محرر ومذيع أخبار
فرق أمانة عمان و البلديات و ثقافة السحق
حالة من الغضب سادت الشارع الأردني و على مواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً, بعد تداول صور و فيديوهات تظهر الفرق العاملة في أمانة عمّان، و هي تزيل بطريقة صادمة عددا من البسطات التي و صفتها بالمخالفة و العشوائية، وسط تساؤلات عن المعايير الأخلاقية و التعليمات المطبقة في كيفية تعامل فرق أمانة عمان والبلديات مع هذا النوع من المخالفات .
يوم (الأربعاء) تداول مواطنون عبر صفحاتهم على موقع تويتر صوراً تظهر آلية تابعة لأمانة عمان و هي تتلف إحدى بسطات البطيخ في منطقة خريبة السوق جنوب العاصمة، بل تعدّاه الأمر إلى إتلاف و تخريب جزء من رصيف الشارع، الذي كلف الدولة مبلغا من المال الذي أخذته من جيوب المواطنين .
فكتبت لينا بشارت " ول!!!!! الناس ميتة من الجوع وبدها تسترزق! حرام عليكم هاي بالاخر نعمة! هدا اسلوب الاستقواء من امانة عمان ما بدو يخلص"
أمانة عمان و البلديات
و لا يقتصر الأمر على الفرق التابعة لأمانة عمّان، بل تشترك معها بتلك التصرفات الفرق التابعة للبلديات في مختلف مناطق المملكة، ففي نهاية أيار/ مايو الماضي أقدمت بلدية إربد الكبرى على منع باص يعمل في بيع المثلجات، بدعوى أن عدداً من التجار و أصحاب محال تجارية تقدموا بشكوى على الباص كونه يقوم بالبيع بالقرب من محالهم التجارية المستوفية للترخيص حسب الأصول مضيفة أن الترخيص الممنوح للباص هو لنقل البضائع التجارية في مناطق معينة وليس بيعها للمواطنين.
ومع التبرير الذي تقدمه أمانة عمّان والبلديات لما تفعله، فإن السلوك الذي تتبعه فرقها التفتيشية محط سخط و إدانة لدى الأردنيين، معتبرين ذلك لزيادة نسب الفقر والبطالة عبر ملاحقة من ضاقت بهم سبل العيش وهم يبحثون عن كسب قوت يومهم ومصادرة بسطاتهم واتلافها دون الالتفات إلى أوضاعهم المادية الصعبة التي عمّقتها جائة كورونا .
أتذكرون قصة الشاب أنس الجمرة ؟؟
في شباط/فبراير 2020 أشعلت قضية انتحار الشاب الأردني، أنس الجمرة، مواقع التواصل الاجتماعي وسط أجواء من الغضب و الاحتجاجات و حملات شعبية تساند الباعة المتجولين، و كان الجمرة قد أقدم على الانتحار بعد أن صادر موظفو بلدية إربد بضاعته من "بسطته".
حينها نشر رئيس الوزراء الأردني السابق عمر الرزاز، تغريدة، نعى فيها الشاب أنس الجمرة، و وصفه بـ "الشاب العصامي".
و أصدر الرزاز توجيهات باستحداث أسواق مجانية (أو بأسعار رمزية) لأصحاب "البسطات" تمكّنهم من العمل "دون إغلاق الشوارع و ممرات المشاة".
حادثة الجمرة و جهت سهم الانتقادات الشعبية إلى الفساد الذي قالوا إن فرق البلديات تمارسه بحجة تطبيق القانون على المخالفين, منتقدين "مصادرة الرزق" في بلد يعاني من الغلاء المعيشي و حملات متكررة تطالب بالإصلاحات السياسية و الاقتصادية.
بانتظار من يقرع الجرس
يحظر نظام مراقبة و تنظيم الباعة المتجولين، مزاولة مهنة بائع متجوّل، و في حال المخالفة يحقّ للموظف المختصّ «التصرّف بالسلع المخالفة، وفقًا للتعليمات التي يصدرها الوزير لهذه الغاية». لكن مهنة الباعة المتجولين تُصنّف ضمن مفهوم القطاع غير المنظّم أو غير الرسميّ، الذي صادق الأردن على اتفاقية مع منظمة العمل الدوليّة على برنامج لنقل العاملين فيه إلى القطاع المنظم.
تقديرات تقول إن عدد العاملين في هذا القطاع بـ 48% من مجموع العاملين في الأردنّ، فيما تبلغ نسبة مشاركتهم في الناتج القومي الإجمالي نحو 26%، معتبرًا أن هؤلاء العمّال يفتقدون الحماية.
الأردن و دول عربية أخرى تتعامل مع العاملين في هذا النوع من العمل بمبدأ المنع، في حين تتحدث المعايير الدولية عن نقل القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم بطريقة التحفيز، «بحيث يكونوا محميين بالضمان الاجتماعي، و التأمين الصحي، و شروط بيئة عمل مناسبة، و غير خطرة، من واجب الدولة أن توفرها، و ليس الهدف منعهم و مطاردة هذه الفئات الضعيفة.
لما لا يكون هناك توجه لإنشاء مناطق محددة للباعة في الشوارع، بعيدًا عن المحسوبيّة و الواسطات، و أن تكون الأماكن مناسبة لا معزولة في مناطق بعيدة أو يصعب الوصول إليها، و دون أن تفرض البلديات رسومًا و غرامات على هذا النوع من العمل.
تجاوزات فرق أمانة عمان و البلديات طالت كل شيء
ففي كانون الثاني/ يناير 2021 قامت مجموعة من كوادر الأمانة بمصادرة كتب من كشك الثقافة في منطقة وسط البلد و المعروف بكشك (أبو علي ) و وضعها في ضاغطة النفايات، كتب كشك أبو علي الموجود في ذلك المكان منذ أكثر من 70 عاماً كعلامة مميزة طبعت ثقافة مدينة عمّان و يقصدها الأردنيون من مختلف محافظات المملكة بحثا عن مبتغاهم باتت بسبب تصرّف غير مسؤول في ضاغطة نفايات.
قنص كلب بالزرقاء
و في محافظة الزرقاء أثارت حادثة قنص كلب بسلاح ناري من قبل أحد موظفي بلدية الزرقاء حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين بمحاسبته و ذلك بعد تداول فيديو يظهر موظف البلدية و هو يستهدف الكلب بسلاح ناري و بشكل مباشرما أدى إلى مقتله، ويبقى السؤال الكبير هل قتل مثل هذه الكلاب و الحيوانات هو الطريقة المثلى لدفع ضررها، الا يعقل أن تكون هناك حلول بديلة، مثل اللجوء إلى جمعها في أماكن ومحميات مخصصة لها، كما هو الحال في التجربة التركية بالتعامل مع الكلاب والقطط من خلال متابعتها بيطرياً و تأمين الغذاء لها.
تطبيق القانون حاجة ملحّة و غياب روحه يكرّس الشعور بالظلم
هناك ما يعرف مبدأ إعمال روح القانون، الذي يتيح عدم التشدد مع مرتكب المخالفات وفق ما يقتضيه النص، حتى لا يتحول القانون إلى أداة لتوقيع العقاب فقط، دون النظر إلى الدوافع وراء ارتكاب تلك المخالفات، و مبدأ روح القانون أو المساعدة في إطار القانون عام لا يقف تطبيقه عند حد شخص أو وظيفة أو مهنة، و إعماله يؤدي إلى التراحم و التكافل، الذي يقود في النهاية إلى سعادة أفراد المجتمع، فالقوانين تستند دائماً للواقع المجتمعي و ليس العكس. فالقوانين لا تشكل المجتمعات، بل إنها تنشأ من حاجة هذه المجتمعات لها.
ظروف اقتصادية ساعدت في تنامي البيع العشوائي
و مع الاضطرابات العالمية و المحلية التي طرأت مؤخراً بسبب جائحة فيروس كورونا و التي أثّرت بشدة على الوضع الاقتصادي الأردني فرضت على الدولة إجراءات سريعة لحماية الفقراء، بغية الحفاظ على توفير الخدمات الأساسية، و استعادة النشاط الاقتصادي، و الحفاظ على رأس المال البشري الأمر الذي يتطلب حشد موارد مالية كبيرة ما زاد من اعتماد الأردن على التمويل و المنح الخارجية لدعم و تحفيز فرص التشغيل للشباب في بلد يعاني من مديونية مرتفعة بالأساس لتأتي جائحة كورونا و تزيد من معاناة سكانه التي وصلت نسبة البطالة بين شبابه نحو 50 % وفق تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي، الأمر الذي يتطلب المرونة في التعامل مع أصحاب المشاريع الصغيرة كالبسطات والباعة المتجولين.
هل هي مشكلة غياب الآلية و الأسس ؟؟
مساء (الخميس) اكد رئيس لجنة امانة عمان يوسف الشواربة أن الأمانة ستعلن قبل نهاية الأسبوع القادم آلية عمل و أسس لضبط البيع العشوائي الذي يشكل تعدي و تجاوز على الأرصفة و الشوارع و التقاطعات المرورية و أن إزالة المخالفات بحسب الشواربة هو من المسؤوليات المباشرة لمناطق الأمانة بعد حل دائرة ضبط البيع العشوائي مشدداً على منع أي تصرفات فردية بها إستفزاز و تطاول على القانون في حملات البيع العشوائي بشكل يحفظ كرامة المواطن لافتا أنه سيتم استحداث أسواق شعبية جديدة في مناطق العاصمة عمان.
وصلنا إلى مربط الفرس
المتتبع لطريقة تعامل الفرق التابعة للأمانة و البلديات مع ما تسميه تجاوزات البسطات و الباعة المتجولين يجد أن قاسما مشتركاً بينها، هو العنف و الطريقة غير اللائقة في إزالة تلك التجاوزات بطريقة تعكس أن ذلك نهج و ثقافة سائدة لدى أفراد تلك الفرق دون مراعاة لكرامة الإنسان التي تهدر و امتهان للنعمة بمسوغ تطبيق القانون إنه لمنظر محزن عندما تجد بعض أفراد تلك الفرق يتفنن في إتلاف بسطات الخضار و الفواكه عبر سحقها بالآليات أو الأقدام , أما من طريقة لتطبيق القانون تحفظ فيها تلك النعم ؟؟ لم لا يكتفون بمصادرتها دون إتلافها بتلك الطرق الصادمة؟؟ الله الله في هذه النعم و احذروا النقمة.