بعد عودة بشار الأسد للحضن العربي، من يحتضن السوريين؟

"سوريا تعود للحضن العربي" عنوان رئيس تصدر المواقع والصحف العربية والأجنبية خلال اليومين الماضيين بعد حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة وسط حفاوة وترحيب عربي.

إلا أن المظاهرات التي خرج بها السوريون في الشمال السوري ودول اللجوء لم ترحب بعودة النظام السوري إلى الحضن العربي، فليس من ضمانة يمكن أن تقنع اللاجئ السوري أن بلاده ستعود حضنا آمنا له.

بشار الأسد المرحب به عربيا أكد في كلمته التي ألقاها في القمة أن الحضن العربي ما هو إلا أحد الخيارات، فالأحضان أمامه كثيرة، بحسب تعبيره، كما أصر على ما مر به السوريون شأن داخلي على العرب تقبله أو "عدم التدخل به". 

وتجاهل الأسد في كلمته حقيقة أن تبعات حربه على شعبه تجاوزت حدود سوريا، والهاربون من بطشه ما زالوا يعيشون أسباب الخوف ودوافع الهروب ذاتها، والضمانات التي تسعى المبادرة العربية لتوفيرها لعودتهم -قسرا أو طوعا- إلى بلادهم لا تضمن لهم سوى مصير مجهول.

تهديد مستمر بحق معارضي بشار الأسد

منظمة "هيومن رايتس ووتش" شككت دائما بالوعود التي كان يقطعها النظام السوري في تعامله مع معارضيه، خاصة في ظل استمرار مناصري الأسد بتهديد المعارضين بالقتل والسجن والتعذيب في فيديوهات على مواقع التواصل، إلا أن بعض الجهود الدبلوماسية العربية تأمل بأن تحقق مبادرة "خطوة بخطوة" لاحتضان سوريا نتائج ملموسة تؤدي إلى تخلي النظام السوري عن دعم عمليات تهريب المخدرات، وتهديد أمن الحدود العربية، واستمرار تحميل الدول المجاورة أعباء اللاجئين.

ورغم الجهود العربية، لا يزال ملايين السوريين المهجرين في شتى أنحاء العالم يتخوفون من تبعات هذه العودة، وإذا ما كانت تعني تخليا صريحا عن احتضانهم في دول اللجوء.

بهذه الكلمات رد المهجرون السوريون منددين باحتضان الأسد، ومُذكرين بالمحاولات المحفوفة بالخذلان التي قامت بها جامعة الدول العربية عند اندلاع الثورة السورية.

جامعة الدول العربية كانت قد أدانت الأسد

قبل عشر سنوات وتحديدا في السادس والعشرين من آذار عام 2013، كان قادة الدول العربية قد اجتمعوا في الدوحة مطالبين الأسد بالتنحي والتوقف حالا عن ما أسموه حينها بالجرائم الإنسانية البشعة، وفي محاولات لم تؤت أُكلها، حاولت الجامعة العربية عام 2015 إرسال بعثات مشتركة للاطلاع على الأوضاع في سوريا، إلا أنها نالت حينها بعضا مما كان الشعب السوري يعيشه؛ من هروب من القصف وفقدان بعض أعضاء البعثة.

انتهاك الحقوق الإنسانية للشعب السوري وعدم الاستجابة للمبادرة العربية كان السبب الرئيس وراء تجميد الجامعة العربية عضوية سوريا عام 2012، أما اليوم وفي ظل استمرار الأسباب الموجبة لهذا التجميد لم تعلن الجامعة العربية بشكل واضح وصريح الأسباب التي دفعتها لاحتضان نظام الأسد مجددا، فلم تحمل كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في افتتاح القمة سوى الترحيب بالأسد.

جرائم الأسد تتصدر مواقع التواصل ردا على كلمته في جدة

هذا الترحيب العربي قابلهُ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإعادة نشر صور جرائم النظام السوري،، فمن صورة الطفل حمزة الخطيب، إلى صورالمعتقلين العراة المرقمين، وصور الهاربين من القصف يحاولون قص السياج بين حدود الدول الأوروبية، ومثلهم لاجئون يركبون الأمواج وآخرون غرقوا فيها، إلى صورة الطفل ريان -بجسده المسجى على الرمال- بعد رحلة عذاب طويلة.

كما استمروا أيضا في نشر مقاطع مصورة لِلأبنية المدمرة الشاهدة على قصف متواصل وحصار دام، ومقاطع أخرى للمختنقين بالكيماوي.

لا يحتاج السوريون ولا العالم لهذه الصور لتنشيط الذاكرة بالجرائم التي ارتكبها الأسد فلا الزمن مضى لنسيانها ولا هي توقفت ليتم التجاوز عنها، وعشرات الآلاف في السجون السورية لا يعرف مصيرهم حتى اللحظة.

فإذا كان الحضن العربي اتسع للأسد اليوم ، فما مصير السوريون الذين لم يتسع لهم حضن بلادهم؟

00:00:00