ويجب على المحاكم الإسرائيلية، الاعتراف بها كما فعلت بالسابق.

لكنّ الكيلاني أضاف  أن البحث جار منذ العام 2009 في الأرشيف عن وثائق تتعلق بقضية حي الشيخ جراح، و أن الأردن فتح الباب أمام المحامين الفلسطينيين و مسؤولين في وزارة الخارجية الفلسطينية للبحث عن أي وثائق وانه تم العثور ، على وثائق تعود لمستأجرين اثنين فقط، و أنه تم تصديقها من الجهات الرسمية المعنية، و تسليمها لوزارة الخارجية الفلسطينية  في شباط 2021 و أنه تم تقديم تلك الوثائق للمحاكم الإسرائيلية التي لم تعترف بها متسائلاً: ماذا تفعل إذا كان القاضي غريمك؟؟

الدكتور الكيلاني ختم حديثه أن الأمم المتحدة مطالَبة و من خلال قراراتها بالحفاظ على حقوق الفلسطينيين غير  القابلة للتصرف، أمام تجاوز القانون و صاحب العقد الأصلي من قبل المحاكم الإسرائيلية التي تبنت رواية الجمعيات الاستيطانية.

الجانب الرسمي الفلسطيني

من جانبها أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان السبت الماضي "أن المملكة  الأردنية قدَّمت الوثائق الخاصة بعدد من العائلات، و جار العمل على تأمين و ثائق أخرى، علما بأنه ليس من السهل توفيرها لأنها تعود لحقبة سابقة من الزمن، ما يضطر الجهات الرسمية الأردنية لبذل جهود كبيرة لإيجادها و توفيرها لنا، بما يساعد صمود العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح".

الخارجية الأردنية: "سلّمنا كل الوثائق"

المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية السفير ضيف الله الفايز قال في تصريحات صحفية مؤخرًا، إن جميع الوثائق المتوفرة لدى الأردن تم تقديمها للسلطة الفلسطينية، من خلال سفارتها في عمّان، موضحًا أن كل ما طُلب وكان متوفرًا تم تسليمه مصدقًا، حتى تلك الاتفاقية الموقعة مع وكالة الغوث "الأونروا".

و حول الحملة المرتبطة بالوثائق، و اتهام السلطات الأردنية بالتقصير، قال الفايز "السؤال المنطقي هو إذا كان لدينا شيء لماذا لا نقدّمه؟"، مضيفاً أن "توطين هذه العائلات كان أيام وجود الجيش الأردني، و هو مصلحة أردنية".

و وفق الفايز، لم تبق أي وثيقة، و إذا وُجدت أي واحدة سيتم تصديقها و تجهيزها و إرسالها لتثبيت حقوق سكان الحي و منع إخلائهم من المنازل، معتبراً ذلك كارثة إنسانية.

وقال إن "مصلحة الفلسطينيين هي مصلحة أردنية، لارتباطات جغرافية و ديمغرافية و سياسية و أمنية، فالأردن الدولة الأكثر تأثرًا بكل التفاصيل التي تحدث في فلسطين، و إذا كانت إيجابية فانعكاساتها إيجابية على الأردن، وإذا كانت سلبية فالعكس".

 

مطالبات أهالي حي الشيخ جرّاح

أهالي حي الشيخ جرّاح يطالبون الحكومة الأردنية إرسال وثيقة رسمية من المفترض أن تكون كفيلة بمنعهم من إخلاء الحي لصالح الاحتلال و الجمعيات الاستيطانية.

و ذكرت الناشطة و الإعلامية منى كرد، إحدى ساكنات الشيخ جرّاح، أن المطلوب هو "الاتفاقية التي حصلت بين الـ28 عائلة في حي الشيخ جراح و الحكومة الأردنية"، و ذلك في العام 1956و أنه من الضروري أن تكون هذه الوثيقة مروّسة و مختومة بأختام أردنية رسمية.

 

#أنقذو_حي_الشيخ_جراح

منتصف آذار الجاري، انطلقت حملة "أنقذوا حي الشيخ جراح" على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، دعمًا للعائلات التي تقطن في الحي، مع أمل أن تحقق هذه الحملة هدفها بالضغط لمنع إخلاء العائلات المقدسية وإحلال مستوطنين مكانها.

منى الكرد، التي تقود إلى جانب أصدقاء وأصحاب منازل أخرى في حيها وداعمين حملة "أنقذوا حي الشيخ جراح"، لدق ناقوس الخطر حيال مصير الحي وإيصال صوت أهله بشكل أكبر لكل العالم، وأن ينظر إلى قضيتهم 

 

 

أم كامل.. قصة صمود و تحدٍ

لا يمكننا عند الحديث عن معاناة أهالي حي الشيخ جرّاح في مدينة القدس المحتلة، ألا تنوقف عند قصة كفاح وصمود أم كامل الكرد.

تسكن أم كامل الكرد منزلها في الشيخ جراح منذ عام 1956، و عند تنفيذ أمر الهدم كانت تقطن في المنزل مع زوجها المسنّ المقعد و أبناؤهم الخمسة و عائلاتهم ، بدأ صراع أم كامل مع المستوطنين منذ العام 1998، حينما جدّدت نصف منزلها لإقامة وحدة منفصلة عبارة عن منزل من حجرتيْن لابنها وأسرته. شكّلت هذه التجديدات حجر الأساس للمشاكل التي واجهتها فيما بعد، فعقب بضعة أشهر من قيامها بتلك التجديدات علمت لجنة برلمان الاحتلال المعنية بحقوق الملكيّة اليهودّية أنّ أعمالاً "غير قانونية"  حسب زعمهم نُفّذت في المنزل، و أن ملكيّة الأرض محل نزاع.

 رفعت اللجنة دعوى أمام المحكمة، و تقرّر في نهاية المطاف أنّه يجب السماح لمستوطنين أنْ يعيشوا في نصف المنزل الذي بُنِي على الأرض التي يزعم المستوطنون اليهود ملكيّتها.

  

 

عارض محاموا أمّ كامل الحكم، لكن المستوطنين انتقلوا بالفعل إلى منزلها، حيث احتلّته أول مجموعة منهم عام 2000، و منذ ذلك الحين تعاقب على المنزل الكثير من الأسر اليهوديّة المحتلّة.

 في مطلع العام 2008 باع المستوطنون الذين يدّعون امتلاكهم لأرض إسكان الشيخ جرّاح الأرض إلى شركةٍ استثماريّةٍ تدعى "نحلات شمعون"، و قد قدّمت هذه المؤسّسة مخططّاً لبناء 200 وحدة استيطانية على أنقاض إسكان الشيخ جرّاح، و بناءً عليه سلّمت سلطات الاحتلال رسميّاً سكّان حيّ الشيخ جرّاح إخطاراتٍ بإخلاء منازلهم، و من بينهم عائلة أم كامل .

 محكمة الاحتلال ترفض التماس عائلة أم كامل

و منذ تسلّمها لللإخطار بدأت عائلة الكرد إجراءاتها القانونيّة لوقف أمر الهدم فقدّمت التماسات لمحكمة الصلح و بتاريخ 16 تموز 2008 ردّت المحكمة العليا للاحتلال الإلتماس الذي جاء فيه أنّ المحكمة ترفض إعادة النظر بقرار إخلاء عائلة الكرد وفي 9/11/2008 فوجئت العائلة بعشرات جنود الاحتلال يطرقون بابهم فجراً، و أجبروهم على إخلاء منزلهم فخرجوا جميعاً و أكملوا ليلتهم تلك في العراء، بعد الإخلاء رفضت عائلة الكرد مغادرة ساحة المنزل و أقامت فيها خيمةً للاعتصام، وفي 20/11/2008 هدمت قوّات الاحتلال خيمة الاعتصام التي أقامتها العائلة، بحجّة أنّها مقامة على أملاكِ عامّة . 

 

بعد أن طرد جنود الاحتلال أبو كامل الكرد من بيته بالقوّة أصيب بنوبةٍ قلبيّة، لكنّه رفض مغادرة ساحة البيت إلى المستشفى حتّى لا يموت بعيداً عن منزله، و بعد أسبوعٍ من إقامته في الخيمة تفاقمت حالته بشدّة و أصبح يعاني من مشاكل في الكلى و الرئتين، فنُقل إلى المستشفى في 16/11/2008، بعدها بستّة أيّام أي في 22/11/2008 توفّي أبو كامل الكرد في المستشفى جرّاء المضاعفات المرضيّة التي أصيب بها بعد طرده من منزله.

 

 "أنا بقول للعالم كله، إحنا صابرين لو طخونا، لو طردونا من بيوتنا، لو إلهم الأرض.. ما بعرضوا علينا 16 مليون دولار" 

أُبعد أبناء أم كامل عن حي الشيخ جراح بقرار احتلالي، فنصبت أم كامل خيمة أخرى في الشارع المجاور لمنزلها، و بقيت فيها عاماً كاملاً         وتضامناً مع عائلتي حنّون و الغاوي  بقيت أم كامل عاماً آخراً في الخيمة معهم بعد أن استولى المستوطنين على منزلهم و ما زالت تواظب على زيارة منزلها 3 مرات أسبوعيا،  و ترفض فكرة تخليها عن المكان الذي احتضنها و أسرتها على مدار 4 عقود .

المساكن المهدومة و عدد الأفراد المتضررين في محافظة القدس، 1967 – 2019

المصدر المركز الوطني الفلسطيني

 

كما تجدر الإشارة أن بلدية  الاحتلال تمنح  93% من رخص البناء لليهود و 7% فقط للفلسطينيين في المدينة، حيث يعاني المقدسيون من نقص في الوحدات السكنية بنحو 43 ألف وحدة، و هناك 60 ألفا منهم معرضون لخطر هدم منازلهم.

واليوم تبقى قصة حي الشيخ جرّاح في القدس الجريحة قصة كفاح وصمود في وجه آلة الاحتلال في زمن تنازل فيه مفاوضون و دعاة سلام عما لا يملكون لمن لا يستحقون.

 

00:00:00